"كورونا" لا يوقف الحرب في أفغانستان: تصاعد الهجمات والاغتيالات

23 مارس 2020
ترتفع أعداد المصابين بفيروس كورونا في أفغانستان(وكيل كوهصار/فرانس برس)
+ الخط -

لقد غيّر فيروس "كورونا" (كوفيد 19) المستجد العالم كله، وقلب أولويات القوى العالمية والمحلية، إذ بات كل الاهتمام منصبّ على أخذ الحيطة والحذر وإيجاد لقاح للتصدي للفيروس. كما علّق تفشي الوباء معظم التجاذبات المختلفة، ولو مؤقتاً، حتى بين أكبر الأعداء على مستوى العالم. كذلك من تبعات الفيروس فرض حظر التجول في بلدان مختلفة، وإغلاق الحدود بين بعض الدول المجاورة. غير أنّ كورونا لم يغيّر كثيراً في أفغانستان؛ لا في ميدان المعركة المسلحة ولا في المعترك السياسي، ولا حتى في الشارع.

في وقت ترتفع فيه أعداد المصابين بالفيروس متخطية الثلاثين حالة، بالإضافة إلى إصدار الرئيس أشرف غني أوامره لجميع الدوائر بالتأهب لمواجهة حالات شديدة جراء كورونا، ذلك لأنه يعرف مدى قدرة الحكومة على ضبط الأمور، علاوة على انشغالها بالحرب المستعصية، لم ينخفض في المقابل مستوى العنف في البلاد، وسط تصعيد متواصل بين طرفي الصراع (الحكومة الأفغانية وحركة طالبان). ويتواصل سقوط القتلى يومياً، وتقام الجنائز من قبل الطرفين. فعلى مدى الأيام الأخيرة، شهدت الساحة الأفغانية أعمال عنف تعتبر الأسوأ منذ أن تم التوقيع على اتفاق السلام بين واشنطن وحركة "طالبان" في العاصمة القطرية الدوحة في الـ29 من فبراير/ شباط الماضي.

أحدث مؤشرات التصعيد تجلّت في الانفجارين اللذين وقعا أمس الأحد؛ الأول قرب مكتب تابع لمؤسسة أجنبية في كابول، ونجم عن قنبلة مزروعة على جانب الطريق، ما أدى إلى إصابة مواطنين اثنين، فيما نجم الانفجار الثاني عن تفجير سيارة مفخخة بعد إيقافها من قبل عناصر الأمن قرب قاعدة "باغرام" الأميركية في منطقة سر صياد بإقليم بروان شمال العاصمة كابول. في موازاة ذلك، أعلنت السلطات المحلية في إقليم قندوز شمالي البلاد قتل 24 عنصراً من "طالبان" وإصابة 19 آخرين، جراء مواجهات عنيفة بين الطرفين في ثلاث مديريات بالإقليم ليل السبت الأحد. كذلك قُتل اثنان من عناصر الأمن وأصيب أربعة آخرون بجروح جراء المواجهات ذاتها.

من جهته، قال المتحدث باسم "طالبان"، ذبيح الله مجاهد، في تغريدة له على موقع "تويتر"، إنّ "الطائرات الحربية الأفغانية قصفت منازل المواطنين في مديرية إمام صاحب (بإقليم قندوز)، ما أدى إلى مقتل 11 مواطناً".

وسبق ذلك هجوم دموي ليل الخميس الماضي أدى إلى مقتل 25 من أفراد قوات الأمن الأفغانية، بعدما اقتحم مسلحون، قالت الحكومة إنهم من حركة "طالبان"، ثكنة عسكرية للشرطة والجيش الأفغانيين في إقليم زابل جنوبي البلاد، وذلك بتواطؤ مع ستة من عناصر الأمن يشتبه في صلتهم بـ"طالبان"، وهو ما أثار ردود فعل محلية ودولية، اكتفت معظمها بالتنديد والشجب لا أكثر. فيما توعّدت الحكومة الأفغانية بالرد، معتبرة تلك الهجمات ضربة لفرص المصالحة. وعلى هذا النحو، توالت أعمال العنف في أقاليم بلخ وكابيسا وفراه وهرات، وفي كل حادث هناك قتلى وجرحى من الطرفين.

وفي خضم حالة من الخوف والقلق تسود العالم كله جراء فيروس كورونا، تشير نبرة التصريحات لدى طرفي النزاع في أفغانستان إلى أنّ التصعيد في تزايد، والذي يبدو أنّ الهدف منه تقوية الموقف على طاولة الحوار، بينما خفض هذا التصعيد بات مرهوناً بقبول كل طرف مطلب خصمه، وليس من أجل مكافحة أزمة كورونا كما هو الحال في العالم.

أمّا المواطن، فلم تمنعه الجائحة العالمية من المشاركة في الجنائز ومراسم العزاء، خصوصاً إذا ما كانت لشباب قتلوا في حرب لا تعرف منتهاها، وذلك على الرغم من توصيات من قبل علماء الدين وخبراء الشريعة بعدم المشاركة الجماعية في صلوات الجنائز ولا في مراسم العزاء خشية تفشي الفيروس.

