"احتفالية" زيارة ترامب للرياض: اقتصاد وإيران ولا أولوية لفلسطين

18 مايو 2017
تأتي زيارة ترامب بظل تعزيز التعاون العسكري الأميركي-السعودي(جوناثان إرنست/Getty)
+ الخط -
تعطي السعودية للزيارة الخارجية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى الرياض، أهمية استثنائية، وهو ما يظهر في التحضيرات السياسية والإعلامية والأمنية لأحداث يومي السبت والأحد المقبلين. وستكون الساعات الـ48 التي يقضيها ترامب في العاصمة السعودية، قبل توجهه إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، حافلة بثلاث قمم ستكون بعنوان "العزم يجمعنا"، يطغى فيها الجانب الاقتصادي على الجانب السياسي ومحاربة الإرهاب. ويستبعد أن تحتل القضية الفلسطينية مكانة كبيرة في الاجتماعات واللقاءات الرسمية، أو تلك التي تعقد على هامش القمم الثلاث: السعودية ــ الأميركية، والخليجية ــ الأميركية، والإسلامية ــ الأميركية. أما التوقعات المتصلة بجدول المواضيع السياسية التي ستحتل صدارة الاجتماعات، فتجمع على أن تكون إيران عنواناً أولاً ورئيساً، خصوصاً في الاجتماعات الضيقة، وليس في القمة الإسلامية ـ الأميركية التي تجمع عدداً كبيراً من المسؤولين مع ترامب ووفده المرافق الكبير.

لكن مصادر "العربي الجديد" تكشف أن الإدارتين الأميركية والسعودية أسندتا إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، مسؤولية وضع جدول أعمال محدد للقاءات العربية الأميركية، حتى لا تكون مجرد جلسة تعارف بين ترامب والزعماء العرب، نظراً لعلاقة الملك عبدالله الثاني الوطيدة بواشنطن والرياض والعواصم العربية الرئيسية. ولهذه الغاية، وصل إلى القاهرة، ظهر أمس، الملك الأردني للقاء الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي. وأوضحت المصادر أن كلاً من الملك الأردني والسيسي يحاول الدفع في اتجاه إعطاء الوقت للأحاديث مع ترامب حول "أفكار" جديدة عربية لتحريك المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، مع أنه ليس هناك توقعات كبيرة في هذا الصدد، إذ إن إدارة ترامب لم تطلق بعد فعلياً حراكها الدبلوماسي في ما يتعلق بالملف الفلسطيني، ولم يمر سوى يومين بعد على تقديم السفير الأميركي الجديد ديفيد فريدمان أوراق اعتماده إلى القيادة الإسرائيلية. ولا يتوقع أن تظهر بسرعة نتائج التقارب الخليجي ــ الأميركي على قاعدة شعار "معاً ضد إيران وعلى حساب فلسطين"، مثلما تختصره تسريبات صحافية في بعض الإعلام العربي والعبري.

وستكون بداية فعاليات زيارة ترامب إلى الرياض، يوم السبت المقبل، عندما يعقد العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، سلسلة من الاجتماعات الثنائية مع ترامب ستركز على تعزيز الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية الوثيقة بين البلدين، بحسب الإعلانات الرسمية السعودية منها والأميركية. وفي اليوم التالي، الأحد، يجتمع قادة مجلس التعاون الخليجي مع الرئيس الأميركي لمناقشة "التهديدات التي تواجه الأمن والاستقرار في المنطقة" وبناء علاقات تجارية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي. في اليوم ذاته، يجتمع الضيف الأميركي مع قادة 55 دولة عربية وإسلامية "لمعالجة سبل بناء شراكات أمنية أكثر قوة وفعالية من أجل مكافحة الإرهاب والتطرف"، على أن يلقي ترامب على منصة القمة خطاباً عن الإسلام، و"سيناقش مع الزعماء مخاطر التطرف والإرهاب ونشر قيم التسامح والتعايش المشترك".

وكان الملك سلمان اعتبر خلال ترؤسه لمجلس الوزراء السعودي، أن القمة العربية الإسلامية ــ الأميركية "تنعقد في ظل تحديات وأوضاع دقيقة يمرّ بها العالم أجمع"، آملاً في أن "تؤسس هذه القمة التاريخية لشراكة جديدة في مواجهة التطرف والإرهاب ونشر قيم التسامح والتعايش المشترك"، وفق تعبيره. وتنظر الرياض إلى هذا الحدث بوصفه مناسبة مهمة لعرض فرص النمو الاقتصادية الديناميكية للسعودية، إضافة إلى قوة الشراكة الاستراتيجية ليس فقط مع الولايات المتحدة، ولكن مع الدول العربية والإسلامية في أنحاء العالم. كما تتعاطى معها على أنها "بمثابة منصة الإطلاق لجميع الشركاء الأميركيين والعرب والمسلمين لاتخاذ خطوات جريئة جديدة لتعزيز السلام ومواجهة أولئك الذين يسعون إلى إشاعة الفوضى والعنف في جميع أنحاء العالم الإسلامي وما وراءه"، بحسب مصادر مواكبة لتحضيرات اللقاءات.


ولترتيب أوراق القمة الخليجية، عقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، أمس الأربعاء، في مقر الأمانة العامة بمدينة الرياض، اجتماعاً تشاورياً، برئاسة وزير الخارجية البحريني، الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة.

