سورية: المعارضة مدعوّة إلى موسكو وسوتشي

19 يناير 2018
الحريري:روسيا تقف بوجه كل المبادرات لإيجاد الحل(مارسيال تريزيني/فرانس برس)
+ الخط -
تتحرك المعارضة السورية على أكثر من صعيد لمواجهة استحقاقات هامة وضعت القضية السورية على مفترق، في ظل ضغوط إقليمية عليها من أجل "تليين" موقفها حيال مؤتمر سوتشي المقبل، إذ تسعى موسكو لدفع المعارضة لقبول دعوة لزيارة الكرملين. ويتزامن ذلك مع مساعٍ تقوم بها الأمم المتحدة لاستئناف مسار جنيف عبر مفاوضات في فيينا في 25 و26 من الشهر الحالي، أسفرت عن موافقة النظام السوري على المشاركة، فيما كانت موسكو تعلن أن هذه المفاوضات لن تشهد لقاءات مباشرة بين وفدي المعارضة والنظام.

ويواصل رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، نصر الحريري، محاولاته حشدَ موقف غربي فاعل من أجل تفعيل العملية السياسية من خلال مسار جنيف التفاوضي، إذ التقى الأربعاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في قصر الإليزيه في باريس. وذكرت مصادر في الهيئة أن الحريري أكد أن الهيئة "تسعى جاهدة لتطبيق القرارات الدولية من خلال تحقيق الانتقال السياسي الحقيقي في سورية، وفق بيان جنيف والقرار 2254"، معتبراً أن روسيا "تقف بوجه كل المبادرات الدولية لإيجاد الحل في سورية". وقال الحريري خلال لقائه ماكرون، إن روسيا "تسعى لعقد مؤتمر سوتشي لتحقيق ما لم تستطع تحقيقه في المحادثات التي عقدت سابقاً في أستانة"، وفق المصادر. من جهته، أكد الرئيس الفرنسي مواصلة دعم بلاده العملية السياسية في جنيف، مشدداً على أن عملية إعادة الإعمار لن يشارك فيها الاتحاد الأوروبي قبل بدء المرحلة الانتقالية الخالية من حكم بشار الأسد. ومن المقرر أن يلتقي وفد الهيئة، اليوم الجمعة، مسؤولين في وزارة الخارجية الألمانية في برلين.

بالتزامن مع ذلك، بدأت الهيئة العليا، أمس الخميس، اجتماعات في مقرها بالعاصمة السعودية الرياض للتحضير للاستحقاقات المقبلة، واتخاذ موقف حاسم من مسألة المشاركة أو عدمها في مؤتمر سوتشي، وهي لم تعلن بشكل واضح رفضها الذهاب إلى سوتشي، ولكن قياديين بارزين فيها أكدوا في تصريحات إعلامية أن النيّة تتجه نحو مقاطعة هذا المؤتمر.
وأكد مصدر رفيع المستوى في الهيئة لـ"العربي الجديد" أن الهيئة تلقت دعوة للقيام بزيارة إلى العاصمة الروسية موسكو، وأن أعضاء الهيئة شرعوا في مناقشة أبعاد هذه الدعوة للوصول إلى قرار حول تلبيتها أو الرفض، مشيراً إلى أن أصواتاً بدأت ترتفع في الآونة الأخيرة لـ"التباحث مع الروس" حول أفضل السبل للتوصل لحل سياسي للقضية السورية.

ومن الواضح أن موسكو بدأت تستخدم أطرافاً إقليمية على علاقة جيدة مع المعارضة السورية من أجل التأثير على الأخيرة للمشاركة في سوتشي المقبل. وذكرت مصادر في الائتلاف الوطني السوري، أن هناك ضغوطاً إقليمية تتصاعد على المعارضة من أجل "تليين" موقفها من مؤتمر سوتشي والقبول بالمشاركة سواء عبر تيارات ومنصات أو عبر شخصيات معارضة فاعلة في المشهد المعارض. وأشارت المصادر إلى أن المعارضة باتت في وضع سياسي "صعب"، مضيفة: "لا نريد أن نخسر حلفاء لنا في الإقليم، وفي الوقت نفسه ندرك خطوة مؤتمر سوتشي على مستقبل قضيتنا، إذ بات من الواضح أن الروس ساعون في طريق تمييعها".

