"انقلاب" في المؤسسة الأمنية المصرية: لا مقاتلين على رأس الجيش

15 يونيو 2018
السيسي خلال اجتماعه بصبحي وزكي أمس (العربي الجديد)
+ الخط -
على عكس المتوقع، أطاح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بوزير الدفاع صدقي صبحي، معيّناً قائد الحرس الجمهوري الفريق محمد زكي، خلفاً له، مستغلاً التغيير الحكومي وتعيين رئيس الوزراء الجديد مصطفى مدبولي، الذي أدت حكومته الجديدة اليمين الدستورية أمام السيسي أمس الخميس، بتغيير شمل 12 حقيبة وزارية، من بينها وزارتان سياديتان، هما الدفاع والداخلية، إلى جانب حقائب هامة على غرار المالية، والشباب والرياضة، والصحة، والزراعة.
ويأتي هذا الحدث مكملاً لسلسلة من الإجراءات التي اتخذها السيسي لإحكام السيطرة على الجيش وتوظيف الشخصيات الموثوق فيها والمقربة منه في المناصب المهمة، مع إعطاء رسائل واضحة برفض تشكيل أي أجنحة أو أي شعبية لضباط كبار داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فتستمر الشعبية حكراً عليه، وتبقى السيطرة بيده وحده.

وقال مصدر حكومي إن "التغيير لا يهدف بالتأكيد إلى ما قد تصفه المصادر الرسمية والعسكرية المصرية بتطوير الأداء العسكري والقدرة على مواجهة الإرهاب؛ فوزير الدفاع الجديد عاد أمس إلى مقر وزارة الدفاع بعد 5 سنوات من العمل البروتوكولي في قصور الرئاسة، وبالتالي فإن هدف التطوير والتحديث ليس من أولويات السيسي على الإطلاق".
وأضاف المصدر أن الهدف الرئيس للسيسي هو تأكيد السيطرة وعدم السماح لأي عقبات دستورية أو سياسية بتقييد اختياراته، فالدستور الحالي يشترط لتغيير وزير الدفاع موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة حتى عام 2022، وكان هذا النص في الأصل موضوعاً تحسباً لعدم إقدام السيسي على الترشح للرئاسة والاستمرار في التحكم في مقاليد الدولة من مقعد وزير الدفاع.

موافقة المجلس الأعلى على تغيير الوزير صدقي صبحي تأتي طبيعية وأسهل عملياً من قرارات سابقة اتخذت خلال السنوات الماضية، ذلك لأن السيسي أصبح مسيطراً بالكامل على المجلس العسكري منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي عندما أطاح بقائد سلاح الدفاع الجوي عبدالمنعم التراس، آخر القادة الذين عملوا مع سامي عنان، الذي كان قائده في السلاح نفسه، وكان التراس آخر ممثلي جيل حرب 1973. ولم يعد بين قيادات الجيش من هو أكبر سناً من السيسي إلا الفريق محمد فريد حجازي، صديقه، والذي عيّنه أخيراً رئيساً للأركان، واللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية والدستورية.

وتقتصر الخبرة العسكرية الميدانية للسيسي وجميع أعضاء المجلس العسكري المصري حالياً، على المشاركة في حرب الخليج أو في دورات القوات متعددة الجنسية، كما أن معظمهم حازوا على درجاتهم العلمية العسكرية الأساسية في الولايات المتحدة خلال فترة التسعينيات التي شهدت ازدهار التعاون العسكري بين القاهرة وواشنطن كجزء من المساعدة الأميركية العسكرية لمصر. كما يضم المجلس العسكري حالياً قائدين لم يدخلا الجيش المصري إلا بعد معاهدة السلام مع إسرائيل، هما قائد الدفاع الجوي، اللواء علي محمد علي فهمي، وقائد القوات البحرية، اللواء أحمد خالد حسن.
ولم يعد هناك قائد عسكري مصري أكثر خبرة من السيسي نفسه، لا سيما بعد الإطاحة بالتراس ومن قبله باقي أبناء جيله، ثم الإطاحة برئيس الأركان السابق محمود حجازي، الأكبر سناً من السيسي والمتخرج معه في دفعته نفسها.

وأوضحت مصادر قريبة من المؤسسة العسكرية أن السيسي كان "ينوي منذ اليوم الأول لخلعه البزة العسكرية، القيام بحركة التغيير الواسعة هذه في المجلس العسكري، لكن بعض القيادات نصحته بالتريث وبعدم إجرائها مرة واحدة، بل على مراحل ولأكثر من عام، حتى لا تثير قلاقل أو اتفاقات ضده بين عدد من القيادات المتضررة"، مشيرة إلى أن "الدافع المباشر للتغيير هو اعتقاد السيسي، شأنه شأن جميع العسكريين المصريين، بضرورة أن يكون القائد العام أكثر خبرة من باقي القيادات وأن يكون رئيس الجمهورية من خلفية عسكرية وأكثر خبرة من قيادات المجلس العسكري لتسهل له السيطرة عليهم".
وأضافت المصادر أن "معظم المعارضين لترشح السيسي رئاسة الجمهورية من داخل المجلس العسكري كانوا الأكبر منه سناً، أو الأكثر خبرة في الأسلحة القتالية، نظراً لأن طبيعتهم الشخصية والمهنية كانت بعيدة من العمل السياسي".


