البحرين: السلطة تنتخب نفسها وتعيد إنتاج برلمانها

25 نوفمبر 2018
اقترع بحرينيون أمس لاختيار أعضاء البرلمان (فرانس برس)
+ الخط -


حسمت السلطات البحرينية الانتخابات النيابية والبلدية قبل أن تفتح صناديقها أمس السبت، عبر حل الجمعيات المعارضة وسجن قادتها ونفي آخرين، وسحب جنسية كل من يعارضها. ولم تكتف بهذا الأمر، بل إنها أوقفت حتى مواطنين، فقط لأنهم دعوا إلى مقاطعة انتخاب البرلمان، الذي لا يتمتع سوى بسلطات محدودة جداً. كما أصدر الملك حمد بن عيسى آل خليفة، في غضون نحو 3 أشهر، قرارات أنهى فيها أي إمكانية لتخفيف الحقن، إذ قونن فيها رسمياً عزل المعارضين بشكل تام، ومنعهم من الوصول إلى مناصب سياسية.

يشار إلى أن البرلمان في البحرين لا يتمتع بصلاحيات واسعة، إذ إنه يوجد إلى جانبه مجلس شورى يعين أعضاءه الملك، لمدة أربع سنوات. ويجوز إعادة تعيين من انتهت مدة عضويته. ويتألف مجلس النواب من 40 عضواً، ينتخبون طبقاً لنظام الانتخاب الفردي. وللملك أن يمد الفصل التشريعي لمجلس النواب عند الضرورة بأمر ملكي مدة لا تزيد على سنتين. ويمكن اعتبار الانتخابات الحالية بأنها تعيين السلطة لأعضاء مجلس النواب، وهي تأتي في إطار تجميل عملية تسلطها على المعارضة، التي نفي قادتها أو سجنوا. كما يستخدم الحكم الدعم السعودي في قمع المعارضة. وكانت الرياض أرسلت قوات إلى المملكة للمساعدة في سحق الاضطرابات التي بدأت في عام 2011.

واقترع بحرينيون، أمس السبت، لاختيار أعضاء مجلس نواب جديد، في غياب حملة انتخابية حقيقية أو منافسة، بعد منع السلطات المعارضين من المشاركة. وفي مقابل دعوة المعارضة مناصريها لمقاطعة الانتخابات التي وصفتها بأنها "مسرحية"، دافعت السلطات عنها، معتبرة أنها "ديمقراطية"، داعية المواطنين إلى "تجنب الشائعات التي تؤثر على العملية الانتخابية، والاعتماد على المصادر الموثوقة في استقاء المعلومات" بعد معلومات عن رسائل نصية وصلت إلى مواطنين تبلغهم بحذف أسمائهم من سجل الناخبين وتدعوهم إلى عدم التوجه إلى مراكز الاقتراع. ويبلغ عدد المرشحين في الانتخابات النيابية 293 شخصاً، يتنافسون على 40 مقعداً، بينهم 41 امرأة. وتجري انتخابات بلدية أيضاً بالإضافة إلى الانتخابات التشريعية. وبإمكان أكثر من 350 ألف بحريني، من أصل 1.4 مليون شخص، الإدلاء بأصواتهم، بحسب وزير العدل الشيخ خالد بن علي آل خليفة. وتتوقع السلطات نسبة إقبال أكبر على التصويت مقارنة بعام 2014 حين بلغت النسبة 53 في المائة عندما قاطعت جماعات المعارضة الانتخابات.



وتشهد البحرين اضطرابات متقطعة منذ قمع حركة احتجاج، في فبراير/شباط 2011 في خضم أحداث "الربيع العربي"، تطالب بإقامة ملكية دستورية في المملكة. ومنذ 2011، أوقفت السلطات مئات الناشطين والسياسيين المعارضين وحاكمتهم وأصدرت بحقهم عقوبات قاسية بينها الإعدام والسجن المؤبد وتجريدهم من الجنسية، وتعاملت بقسوة مع أية احتجاجات ضدها في عملية قمع قتل فيها عشرات المتظاهرين وفق التقديرات. ولا تتسامح السلطات حتى مع المعارضين السلميين لها، وقامت بسجن العديد منهم وبينهم الناشط البارز نبيل رجب. وعملت السلطات البحرينية على زيادة عمليات التضييق على الجمعيات المعارضة. فقبل وقت قصير من الانتخابات السابقة في 2014، تم تعليق كتلة المعارضة الكبرى في البلاد، "جمعية الوفاق"، وسط حملة قمع للمعارضة. وفي يوليو/تموز 2016، حل القضاء البحريني جمعية "الوفاق" التي كانت لديها أكبر كتلة نيابية قبل استقالة نوابها في فبراير/شباط 2011، وكذلك جمعية "وعد" العلمانية. وحكم على زعيم "الوفاق" علي سلمان بالسجن المؤبد، بتهم عدة بينها التخابر مع قطر. ووصف المدافعون عن حقوق الإنسان محاكمة سلمان بأنها "صورية". يشار إلى أن سلمان، الذي أوقف في العام 2014، ينفذ عقوبة بالسجن لمدة أربعة أعوام في قضية منفصلة لإدانته بتهمة "التحريض" على "بغض طائفة من الناس" و"إهانة" وزارة الداخلية.

