في الوقت الذي تنتظر فيه بغداد أن تؤدي الإجراءات العقابية ضد أربيل، فضلاً عن ضغوط دول الجوار الإقليمية، إيران وتركيا، إلى تراجع إقليم كردستان عن موقفه الحالي، والإعلان بشكل رسمي عن إلغاء نتائج الاستفتاء وبدء الحوار ضمن بنود الدستور الذي ينظم العلاقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم، أدت زيارات رئيس البرلمان العراقي، سليم الجبوري، ونائبي الرئيس، إياد علاوي وأسامة النجيفي، إلى أربيل، الجمعة والسبت الماضيين، واجتماعهم مع رئيس الإقليم، مسعود البارزاني، إلى انقسام حاد في مواقف الكتل السياسية في بغداد، خصوصاً داخل البرلمان.
في هذا الوقت، أكد المتحدث باسم الحكومة العراقية، سعد الحديثي، لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة غير معنية بأي شكل من الأشكال بتلك الزيارات وما نتج عنها من اتفاقات"، فيما طالبت كتل سياسية، أبرزها "تيار الحكمة"، بزعامة عمار الحكيم، و"دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي، باستجواب الجبوري وعلاوي والنجيفي، لمخالفتهم القرارات وذهابهم إلى أربيل وعقد تفاهمات مع البارزاني خارج ما تم التصويت عليه في البرلمان، وهو ما نفاه رئيس البرلمان، الذي أكد، في بيان، أن ذهابه إلى أربيل واجتماعه مع البارزاني كان لاستشعاره بخطورة الموقف الحالي الذي يهدد العراق كدولة. وأصدرت بغداد، أمس الإثنين، حزمة إجراءات عقابية جديدة، بينها إخضاع شركات الاتصالات العاملة في الإقليم للسلطة الاتحادية في بغداد، والبدء بإعداد قائمة بالموظفين الحكوميين المشاركين بالاستفتاء لغرض فصلهم من وظائفهم، سواء كانت عسكرية أو مدنية، وكذلك العمل على متابعة لجنة حسابات مسؤولي الإقليم المالية في البنوك الخارجية وتجميدها بالتنسيق مع الدول التي توجد فيها تلك الحسابات.
وقال مسؤول عراقي بارز في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "مواقف الجبوري والنجيفي وعلاوي حيال الأزمة، ومطالبتهم الحكومة بوقف العقوبات على أربيل وبدء المفاوضات سريعاً واعتراضهم على سماح بغداد بتدخل كل من تركيا وإيران في الأزمة، أدت إلى انقسام حاد داخل الكتل السياسية في بغداد، وكذلك إلى خلافات بين رئيس الوزراء، حيدر العبادي، والأطراف التي زارت أربيل". وأوضح أن "العبادي اتهم الجبوري والنجيفي وعلاوي بأنهم يسعون لكسب ود البارزاني لأغراض انتخابية، إذ يسعون لعقد تحالف مع الأكراد بعيداً عن الكتل الشيعية التي تأخذ موقفاً متشدداً حيال الأزمة"، مؤكداً أن "التطور الأخير دفع رئيس الوزراء إلى إطلاق حزمة الإجراءات الجديدة، رداً على ثلاثي الزيارة لأربيل، الجبوري والنجيفي وعلاوي". وكشف عن مساعدة أنقرة لبغداد في رصد أكثر من 30 حساباً مصرفياً لمسؤولين أكراد في تركيا وأوروبا، يتم عبرها إيداع أموال النفط الذي يصدره الإقليم إلى الخارج، أبرزهم مسرور البارزاني، نجل مسعود البارزاني، وهوشيار زيباري والمستشار في مكتب البارزاني، كاوه علي، مضيفاً أن "الحكومة العراقية ماضية في قرارات جديدة وإجراءات ضد أربيل". وعلمت "العربي الجديد" عن مغادرة عدد من الشخصيات الغربية الداعمة لاستفتاء الإقليم، كانت متواجدة في أربيل منذ مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي، وتم تعيينهم ضمن اللجنة الاستشارية التي شكلها الإقليم قبيل إجراء الاستفتاء، من بينهم السفير الأميركي الأسبق في العراق، زلماي خليل زاده، ووزير الخارجية الفرنسي الأسبق، بيرنار كوشنير، وشخصيات سياسية ودبلوماسية أخرى، مثل الإسرائيلي إيدي كوهين، وبرنار هنري ليفي، والسفير الأميركي السابق في كرواتيا بيتر غولبريث.
وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية، سعد الحديثي، لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة العراقية غير معنية بالتفاهمات التي جرت أخيراً في أربيل، بين نائبي رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان كونها خارج سياقات الدستور العراقي". وأضاف أن "الحكومة تتعامل مع القضية وفق القانون والدستور، وبالنسبة لها لا تعترف بأي إجراءات خارج هذا السياق، كما أنها لم تغير موقفها من استفتاء إقليم كردستان غير الشرعي". وتابع "على أربيل الإقرار باحترامها الدستور والسيادة الوطنية على كامل الأراضي العراقية، وبصلاحيات الحكومة الاتحادية في جميع الملفات، وإلغاء ما يعرف بالاستفتاء، وإلا لن يكون الحوار نافعاً". من جانبه، قال عضو التحالف الكردستاني، كيفي خوشناو، لـ"العربي الجديد"، إن "بغداد تسعى لانتزاع تنازل عن الاستفتاء من أربيل من خلال ضغوط تمارسها هي ودول الجوار، وهو ما لن يحدث". وأضاف "تم إبلاغ وسطاء بأن الاستفتاء حق شعبي، ويمكن الحوار بعيداً عنه والتوصل إلى حلول، لكن مسألة إلغائه هي إلغاء لحق تقرير المصير الذي نصت عليه كل الشرائع والقوانين، ومنها ميثاق الأمم المتحدة، في خمسينيات القرن الماضي"، وفقاً لقوله. وتابع أن "الإقليم بشكل عام وضع صورة مسبقة لكل ردود الفعل الحالية، ومسألة أن تطول الأزمة عامين أو ثلاثة لم تعد مفاجئة، كما أن مسألة التلويح برد عسكري على الإقليم غير واقعية، وواشنطن لن تسمح بذلك، وكذلك دول الاتحاد الأوروبي، وإيران وتركيا تعلمان ذلك جيداً".
في هذه الأثناء، تترقب بغداد عودة رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، من السليمانية إلى مقر إقامته في المنطقة الخضراء خلال أيام، حاملاً مبادرته الخاصة بحل الأزمة. وقال عضو الاتحاد الوطني الكردستاني، نوزاد الجاف، لـ"العربي الجديد"، إن "معصوم يجري حوارات مع القيادات الكردية قبل العودة إلى بغداد وعرض المبادرة"، مبيناً أن "المبادرة لا تتضمن أي حديث عن انفصال كردستان أو تشكيل كونفيدرالية، بل حواراً ضمن الدستور، وهناك كتل كردية تدعم المبادرة، مثل الاتحاد الوطني وحركة التغيير وقيادات في الجماعة الإسلامية". في المقابل، فتحت مفوضية الانتخابات في إقليم كردستان باب الترشح إلى انتخابات البرلمان، وطالبت الكتل السياسية والأحزاب بتقديم مرشحيها حتى الجمعة المقبل، حيث من المقرر أن تبدأ بعدها الحملة الدعائية للمرشحين. وقال موظف في مفوضية كردستان، لـ"العربي الجديد"، إن "تجاوب الأحزاب مع التسجيل ضعيف، كما أن البرلمان الحالي لم يبلغنا بشمول كركوك والمناطق المتنازع عليها الأخرى بالانتخابات أم لا". وبيّن أن "ذلك سبّب حالة إرباك كبيرة داخل المفوضية، التي لم تتلقَ إجابات قانونية من البرلمان أو رئاسة الإقليم". وأعرب المتحدث باسم الاتحاد الوطني الكردستاني، سعدي بيره، عن اعتقاده بأنه لن يتم إجراء الانتخابات المحلية في الإقليم بل سيصار إلى تأجيلها بسبب عدم الاستعداد لها. وأوضح بيره، في تصريح نقلته وسائل إعلام كردية، أنه "من المرجح تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية في إقليم كردستان، بسبب عدم الانتهاء من كافة التحضيرات اللازمة لإجرائها، والمشاكل الفنية والقانونية التي طرأت خلال الأيام الماضية". من جانبه، استبعد القيادي في الجماعة الإسلامية الكردستانية، شوان رابر، إجراء الانتخابات في إقليم كردستان في موعدها المقرر، لافتاً إلى أن "هناك فتوراً واضحاً من قبل الحزبين الرئيسيين بشأن إجراء الانتخابات في الموعد المحدد". وقال رابر، في مؤتمر صحافي في مبنى البرلمان في بغداد، "أستبعد إجراء الانتخابات البرلمانية لإقليم كردستان في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل".