مفاوضات السيسي-ديسالين حول سد النهضة: تراجع مصري وتسويف إثيوبي

19 يناير 2018
اكتفى المسؤولان بإعلان تفاؤلهما وارتياحهما (Getty)
+ الخط -

انتهت القمة بين الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي، هايله ميريام ديسالين، أمس الخميس في القاهرة، بمزيد من التعهّدات الشفهية بعدم الإضرار بالمصالح المصرية، من دون أي حراك واقعي على الأرض. واكتفى المسؤولان بإعلان تفاؤلهما وارتياحهما وبتصريحات الطمأنة لكلا الشعبين، مع تسويف حل القضايا العالقة في مفاوضات سد النهضة لحين تنفيذ صيغة تفاوضية جديدة باشتراك الجانب السوداني.

واستغرق الاجتماع الثنائي بين الطرفين نحو ساعة ونصف، ثم ترأس السيسي وديسالين أعمال اللجنة العليا المشتركة للتعاون بين البلدين، التي انعقدت، على مدار يومين، في القاهرة، لأول مرة منذ تشكيلها مطلع 2015، وشهدا توقيع عدد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات المبدئية، أبرزها اتفاقية إنشاء منطقة صناعية حرة مصرية في إثيوبيا بقيمة 120 مليون دولار، كانت "العربي الجديد" قد انفردت بنشر تفاصيلها، فضلاً عن دراسة بعض المشاريع والاتفاقيات الأخرى لزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، وزيادة الاستثمارات المصرية في إثيوبيا في مجالات الزراعة والصناعة والدواء، والتباحث حول إنشاء منطقة تجارية حرة للمنتجات المصرية، ومنح تفضيلات جمركية للسلع الإثيوبية المصدّرة لمصر.

أما على صعيد سد النهضة، فأعاد السيسي طرح مقترح بإشراك البنك الدولي كطرف ثالث محكّم في المفاوضات القائمة حول سد النهضة الإثيوبي، إلى جانب الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) كطرف أول، والمكتبين الاستشاريين كطرف ثانٍ، مشيراً إلى اتفاقه مع رئيس الوزراء الإثيوبي على صيغة لدراسة المقترح المصري بين الدول الثلاث، ووضع معايير لاختيار طرف محكّم آخر، في حال عدم اختيار البنك الدولي.

وكشفت مصادر دبلوماسية مصرية واسعة الاطلاع، أن الصيغة التي تم الاتفاق عليها مبدئياً تتمثل في تشكيل 3 لجان ثلاثية بين الدول الثلاث؛ الأولى وزارية والثانية فنية والثالثة قانونية، تكلف كل منها بإعادة تحليل اتفاق المبادئ الذي تم إبرامه في مارس/آذار 2015، وكذلك إعادة تحليل الدراسات الفنية التي تم إنجازها حتى الآن، ثم الاشتراك في وضع معايير يتم على أساسها اختيار جهة محايدة للتحكيم بين الدول والمكتبين الاستشاريين اللذين أعدا الدراسات التي ترفضها إثيوبيا وتقبلها مصر.

وأضافت المصادر أن المفاوضات شهدت تراجعاً مصرياً عملياً، إذ أعطت مصر مساحة للدولتين الأخريين لرفض الاحتكام للبنك الدولي الذي كانت تتمسك بإدخاله. وفي المقابل، منحت القاهرة الدولتين فرصة ترشيح جهات أخرى للتحكيم، ربما لن ترحب بها مصر لاحقاً، إذ أثار الطرف الإثيوبي خلال المفاوضات على مستوى وزيري الخارجية والرئيسين، أمس وأمس الأول، شكوكاً وعلامات استفهام حول الخبرات المتاحة لدى البنك الدولي لتؤهله للقيام بهذا الدور، وطرحت بدلاً من ذلك أسماء بعض بيوت الخبرة الأفريقية والأوروبية.

وكشفت المصادر أيضاً أن المفاوضات شهدت إعادة طرح ديسالين للفكرة التي تحدث عنها لأول مرة في يوليو/تموز 2016، ولم تناقش بشكل واسع في اجتماعات اللجان الثنائية السابقة، وهي إمكانية استفادة مصر من السد اقتصادياً، من خلال مساهمتها في إنتاج الكهرباء كما تفعل إسرائيل في بعض محطات الإنتاج الإثيوبية، أو تساهم في استصلاح واستزراع الأراضي الجديدة التي ستستفيد من عمل السد لعلاج الفجوة الغذائية التي يعاني منها الاقتصاد المصري، علماً أن هذا الحل يلقى ترحيباً من إسرائيل التي كان السيسي يحاول استغلال علاقتها الجيدة بالحكومة الإثيوبية لمنع الإضرار بالمصالح المصرية، في فترة ماضية.