ويقول معارضو الحكومة إن مساحة التعبير السياسي أخذت في التقلص في الفترة التي سبقت الانتخابات. وقال نشطاء إن عدداً من النشطاء، بينهم نائب سابق، اعتقلوا، الأسبوع الماضي، بسبب دعوتهم على "تويتر"، إلى مقاطعة الانتخابات. ولن يكون بإمكان "الوفاق" و"وعد" أن تشاركا في الانتخابات، بعد تضييق سلطات البحرين عليهما، عبر سلسلة من التعديلات القانونية التي أقرها العاهل البحريني، الملك حمد بن عيسى آل خليفة. ففي 11 يونيو/حزيران الماضي، صادق الملك على قانون يمنع أعضاء الجمعيات المنحلة من الترشح للانتخابات البرلمانية. وفي مايو/أيار أصدر ملك البحرين مرسوماً يمنع أعضاء الأندية والاتحادات الرياضية من الانتماء لأي جمعية سياسية. كما أقر، في 31 يوليو/تموز، قانوناً يحرم أعضاء الجمعيات السياسية التي أغلقها النظام من عضوية الأندية والجمعيات الثقافية. وتتهم السلطات البحرينية، حليفة الولايات المتحدة ومقر أسطولها الخامس، إيران بافتعال الاضطرابات في المملكة وبتدريب عناصر تتّهمهم "بالإرهاب" لشن هجمات ضد قوات الأمن، لكن طهران تنفي هذه الاتهامات.

وقال الخبير في شؤون الخليج العربي، نيل باتريك، لوكالة "فرانس برس"، إن الانتخابات البحرينية "خسرت كل معانيها السياسية والعملية" منذ مقاطعتها من قبل جمعية "الوفاق" التي تقود المعارضة السياسية في المملكة. واعتبر أن "إبعاد الوفاق ووعد، اللتين تضمان أشخاصاً من مختلف مكونات المجتمع، يؤكد عدم وجود أي معنى للانتخابات البحرينية". وتابع "يمكن اعتبار الانتخابات مجرد مصدر لتعزيز مكانة أفراد يسعون لتقديم أنفسهم على أنهم يمثلون المجتمع". ويصادق سيد أحمد الوداعي، مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، ومقره في بريطانيا، على تصريح باتريك. وقال الوداعي، لوكالة "رويترز"، إنه "من الواضح أن هيئات تشريعية من الدول الديمقراطية الرائدة في العالم تعتقد أن الانتخابات في البحرين تفتقر إلى الشرعية، إذ لا يمكنك ببساطة أن تسحق وتعذب وتسجن المعارضة بأكملها، وتدعو إلى انتخابات زائفة ثم تطالب باحترام المجتمع الدولي". وكانت منظمة العفو الدولية أعربت، الجمعة الماضي، عن "قلقها الشديد" من قمع السلطات البحرينية للمعارضة السياسية. وقال الباحث في المنظمة، ديفين كيني، في بيان، إنه في العامين الماضيين تم "احتجاز وتخويف وإسكات المعارضة السياسية". وأضاف "ندعو السلطات لوقف هذا القمع المستمر والمتصاعد والسماح بحرية التعبير للأصوات المعارضة، بمن في ذلك أولئك الذين يعارضون النظام الملكي". وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في بيان، إن المنامة تتقاعس في توفير الظروف اللازمة لإجراء انتخابات حرة عن طريق "سجن أو إسكات الأشخاص الذين يتحدون العائلة الحاكمة" فضلاً عن حظر جميع أحزاب المعارضة.

وقال القيادي في "الوفاق"، علي الأسود، الذي يعيش في منفى اختياري في لندن وقد حكم عليه غيابياً بالسجن المؤبد، إن صعود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان شجع سلطات البحرين في قمعها للمعارضة، الذي شمل تجريد عشرات النشطاء من جنسيتهم. وأضاف الأسود، لـ"رويترز"، إن "السلطات ما كان لها أن تمضي في كل هذا القمع دون دعم قوي من الحكومة السعودية"، معتبراً أن "ولي العهد السعودي لا يستمع إلا للمتعنتين في العائلة الحاكمة في البحرين". وتأمل بعض شخصيات المعارضة في أن يؤدي الاحتجاج على مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول إلى تقوية الأصوات الأكثر اعتدالاً في المنطقة، بمن فيهم أفراد العائلة الحاكمة في البحرين المستعدون للحوار مع المعارضة. وقال الأسود إن "الولايات المتحدة إذا وجهت اتهاماً حقيقياً للأمير محمد بن سلمان، فإن الأجنحة المتعنتة في البحرين التي لا تريد العمل مع المعارضة ستضعف". لكن بعض المحللين يشككون في ذلك. وقال مارك أوين جونز، من معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إكستر، "قتل خاشقجي سيسهم ببساطة في إبراز أن من يرغبون في تسليط الضوء على الانتهاكات يواجهون مهمة أكثر خطورة". وأضاف "إذا حدث أي شيء فإن تأثيره ستقشعر له الأبدان".
(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس، أسوشييتد برس)