وزارة الخارجية الأميركية لـ"العربي الجديد": العقوبات ستلاحق الحكومات الساعية لمصالحة النظام السوري
ويأتي قرب دخول قانون "قيصر" حيّز التنفيذ، في ظلّ الانقسام الحاد داخل الدائرة الضيقة التي تدير النظام، بعد التصعيد الأخير لرامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام بشار الأسد، ورجل الأعمال الذي لطالما عرف بكونه مع عائلته "الواجهة الاقتصادية" للنظام، وبإحكام قبضته على حوالي 60 في المائة من الاقتصاد والتجارة في سورية. ويواجه مخلوف القطبَ الأكبر داخل النظام، أي عائلة الأسد، والتي تحاول محاصرته وتصفية شركاته، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم هذه الأزمة لجهة حصول مواجهةٍ داخل الطائفة العلوية في سورية، التي قد ينقسم المتنفذون منها بين الطرفين، لا سيما مع ما تفيد به التسريبات من دور لزوجة بشار، أسماء، وعائلتها (الأخرس) في محاصرة مخلوف. في هذه الأثناء، يزداد الضغط الإعلامي الروسي على النظام، وسط تسريباتٍ عن اتفاق روسي -أميركي على تنحية الأسد، للبدء بعملية تسوية شاملة في سورية.
وأكد المبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري، يوم الجمعة الماضي، على تفعيل قانون "قيصر" في موعده، في شهر يونيو/حزيران المقبل، ما سيجعل النظام والمتعاونين معه أكثر عرضةً للملاحقة والعقوبات.
وحول الآلية التي ستتبعها واشنطن لزيادة الضغط على النظام السوري من خلال قانون "قيصر"، أشارت غريفيث إلى أن هذا القانون "يوفر للولايات المتحدة الوسيلة للمساعدة في إنهاء الصراع المروّع والمستمرّ في سورية، من خلال تعزيز المساءلة لنظام الأسد. كما أنه يدعم مبدأ محاسبة أولئك المسؤولين عن وفاة المدنيين على نطاقٍ واسع، وعن وقوع العديد من الفظائع، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية والبربرية الأخرى".
وفي هذا الإطار، أوضحت المتحدثة الأميركية أن "قانون قيصر يضمّ عدداً من البنود الرئيسية التي تفرض عقوبات على النظام السوري وحلفائه، من خلال معاقبة أولئك الذين يساعدونه في الحصول على السلع والخدمات والتقنيات غير العسكرية التي تستخدم لتعزيز قدراته العسكرية". وحذّرت غريفيث من أنه "إذا سعت أي حكومة إلى المصالحة مع الأسد، فإن العقوبات الإلزامية الأميركية سوف تشكّل مخاطر شديدة لأي من شركاتها، التي قد تفكّر في المشاركة في إعادة الإعمار أو مشاريع أخرى مع هذا النظام". ولفتت إلى أن القانون "ينصّ على عقوبات وقيودٍ على السفر لمن يقدمون العون لأعضاء نظام الأسد وداعميه السوريين والدوليين، سواء أكانوا من المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سورية، أو المتواطئين معهم على ارتكابها".