وعبّر المسؤولون المصريون عن بعض المخاوف من حل "الاستثمار مقابل المياه"، حول قدرة الحكومة الإثيوبية على توفير المناخ الملائم للاستثمارات المصرية، في ظل وجود شكاوى من المستثمرين المصريين العاملين هناك من ضعف الحوافز وتعقيد الإجراءات وفرض بعض القيود على استيراد الخامات من مصر، فضلاً عن احتياج هذا الحل لبنية تحتية قوية لا تتوافر حالياً في إثيوبيا، إلى جانب عدم معالجة هذا المقترح للمخاوف المصرية من التأثير السلبي لفترة الملء الأول لخزان السد على حصة مصر من المياه.

وتأكيداً لما نشرته "العربي الجديد" سابقاً من أن المحادثات على مستوى القمة ستتطرق، لأول مرة، إلى المسائل الفنية، بعدما كان الرئيسان يكتفيان بوضع الخطوط السياسية العريضة للمناقشات الفنية التي تجرى بين وزيري الري ووزيري الخارجية، كشف مصدر إعلامي إثيوبي أن هناك مقترحاً تفاوض بشأنه السيسي وديسالين، أمس، يُعتبر "تطويراً مشتركاً لمقترح مصري سابق قوبل برفض إثيوبي" يحمل صيغة جديدة لعلاقة تشاركية في إدارة فترة الملء الأول لخزان السد. وتضمن المقترح أن تشارك مصر في تحديد كميات المياه التي سيتم تخزينها بشكل ربع أو نصف سنوي قبل فترة الملء الكلي لخزان السد، وأن يكون لها الحق في مراقبة دقة تنفيذ ذلك الجدول، ولكن لا يكون لمصر أي حق في طلب تغيير تلك الكميات خلال العام، ولا يكون لها أيضاً طلب وقف الملء في أي مرحلة.

ووصف المصدر الإثيوبي هذا المقترح بأنه "خطوة وسطية بين المقترح المصري السابق بالاشتراك في إدارة فترة الملء، وبين الخطوط الحمراء المعلنة من الحكومة الإثيوبية سلفاً خلال التفاوض، برفضها المطلق إشراك أي دولة في إدارة السد طوال فترة الملء الأولى أو بعدها، باعتبار أن هذا الأمر لا يتلاءم مع حقوق السيادة الإثيوبية".

وأكد المصدر أن حزب "الجبهة الشعبية" الذي يرأسه ديسالين سيعقد، خلال أيام، اجتماعاً على مستوى الهيئة العليا لتقييم الزيارة والمقترحات التي نوقشت خلالها، ومستقبل المفاوضات، في ظل التقارب الاستثنائي الأخير مع الخرطوم، والمشاكل بين الأخيرة والقاهرة، والتقارب المعلن بين مصر وإريتريا، مشيراً إلى أن الصحف الإثيوبية القريبة من الحزب شنّت الأسبوع الماضي هجوماً متكرراً على العلاقات بين السيسي ونظيره الإريتري، أسياس أفورقي.
وبحسب المصادر المختلفة، المصرية والإثيوبية، لم تتطرق محادثات السيسي وديسالين، على الإطلاق، للتصعيد السياسي والاستراتيجي بين مصر وإريتريا من جهة، وإثيوبيا والسودان من جهة أخرى، أو للمشكلة المتصاعدة بين القاهرة والخرطوم، إذ تم الاكتفاء بتأكيد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، لنظيره الإثيوبي، ورقيني قيبيو، أن مصلحة مصر تقتضي إبعاد المنطقة برمتها عن الصراعات المسلحة، وتبرؤ شكري من دعم حركات التمرد في منطقة الأورومو، والتي تشهد تراجعاً خلال الفترة الأخيرة، مثمناً الخطوات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة الإثيوبية لدمج المنطقة وإفراجها عن القيادات المعارضة البارزة التي كان بعضهم معتقلاً من دون محاكمات منذ سنوات، وعلى رأسهم القيادي مرارا جودنا.

وكان السيسي قد أنهى المؤتمر الصحافي الذي جمعه أمس مع ديسالين بتصريح مخالف تماماً لكل التصريحات الرسمية المصرية، على مدار الشهور الستة السابقة، والتي أبدى فيها المسؤولون المصريون قلقهم وغضبهم من انسداد المسار التفاوضي، إذ قال إنه مطمئن تماماً، على الصعيد الشخصي، لتعهدات الجانب الإثيوبي، وإنه "كان يريد أن يتحدث رئيس الوزراء الإثيوبي للشعب المصري ليصل له نفس الاطمئنان بأن مقدرات مصر لن تتأثر نتيجة إنشاء سد النهضة".
من جهته، كرر ديسالين تعهداته التي أطلقها منذ 2015 بأن سد النهضة لن يؤثر على مصر بشكل سلبي، وأنه سيكون مصدر رخاء لإثيوبيا ومصر معاً، مضيفاً أن "النيل هو فرصة دائمة للتعاون بين البلدين، وأنه لن يكون محلاً للتنازع أو التنافس، فإثيوبيا التي تزدهر وتنمو لن يتحقق لها ما تريد إذا أضرت ببلدان أخرى، خصوصاً مصر التي يعتبر النيل شريان الحياة بالنسبة لها".