وأشارت المعلومات إلى أن السيسي أبلغ صدقي صبحي نيّته الإطاحة به بحجة "تجديد الدماء" منذ أيام قليلة، وعرض الأمر على الفور على المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي اجتمع صباح أمس ووافق على الترشيح الجديد، الذي لم يكن مفاجئاً للجميع؛ فبعض أعضاء المجلس الأعلى كانوا يدركون منذ تعيين فريد حجازي رئيساً للأركان أن وزير الدفاع القادم لا بد أن يكون من المقربين للسيسي ولأبيه الروحي المشير حسين طنطاوي الرئيس الأسبق للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، لا سيما أن السيسي قد رقى زكي بشكل استثنائي في يناير/كانون الثاني من العام الماضي لرتبة الفريق، غير المعتادة بالنسبة لقادة الحرس الجمهوري، ما أعطى انطباعاً بتأهيله لمنصب أكبر.

ويُعرف محمد زكي بعلاقته الوطيدة بطنطاوي والسيسي، فقد خدم مع كل منهما لفترة، كما أن طنطاوي ما زال معروفاً بتأثيره الواسع في الحرس الجمهوري باعتباره كان قائداً له لفترة طويلة قبل تعيينه وزيراً للدفاع. اختيار السيسي زكي يبدو أيضاً إحياء للقرار الذي اتخذه الرئيس المخلوع حسني مبارك عندما اختار قائد حرسه طنطاوي ليصبح وزيراً، مفضّلاً إياه على القادة الميدانيين، لكنّ ثمة فارقاً أساسياً هو أن طنطاوي كان قد خدم ميدانياً لعشرات السنين قبل الانتقال للحرس الجمهوري، أما محمد زكي فليست له خبرات ميدانية تذكر.
وعرف المصريون زكي بسبب دوره المساند للسيسي في الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي منتصف عام 2013، فهو الذي كان مسؤولاً عن احتجاز مرسي ومساعديه في الفترة بين 30 يونيو/حزيران و3 يوليو/تموز ثم ترحيلهم للسجن، وقبلها أدى دوراً سلبياً في حماية مؤسسة الرئاسة خلال أحداث الاتحادية والتظاهرات المستمرة ضد مرسي، وكان معروفاً بالتنسيق مع وزير الداخلية آنذاك أحمد جمال الدين.
ويبدو أن السيسي مستمر في الاعتماد على الشخصيات نفسها التي ساعدته في الوصول إلى السلطة، وعدم تصعيد قيادات جديدة من الجيش أو الشرطة إلا من خلال مدى قربهم وموثوقيتهم للسيسي والشخصيات القريبة منه، بالتوازي مع تشكيل دوائر تنفيذية جديدة من المسؤولين التكنوقراط الراغبين في الوصول للسلطة الراضين بقيادة الجيش للمشهد.

أما موقف رئيس الأركان الحالي محمد فريد حجازي، فيبدو غريباً، فالرجل الذي كان يعتبر الرجل الثالث في المجلس العسكري خلال فترة توليه إدارة البلاد، ويتمتع بخبرة ميدانية كقائد سابق للجيش الثاني الميداني ثم الحرس الجمهوري (الذي كان يتولاه طنطاوي قبل اختياره وزيراً) بالإضافة لخبرة إدارية طويلة، يفوق بالتأكيد وزير الدفاع الجديد لجهة الخبرة والسن أيضاً، وهو ما يتصادم بوضوح مع قواعد الأقدمية الراسخة في الجيش المصري.
إلا أن فريد حجازي أثبت في مناسبات سابقة عدم تشكيله أي خطورة على السيسي وخياراته، وقناعته بدوره المرسوم له، منذ كان السيسي يحتفظ به كأمين عام لوزارة الدفاع وأمين سر المجلس العسكري، نظراً لوقوفه بجانبه منذ 2012 ومساعدته في تهيئة المجلس قراراته المتلاحقة من ترشحه للرئاسة وتصعيده لصهره محمود حجازي رئيساً للأركان عام 2014 ثم تغيير جميع قادة الأفرع والجيوش.