وأفاد مصدر في الائتلاف الوطني لـ"العربي الجديد"، أن الهيئة السياسية في الائتلاف تواصل اجتماعاتها لبلورة موقف من مؤتمر سوتشي، موضحاً أن الهيئة العامة للائتلاف اتخذت، منذ أيام، موقفاً بالرفض، مضيفاً: في حال استجدت أمور ستتم دعوة الهيئة لاجتماع استثنائي. وأشار إلى أن موقف الائتلاف النهائي سيُتخذ إثر الاجتماع الثلاثي بين روسيا وإيران وتركيا، مضيفاً: "نحن في تشاور دائم مع الأتراك حيال سوتشي". وأشار المصدر إلى أن "الروس في ورطة"، لافتاً إلى أن "الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ضد سوتشي، وتبدي هذه الأطراف خشية من محاولات الروس تحييد قرارات مجلس الأمن وترسيخ الحل السياسي كأمر واقع".

وفي السياق، يعقد معارضون ومثقفون سوريون في 20 الحالي ملتقى في 36 نقطة عبر العالم للتعبير عن رفض الشارع السوري المعارض لمؤتمر سوتشي، ومن المقرر أن تلقى كلمات تبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي تؤكد تمسك السوريين بمبادئ الثورة السورية وبحل سياسي يقوم على انتقال سياسي من دون الأسد.


في غضون ذلك، أكد نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن مؤتمر سوتشي سيُعقد يومي 29 و30 الحالي، نافياً الأنباء عن تأجيله. وقال بوغدانوف للصحافيين، أمس، إن قوائم المشاركين في المؤتمر "موجودة، ولكن لم يتم الاتفاق عليها بشكل نهائي مع شركائنا الأتراك، ونحن بانتظار تعليقاتهم النهائية اليوم (أمس) بشأن القوائم التي تم تقديمها في وقت سابق للإيرانيين والأتراك". وأعرب عن الأمل بأن يتم الاتفاق على قوائم المشاركين في المؤتمر، أمس أو اليوم، بشكل نهائي، ليبدأ إرسال الدعوات لحضور المؤتمر إلى الأطراف السورية. وأعلن بوغدانوف أنه سيُعقد في سوتشي لقاء ثلاثي روسي-إيراني-تركي يوم غد السبت، على مستوى نواب وزراء الخارجية.

وعن مفاوضات فيينا، أعلن بوغدانوف، أن لا خطط لعقد مفاوضات مباشرة بين وفدي المعارضة والنظام خلالها، موضحاً أن المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا "دعا وفدين سيعمل مع كل منهما بشكل منفصل"، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة هي من اقترحت هذه الصيغة. وتابع "روسيا تأمل أن تكون الجولة المقبلة من المحادثات السورية في فيينا بناءة". جاء ذلك في وقت أعلن فيه نائب المبعوث الأممي إلى سورية، رمزي رمزي، أن النظام سيحضر مفاوضات فيينا، وذلك في تصريحات له بعد زيارة إلى دمشق أمس.

من جهته، أوضح رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف الوطني السوري أحمد رمضان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن اجتماعات فيينا "مكمّلة لمفاوضات جنيف"، مشيراً إلى أنه تم نقل مكان المفاوضات لـ"أسباب لوجستية"، متوقعاً أن تشهد فيينا مفاوضات مباشرة والتزاماً من وفد النظام بجدول الأعمال. وأكد رمضان أنه "إذا لم يلتزم النظام بجدول الأعمال والمفاوضات المباشرة فالجولة لن تكون ذات قيمة".
ومن الملاحظ أن النظام بدأ منذ أيام تصعيداً إعلامياً جديداً ضد دي ميستورا، وضد المعارضة السورية. واتهمت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، دي ميستورا بـ "التشويش على جهود إطلاق مسار سوتشي للحوار"، مشيرة إلى أن النظام "لم يكن لديه علم بنيّة المبعوث الأممي القيام بجولة مباحثات جديدة، في حين كانت الهيئة العليا للتفاوض على اطلاع بكل مشاريع ونيات دي ميستورا".
وتأتي هذه التحركات الإقليمية والدولية على وقع خلاف جديد قديم بين الروس والأميركيين حول سورية، ومستقبل العملية السياسية. وقال وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، إن على المسؤولين في النظام وحلفائه الضغط على الأسد للتنحي، مضيفاً أن التغيير قادم في سورية، لكنه يحتاج إلى الصبر.

المساهمون