وفي خطوة مماثلة، دعا مركز الدراسات المتوسطية والدولية عدداً من مسؤولي الأحزاب التونسية للتوقيع على "ميثاق التنافس الانتخابي النزيه". وتضم قائمة الأحزاب الموقعة على الميثاق، حركة الشعب، وحركة النهضة، وحركة نداء تونس (شق الحمامات)، وحركة مشروع تونس، وحزب التكتل، وحزب المبادرة، وحزب التيار الشعبي، وحركة الديمقراطيين الاجتماعيين، وحزب الطليعة العربي الديمقراطي، وحزب المسار، وحزب التيار الديمقراطي، وحزب آفاق تونس، وحراك تونس الإرادة، وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد. ويتضمن الميثاق عدداً من النقاط تتعلق بإنجاز الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 بشكل ديمقراطي نزيه وشفاف وفق مقتضيات المعايير الدولية والشروط القانونية الوطنية، والحرص على ضمان إجراء هذه الاستحقاقات في مناخ انتخابي سليم. ويدعو الميثاق إلى ضرورة رفض كافة أشكال العنف اللفظي والمادي وكل أشكال التكفير والتحريض وكل ما من شأنه أن يمس بكرامة المنافسين وأعراضهم ومبادئ الديمقراطية، علاوة على التزامهم بالتمسك بممارسة الدعاية الانتخابية حسب القواعد التي يضبطها القانون الانتخابي خلال كل مراحل العملية الانتخابية. وينص الميثاق على منح الأحزاب فرصاً متكافئة في البث الإعلامي، وضرورة توخى وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية الدقة والمهنية في نقل الأخبار، إضافة إلى الالتزام بعدم استغلال موارد الدولة، البشرية أو المالية، وعدم توظيف دور العبادة والمؤسسات التربوية في الحملات الانتخابية.
وقال الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، لـ"العربي الجديد"، إنّه في ظل المخاوف القائمة المتمثّلة في عدم احترام قواعد المنافسة النزيهة وعدم حيادية الإعلام ودور شركات سبر الآراء، والعنف السياسي، والحملات التي يجب أن تقوم على البرامج بعيداً عن الرشاوى، وجلها تمثل الحد الأدنى من شروط نزاهة الانتخابات، فإنه كان لا بد من نقاط تنظم العملية الانتخابية. وأوضح أن العديد من الأحزاب وقعت على الميثاق الذي يعتبر وثيقة ذات التزام معنوي، مشيراً إلى أنه حصلت تجاوزات خطيرة في 2011 و2014 أثرت على المشهد السياسي، وبالتالي يؤمل تفاديها. وأكد أنه وعلى الرغم من توقيع بعض الأحزاب ممن سبق لها أن قامت بتجاوزات في الانتخابات الماضية، إلا أنه يعول على وعي هذه الأحزاب لكي تكون في مستوى الحدث والمبادئ التي تم التوقيع عليها، مشيراً إلى أن الانتخابات المقبلة مهمة، لأنها هي التي ستثبّت المشهد السياسي وتضمن الانتقال الديمقراطي، وبالتالي لا ينبغي التفكير فقط في الانتخابات بل في المسار ككل.
وقال القيادي في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ تجربة الميثاق ليست الأولى، إذ سبق للأحزاب التوقيع على ميثاق قبل الانتخابات الماضية، وبالتالي هناك تجربة في هذا المجال، مضيفاً أنّ القانون العام يحمي المناخ الانتخابي، ويوجد أيضاً الهيئة العليا للانتخابات وهيئة الاتصال السمعي والبصري وجلها تعمل لضمان التنافس النزيه. وأوضح أنّ الميثاق الأخلاقي، أو الالتزام الأخلاقي، يجعل المناخ التنافسي معقولاً، وقد تم الاتفاق على عدم اللجوء إلى التشهير وتجريم هتك الأعراض ومنع الاجتماعات التي لا تحترم القانون، وبالتالي فهو ميثاق يرتب الأوضاع السياسية، خصوصاً في ظل الاقتراب من الانتخابات، مشيراً إلى أنه كلما اقتربت المواعيد زادت الأجواء حدة وتشنجاً، وحتى اللجوء إلى خطاب الكراهية والحقد، ما قد يؤثر على العلاقات السياسية ما بعد الانتخابات. وأضاف أنّ دور الميثاق الأخلاقي هو التهدئة والمحافظة على المناخات لترك الأبواب مفتوحة للتحالف بعد الانتخابات، موضحاً أنّ الاختلاف في إطار التنافس لا يعني عدم الالتقاء، وهو ما بينته التجربة، فرغم أن حملة نداء تونس في الانتخابات قامت على نقد "النهضة" إلا أنه حصل تحالف معها. وأشار إلى أنّ "توقيع البعض على الميثاق وارتكابه لتجاوزات بعد ذلك يظل ممكناً، والميثاق هو التزام مكمل للهيئات الدستورية، إذ إنه لا يلغي دور هيئة الانتخابات أو الهيئة المستقلة للاتصال السمعي والبصري"، مضيفاً أنه "يرسي نوعاً من التقاليد الديمقراطية التي لا تقوم فقط على القوانين بل على أخلاقيات، وعندما تترسخ تصبح سلوكاً وتقاليد تنظم العلاقات بين الأحزاب".
