تسريبات تعليمات بوتفليقة لرئيس الحكومة تبون: حسم الصراع لمصلحة الكارتل المالي؟

09 اغسطس 2017
التسريب تضمّن تعليمات غير معلنة موجّهة لتبون(رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -
يثير تسريب بثّته إحدى القنوات المحلية في الجزائر، ويخص بيانًا رئاسيًّا في شكل تعليمات غير معلنة وجهها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى رئيس الحكومة، عبد المجيد تبون، جدلًا سياسيًّا متزايدًا في البلاد. وتشي هذه التسريبات أن صراع رئيس الحكومة مع "الكارتل المالي" حُسم لمصلحة الأخير.

وكانت قناة محلية قد بثت، أمس الثلاثاء، ما اعتبرته "توبيخًا" وجهه الرئيس بوتفليقة إلى رئيس الحكومة الجديد، يحذّره فيها من استمرار "التحرش" برجال الأعمال، ومن سلسلة قرارات "عشوائية" تخص الاقتصاد ووقف استيراد بعض السلع وإلغاء قرارات حكومية سابقة تخص توزيع المزارع على المستثمرين.

وزعمت القناة المحلية الموالية للرئاسة أن الرئيس بوتفليقة وجّه "تعليمات صارمة واستعجالية للحكومة لوقف التحرش الحقيقي بالمتعاملين الاقتصاديين، والتي حملت طابعًا إشهاريًّا رسم صورة سيئة لدى الملاحظين الأجانب عن مناخ الاستثمار بالجزائر". وذكر التسريب أن الرئيس بوتفليقة طالب الحكومة "بوضع حد لفوضى المبادرات الحكومية، ولطبيعة التسويق المبالغ فيه لقراراتها الأخيرة، والتي أعطت انطباعًا لدى الرأي العام الوطني والدولي، بأن هناك حملة رسمية منظمة ضد رجال المال والأعمال".

وأمر بوتفليقة، بحسب التسريب نفسه، رئيس الحكومة "بتوجيه تعليماته الرئاسية الاستعجالية إلى مختلف الدوائر الوزارية المعنية، والاعتماد على النصوص القانونية لمعالجة أي انحرافات، والتركيز على خلق جو هادئ يسمح بتحقيق وثبة اقتصادية في مناخ مشجع".


وحتى الآن، لم تصدر رئاسة الجمهورية في الجزائر أي رد رسمي بشأن صحة أو نفي هذه التسريبات، خاصة أنها، بحسب كثيرين، تحمل مضمون البيانات الرئاسية التي كان يصدرها الرئيس بوتفليقة نفسه في وقت سابق، ما من شأنه أن يزيد من حالة الغموض التي تميز مشهد إدارة الحكم في الجزائر، بسبب مرض الرئيس بوتفليقة منذ إبريل/نيسان 2013، وغيابه عن النشاط الرسمي منذ فترة، وتكدس التقارير التي تتحدث عن تحكم شقيقه، السعيد بوتفليقة، في دواليب الحكم والتعيينات.

واستغرب محللون أن تقدم الرئاسة، في حال كانت هذه التعليمات صحيحة، على تسريب منشور داخلي يخص العلاقة بين الرئيس ورئيس الحكومة للصحافة، في خطوة تتعمد إثارة الجدل من جهة؛ ووضع رئيس الحكومة في موضع الخاسر الأبرز في حربه ضد "الكارتل المالي" من جهة أخرى، ناهيك عن دلالاتها السياسية التي تؤكد غياب الرئيس بوتفليقة عن مشهد الحكم، ما أدى إلى وصول الأمور إلى هذه النقطة، والاختلال والتسيب الكبير في العلاقات الوظيفية بين مؤسسات الدولة في الجزائر خلال السنوات الأخيرة.

وبحسب مراقبين، فإن التسريبات التي بثت على قناة موالية للرئاسة، وفي حال كانت صادقة، ستمثل انحياز الرئاسة الواضح لمصلحة "الكارتل المالي" في صراعه مع الحكومة، وإهدارًا واضحًا لكرامة تبون، خصوصاً أن الكارتل المالي لعب الدور الأبرز في تمويل حملة الرئيس بوتفليقة في رئاسيات إبريل/نيسان 2014، ويستعد للعب الدور نفسه لمصلحة خيارات محيط الرئيس بوتفليقة بشأن الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في ربيع 2019.

وقبل تسريبات الرئاسة، كان رئيس منظمة رجال الأعمال "منتدى رؤساء المؤسسات" قد أصدر بيانًا رد فيه على ما اعتبرها حملة تستهدفه، عبر تقارير إعلامية من جهة، وعبر إنذارات وجهتها مؤسسات حكومية إلى شركات تابعة له، وشركات تخص رجال أعمال آخرين، بشأن تأخر إنجاز مشاريع بنى تحتية، بينها مشاريع تابعة للجيش، والتهديد بسحبها منه في ظرف وجيز.

وتأتي هذه التطورات على خلفية صراع حاد بين تبون و"الكارتل المالي"، منذ إعلان تبون في البرلمان عزمه محاربة المال السياسي، والفصل بين السياسة والمال، والحد من تأثير ونفوذ رجال المال. ولاحقًا أمر رئيس الحكومة عبد المجيد تبون بمغادرة رئيس منظمة رجال الأعمال "منتدى رؤساء المؤسسات" من قاعة كانت تحتضن نشاطًا حكوميًّا، بمبرر أن لا علاقة لرجال الأعمال بذلك النشاط الحكومي، ثم إعلان الحكومة إلغاء قرارات حكومية سابقة بمنح مزارع وعقارات إلى رجال الأعمال، وقرارها وقف مشاريع مصانع تركيب السيارات والتحقيق فيها، إلى غاية إصدار دفتر شروط جديد ينظم عمل هذه المركبات الصناعية.

وتلا ذلك اجتماع ست منظمات تمثل رجال الأعمال، إضافة إلى اتحاد العمال، أدان سلوك رئيس الحكومة، وانتقد أسلوبه في إدارة شؤون العلاقة مع رجال الأعمال والمستثمرين.

ومن اللافت أيضًا، في هذا السياق، عدم تعاطي التلفزيون الرسمي مع اللقاء الذي جمع تبون في باريس، حيث يقضي عطلته، مع رئيس الحكومة الفرنسية، إدوار فيليب، في الوقت الذي نشرت فيه وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية بيانًا عن اللقاء. لكن البيان الحكومي كان بدافع التوضيح أكثر من كونه بدافع الإبلاغ، إذ جاء بعد تساؤلات وتخمينات إعلامية ذهبت إلى أن تبون التقى فيليب بطلب منه، ودون إبلاغ الرئاسة الجزائرية، وهو ما دفع رئاسة الحكومة الجزائرية إلى الإشارة بوضوح إلى أن "تبون دُعي خلال توقفه بباريس إلى لقاء غير رسمي من قبل رئيس الحكومة الفرنسية".