ورداً على سؤال يتعلق بخيارات واشنطن في حال تجاوز النظام حدود القانون والحصار الذي سيفرضه عليه، في ما إذا كان من بينها خيارات عسكرية، أو تنفيذ ضربات ردعٍ خاطفة، كما فعلت واشنطن في السابق، أوضحت المتحدثة أن "السياسة الأميركية في سورية، تركز على إيجاد حلّ سياسي تفاوضي للصراع، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 2254 وضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم داعش ومواجهة النفوذ الإيراني الخبيث وتحقيق العدالة لضحايا انتهاكات نظام الأسد لحقوق الإنسان، بما في ذلك استخدامه للأسلحة الكيميائية. وقد حقّقنا، بإشراف من وزير الخارجية مايك بومبيو، نجاحات كبيرة في سورية، على جبهات متعددة". وأشارت إلى أن "الإدارة الأميركية الحالية حشدت الإجماع الدولي الداعم لسياسة الولايات المتحدة المتعلّقة بضرورة التوصّل إلى حلّ سياسي سلمي للصراع السوري، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254. وشاركنا في المفاوضات الناجحة التي أدّت إلى إنشاء اللجنة الدستورية السورية في جنيف، وعملنا مع شركائنا في المجموعة المصغّرة حول سورية على محاسبة النظام على انتهاكه لحقوق الإنسان، ورفعنا من جهودنا لمحاسبة نظام الأسد، ووثّقنا استمرار استخدام النظام للأسلحة الكيميائية، كما واصلنا تنفيذ العقوبات على نظام الأسد ومموليه أشدّ من أي وقت مضى، في سعيٍ لمتابعة الضغط عليه لوقف انتهاكاته لحقوق الإنسان".
وردت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية بديبلوماسية، على الاستفهام المتعلق بالتسريبات التي خرجت عن مصادر مقربة من مصنع القرار الروسي بأن موسكو وواشنطن قد توصلتا إلى توافق لتنحية الأسد عن الحكم، معربة عن أمل بلادها في أن "يحذو حلفاؤنا حذونا في ما يتعلق بتوسيع إطار عقوباتهم. وبينما نمضي قدماً، سنتابع مشاوراتنا وتنسيقنا المستمرّ مع الحكومات ذات التفكير المماثل. وستواصل الولايات المتحدة تعزيز جهود المساءلة مثل قانون قيصر، علماً أن عملنا هو استجابة لدعوات الشعب السوري لحلّ سياسي دائم للصراع السوري بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 2254".
وقالت غريفيث في هذ الإطار، إن "سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية كانت واضحة دائماً. فنحن نريد حلّاً سياسياً عن طريق التفاوض، ونعتقد أن الأعمال المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها روسيا والنظام الإيراني ونظام الأسد تمنع وقف إطلاق النار وتقف في وجه الحلّ السياسي. وبالنسبة لنا، تظلّ العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة الوسيلة الوحيدة القابلة للتطبيق لحلّ النزاع في سورية، وهو ما يشمل الإصلاح الدستوري والانتخابات التي تشرف عليها الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. ونحن في ذلك ننضمّ إلى الأمم المتحدة في المطالبة بإنهاء العنف الوحشي من قبل نظام الأسد والقوات الروسية والإيرانية ضدّ الشعب السوري".
وكان "المجلس الروسي للشؤون الدولية" (مؤسسة بحثية) قد أصدر الأسبوع الماضي تحليلاً عن السيناريو المستقبلي للأوضاع في سورية، تنبأ فيه بتوافقٍ تركي -أميركي -روسي -إيراني، على تنحية بشار الأسد ووقف إطلاق النار، مقابل تشكيل حكومة انتقالية تشمل المعارضة والنظام و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد).
و"سيزر" أو "قيصر" هو الاسم الحركي لضابط منشق عن النظام السوري، كان قد سرب آلاف الصور للانتهاكات المرتكبة بحق المعتقلين في سجون ومعتقلات وأفرع أمن النظام، والذي تمت صياغة القانون باسمه، تحت عنوان "قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية لعام 2019". وتعرّض القانون لعدد من التعديلات قبل التصويت عليه من قبل الكونغرس الأميركي، كان آخرها في يونيو/حزيران الماضي، قبل تمريره في مجلسي النواب والشيوخ وتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليه نهاية العام الماضي. وينصّ القانون على فرض عقوبات على الأجانب المتورطين ببعض المعاملات المالية أو التقنية مع مؤسسات حكومة النظام السوري، والمتعاقدين العسكريين والمرتزقة الذين يحاربون بالنيابة عن النظام أو روسيا أو إيران، بالإضافة إلى عدد من العقوبات التي تشلّ قدرات النظام سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.