عقدة البشير
ستكون المعضلة الأكبر في القمة، هي حضور الرئيس السوداني، عمر البشير، المطلوب لدى محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم، ووجوده مع الرئيس الأميركي تحت قبة قاعة الاجتماعات. وبحسب وكالة "فرانس برس"، وجهت السعودية الدعوة بشكل رسمي للرئيس السودانى. وقال مسؤول سعودي رفيع المستوى في رده على سؤال وجهته له الوكالة حول مشاركة البشير: "إنه مدعو"، من دون أن يؤكد ما إذا كان الرئيس السوداني سيحضر القمة أم سيعتذر عنها. بيد أن الرئيس السوداني أكد في مقابلة أجرتها معه صحيفة "الشرق" القطرية، أن حضوره قمة يشارك بها الرئيس دونالد ترامب هو "نقلة كبيرة جداً في علاقاتنا مع المجتمع الدولي، وأكبر مؤشر لمن يخوفون الآخرين أنني أشارك في قمة يشارك فيها الرئيس الأميركي"، وفق تعبيره. وتوقعت مواقع سودانية مقربة من قصر الرئاسة أن يصل البشير إلى السعودية قبل القمة بيومين، وأن يجري في الرياض مشاورات مع الملك سلمان بن عبد العزيز.

لكن السفارة الأميركية في الخرطوم نفت، أمس، ما سمتها "شائعات" عن مشاركة البشير في قمة الرياض. وذكرت السفارة في بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية على موقع "فيسبوك": "رداً على الشائعات التي نشرت أخيراً في وسائل الإعلام، تؤكد السفارة الأميركية في الخرطوم مجدداً أن الولايات المتحدة اتخذت موقفها في ما يتعلق بسفر الرئيس السوداني عمر البشير". وأضافت "نحن نعارض الدعوات أو التسهيلات أو الدعم لسفر أي شخص يخضع لأوامر اعتقال صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك الرئيس البشير".


برنامج مزدحم
ومن المرجح ألا يجد ترامب خلال اليومين اللذين يقضيهما في الرياض وقتاً للتغريد على موقع "تويتر"، إذ لن يقتصر البرنامج على القمم الثلاث، بل يضم أيضاً ست فعاليات أخرى، ستكون في اليوم الأول للزيارة. وعقب القمة السعودية – الأميركية، يفتتح معرض الفن المعاصر السعودي عبر الأجيال المختلفة مع التركيز على جيل الشباب. أما منتدى الرياض لمكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب، الذي يحتضنه "مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية"، فستجتمع فيه نخبة من الباحثين ومراكز الدراسات والبحوث بهدف إنتاج ونشر العمل الأكاديمي وإثراء الحياة الثقافية والفكرية في السعودية، وسيكون برعاية التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، كما سيبحث المنتدى في طبيعة الإرهاب ومستقبل التطرف. أما المنتدى السعودي – الأميركي للرؤساء التنفيذيين الذي سيُعقد في اليوم ذاته، فسيجمع قادة الأعمال من جميع أنحاء السعودية والولايات المتحدة الأميركية، بهدف تعزيز العلاقات التجارية بين الرياض وواشنطن من خلال توفير منصة لتعزيز التجارة البينية وتذليل الصعوبات التي تحول دون إقامة روابط اقتصادية أوثق.

أيضا سيزور ترمب "مركز الملك عبد العزيز التاريخي"، ليطلع على تاريخ شبه الجزيرة العربية ورسالتها المتمثلة في نشر الدين الإسلامي. وبعد جولة ملكية في المركز، ستقام مأدبة عشاء تقليدية في قصر المربّع تكريماً لضيف المملكة. وفي اليوم التالي، سيُعقد مؤتمر "مغردون 2017"، بحضور الرئيس الأميركي وملك الأردن، إلى جانب الرئيس التنفيذي لـ"تويتر" جاك دورسي، ووزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، ووزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد، والناشطة الباكستانية مالالا يوسفازاي. وسيناقشون بشكل مباشر طرق مكافحة التطرف والإرهاب في العصر الرقمي. كما ستشهد الرياض افتتاح "المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف" الذي يهدف إلى منع انتشار الأفكار المتطرفة من خلال تعزيز التسامح والتعاطف ودعم نشر الحوار الإيجابي.


اقتصادياً، كشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، عن أن شركة "أرامكو" السعودية تعتزم توقيع اتفاقيات مع 10 شركات أميركية خلال زيارة الرئيس الأميركي للسعودية، من بينها شركة "جنرال إلكتريك"، وشركة "شلمبرجير" المحدودة، وشركة "هاليبرتون" للبترول، أضافة لشركة "بيكر هيوز"، وشركة "جاكوبس" الهندسية، وشركة "نابورس" للصناعات المحدودة، وشركة "وذرفورد انترناشيونال بي إل سي"، وشركة "ماكديرموت إنترناشيونال"، وشركة "روان كومبانيز". ولم يتم الإعلان عن طبيعة قيمة تلك الاتفاقيات، إلا أن المصادر أكدت أنها تهدف لتعزيز القيمة السوقية لـ"أرامكو" قبل طرح أسهمها في البورصة العالمية.