أما إطاحة السيسي بوزير الداخلية مجدي عبدالغفار، وتعيين اللواء محمود توفيق بدلاً منه، فجاءا تأكيداً لما نشرته "العربي الجديد" مطلع شهر إبريل/نيسان الماضي بأن الحقيبة الأهم المرشحة للتغيير في التعليل الوزاري الجديد هي وزارة الداخلية، فاللواء مجدي عبدالغفار الذي عين في منصبه منذ مارس/آذار 2015 وأصبح أكثر وزراء الداخلية بقاء بعد الوزير الأسبق حبيب العادلي، لم يترك أي بصمة تذكر.

وأشارت مصادر مطلعة على ملف السياسة الأمنية، إلى أن اللواء أحمد جمال الدين، الوزير الأسبق ومستشار السيسي الحالي للشؤون الأمنية، هو صاحب الأمر والنهي ليس فقط على مستوى القيادة بل أيضاً على المستوى الدقيق والنشاط اليومي لبعض أجهزة الوزارة، فضلاً عن توليه حالياً مهمة التنسيق المباشر بين وزارة الداخلية والجيش، منذ الحادث الإرهابي في منطقة الواحات الذي وقع في أكتوبر/تشرين الأول الماضي ونتج منه عزل السيسي صهرَه اللواء محمود حجازي من رئاسة أركان الجيش بسبب عدم مساعدته الشرطة في مواجهة العناصر المسلحة.

وكشف مصدر في الوزارة أن ضعف عبدالغفار وفشله في إحكام السيطرة على جهاز أمن الدولة، على الرغم من أنه من أبنائه وكان الهدف الأساسي لاختياره هو إعادة تنظيمه، أديا إلى مشاكل عدة مع الأجهزة الأخرى كالمخابرات والرقابة الإدارية، ولذلك أصبح دور عبدالغفار مقتصراً في الآونة الأخيرة على الشؤون الإدارية للوزارة وأجهزتها، بينما يختص جمال الدين بتحديد سياساتها وإصدار التعليمات للقيادات، وهو أمر يثقل كاهل رئاسة الجمهورية بأعباء أدنى من مسؤولياتها المفترضة.
لكن عبدالغفار كان يتمتع بحظ وافر ضمَن بقاءه طوال السنوات الثلاث، على الرغم من المشاكل الأمنية والخلافات مع الجيش والفشل في حماية المنشآت المهمة. ويتمثل هذا الحظ في عدم ثقة جمال الدين، الذي يُعتبر عين السيسي في الملف الشرطي، في العديد من القيادات العليا والوسيطة، نتيجة عمله معهم من قبل في عهد "الإخوان المسلمين".

وجاء اختيار محمود توفيق لخلافة عبدالغفار معبراً عن قوة وأهمية جهاز الأمن الوطني، فتوفيق سبق واختاره السيسي وجمال الدين رئيساً للجهاز في أكتوبر/تشرين الأول الماضي خلفا للواء محمود شعراوي الذي أقيل بسبب حادث الواحات وضعف التنسيق مع الجيش، ومنذ ذلك الحين أصبح توفيق المتحكم الأول في سياسة الجهاز مستفيداً بدعم مباشر من رئاسة الجمهورية.

وأوضحت مصادر أن العام الحالي 2018 شهد توسيعاً غير مسبوق خلال عهد السيسي في سلطات وصلاحيات الأمن الوطني، إذ يحاول السيسي الاستفادة بإمكانات وخبرات الجهاز في ملء الفجوات التي لم تتمكن الاستخبارات العامة والحربية من التعامل معها بسبب عدم تداخلها مع العديد من الملفات المحلية، خصوصاً بعدما نجح جمال الدين إلى حد كبير في احتواء المجموعات المناوئة للنظام داخل الجهاز، بعد إبعاد العديد من القيادات التي كانت تدين للعادلي بالولاء.

وأشارت المصادر إلى أن من الملفات التي تسلّمها الأمن الوطني بشكل حصري تحت إدارة وزير الداخلية الجديد، التعامل مع "الإخوان" وشباب التنظيمات الإسلامية داخل السجون، وأنه كان المشرف على مبادرة وثيقة الاعتراف بشرعية النظام الحالي مقابل تحسين أوضاعهم في السجون وزيادة فرص استفادتهم من قرارات العفو الرئاسي، وكذلك الفحص الأمني للمرشحين للعفو، فضلاً عن الرقابة على الضباط والأفراد وإطاحة المعارضين منهم.
كما عاد الأمن الوطني، بحسب المصادر، للتعامل مع وسائل الإعلام وترويضها والرقابة عليها والتأشير بالابتعاد من بعض الملفات وبطرق التعامل الصحافي معها، بعد سنوات من ابتعاده لمصلحة الاستخبارات العامة، وهي مقدمات تنبئ باستمرار توفيق في منصبه لفترة طويلة طالما لم تحدث أزمات توجب التضحية به.

المساهمون