واعتبر القيادي في حراك تونس الإرادة عماد الدايمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ الميثاق الانتخابي محاولة جديدة للاتفاق على حد أدنى أخلاقي تلتزم به الأحزاب، في إطار مبدأ المنافسة الشريفة للانتخابات المقبلة، مضيفاً "أنهم وقعوا على الاتفاق وكانوا حريصين على التوافق حول المبادئ الكبرى التي تضمنها، رغم عدم ثقتهم في نوايا بعض الأطراف المشاركة في الانتخابات والموقعة على الميثاق في استعمال أجهزة الدولة، أو المال السياسي في حملتها الانتخابية، لكنه اتفاق سيحمل الأحزاب الموقعة مسؤولية أخلاقية ولإشهاد الرأي العام على ما يجب أن تكون عليه المنافسة والعملية الانتخابية". وأوضح الدايمي أنّ "هناك أسساً تقوم على الشفافية والنزاهة يجب أن تقوم عليها الانتخابات، ولا بد من تحميل مسؤوليات أخلاقية وقانونية للأحزاب في صورة قيامها بأي تجاوزات"، مشيراً إلى أنّهم "سبق أن وقعوا ميثاقاً في 2014، حضرته الرئاسات الثلاث ومنظمات دولية، ووقع عليه عدد من الأحزاب، ولكن في الممارسة فإن أطرافاً لم تلتزم به، واستعملت المال الفاسد وحملات التشويه". وأشار إلى أن "التجربة تتكرر، ورغم غياب ثقتهم في بعض الأحزاب إلا أنها خطوة لأخلقة المشهد السياسي، وواجب من أجل الدفع نحو الأمام. وفي صورة عدم الالتزام ستكون وصمة عار، لأن هناك من لا يطبق ما يوقع عليه من التزامات".
ورأى القيادي في التيار الديمقراطي النائب غازي الشواشي أن "الميثاق يحتوي التزامات أخلاقية بين الفاعلين السياسيين، والمناخ الذي يجب أن تجرى فيه الانتخابات من نزاهة وضرورة التركيز على البرامج والاهتمام بالشأن العام وكيفية تعامل الأحزاب فيما بينها، وهو ميثاق لوضع ضوابط أخلاقية في التعامل بين الأحزاب السياسية وتوفير مناخ سليم للانتخابات وإنجاحها بعيداً عن تعكير الأجواء وتشويه التجربة الديمقراطية". وأضاف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "أحزاب المعارضة، وتلك التي هي في الحُكم، وقعت على الميثاق، وتم عقد جلسات ونقاشات إلى حين الوصول إلى اتفاق حول ميثاق التنافس الانتخابي الذي يؤمل احترامه من قبل الأطراف الموقعة عليه"، مبيناً أن "هذه الخطوة ستساعد، لكنها قد تحرج الأطراف التي لن تحترم الميثاق في الانتخابات". واعتبر أن "مثل هذه الأطر تمثل التزاماً معنوياً وليس قانونياً للأحزاب"، داعياً إلى "التشهير بالأحزاب التي لن تحترم ما وقعت عليه، لكي تصبح اتفاقية ملزمة ومنظمة للعمل السياسي وللدفع نحو احترام بنودها مستقبلاً".