وبخلاف ما هو سائد في دول العالم، حيث تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي التوصيات الواجب اتباعها للحفاظ على النفس والتصدي لكورونا، فإنّ أكثر مقاطع الفيديو تداولاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي في أفغانستان هي لمسلحين يدخلون الثكنة العسكرية بعد قتل 25 من عناصر الأمن في إقليم زابل الجنوبي الخميس الماضي، فيما النار تحرق الغرف وجثث القتلى متناثرة هنا وهناك، مع تبادل التهاني بين المسلحين بقتل رجال الأمن. كذلك من الصور المنتشرة بكثرة، صورة تعود لشاب قتل في المكان نفسه، وادعى البعض أنه أخ لتسع بنات، وهو الرجل الوحيد المعيل في الأسرة وقد تزوج قبل ثلاثة أشهر.

كذلك انشغل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بقضية اغتيال عالم الدين الشهير في كابول، المولوي نورباجا حماد، مساء السبت، والذي عاد أخيراً للتعليق على مستجدات المصالحة، والحرب الأفغانية ما بعد التوافق بين "طالبان" وواشنطن، فضلاً عن مشاركته في نقاشات عبر القنوات المحلية. وقد اغتيل الرجل في ظروف غامضة في قلب العاصمة كابول.

في هذا السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي الأفغاني، ننجيب ننكيال، على صفحته بموقع "فيسبوك"، إنه حضر مع حماد في أحد النقاشات عبر قناة محلية قبل أيام، والتي وصف خلالها حماد الحرب ما بعد التوقيع على الاتفاق بين "طالبان" وواشنطن بـ"الحرب غير الشرعية". وأضاف ننكيال: "عندما خرجنا من مبنى القناة، أوصيت حماد بأخذ الحيطة والحذر، ولكنه ردّ قائلاً: إني عشت كثيراً، ولكنكم أنتم في مرحلة الشباب، وعليكم توخي الحيطة".

وقبل هذه الحادثة بيوم، اغتيل في وضح النهار في قلب العاصمة الأفغانية كابول، أحد ضباط القوات الخاصة؛ الكوماندوس، ويدعى العميد عبد القادر، وقد تم نقل جثمانه إلى مدينة جلال أباد في اليوم التالي.

أمّا الحالة السياسية في بلد كثر فيه اللاعبون، فما زالت مليئة بالتعقيدات. الأزمة على منصب الرئاسة ما زالت قائمة بين الرئيس أشرف غني ومنافسه عبد الله عبد الله، في الوقت الذي ما زال فيه المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان، زلماي خليل زاد، منشغلاً بحلها، ولكن بلا جدوى. لا بل إنّ الاتهامات الموجهة إليه بخلق الأزمة وصبّ الزيت عليها اشتدّت، حتى وصلت الأصداء إلى البرلمان، إذ طلب بعض أعضائه من الحكومة إخراج خليل زاد من البلاد كي تحلّ المشكلة.

وفي هذا الإطار، قال عضو البرلمان، غلام حسين ناصر، موجّهاً أشدّ الاتهامات إلى المبعوث الأميركي: "إني أطلب من الحكومة إخراج خليل زاد. هو الذي خلق هذه الأزمة ومواقفه تختلف باختلاف الاجتماعات مع السياسيين"، معتبراً أنّ "تصرفات خليل زاد تشوبها الشكوك، وتتعارض مع دستور البلاد".

غير أنّ المبعوث الأميركي، وفي وسط دعوات من مسؤولين أميركيين إلى تشكيل حكومة أفغانية جامعة تشمل جميع الأطياف، ما زال يسعى لأن يجد حلاً للمعضلة الناجمة عن النزاع بشأن الرئاسة، علماً بأنه فشل إلى حدّ الآن في حلها، إذ لم يتنازل كل من غني وعبد الله عن موقفيهما حتى بعد أن دقّ فيروس كورونا أبواب البلاد الهشة أصلاً.

على هذا المنوال، لم تختلف حالة الشارع عن ميادين الحرب وحقل السياسية، إذ يشعر الناظر إليه بأن الأمور كلها بخير، وأنّ لا خطر ولا أزمة موجودة من الأساس. وفيما علقت الحكومة الدراسة وألغت المهرجانات وجميع المراسم التي تقام في اليوم الأول من العام الشمسي الذي صادف أول من أمس السبت، والذي كان إجازة عامة في البلاد، كما غيّرت مواقيت العمل في الدوائر الرسمية، إلا أنّ الأفغان استغلوا كل ذلك ليس لزيادة الحذر من فيروس كورونا، بل على العكس، إذ شهدت الأماكن السياحية خلال يومي الإجازة (الجمعة والسبت الماضيين) ازدحاماً شديداً، تحديداً في متنزه "قرغة" غربي كابول، و"الصياد" في شمالها، وكأن لا شيء حدث، ولا خطر على الأبواب.

المساهمون