الحكومة المصرية تكرس إهدار حقوق مياه النيل في برنامجها

11 يوليو 2018
لا تعترف الاتفاقية بحقوق مصر بمياه النيل(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
رغم رفْض مصر التوقيع على الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل، التي وقّعتها خمس دول من دول منابع النيل في مايو/أيار 2010، ثم انضمت إليها رواندا في العام التالي، أدرجت الحكومة المصرية بنداً غريباً في برنامجها الذي أعلنته أمام مجلس النواب الأسبوع الماضي، إذ تضمن البرنامج بنداً ينص على "تفعيل العمل بالاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل". هذه الاتفاقية المعروفة باتفاقية عنتيبي والتي وقّعتها إثيوبيا، وكينيا، وأوغندا، ورواندا، وتنزانيا، في مدينة عنتيبي الأوغندية، سبق أن اعترضت عليها الحكومة المصرية، لأنها لا تعترف بحصة مصر المائية، والمقدرة بـ55,5 مليار متر مكعب، كما أنها تطالب بإعادة تقسيم حصص مياه النهر، وإلغاء اتفاقيتي 1929، و1959، ولذا تحفّظت مصر والسودان على ثلاثة بنود بها.

ووصف أستاذ القانون الدولي أيمن سلامة إدراج الحكومة المصرية بند "تفعيل العمل بالاتفاقية" بالأمر الغامض. وقال لـ"العربي الجديد" إن "الأمر خطير في كل الأحوال، فكيف تفعّل مصر الاتفاقية الإطارية للتعاون لدول حوض النيل الموقّعة في عنتيبي وهي ليست طرفاً فيها؟"، موضحاً أن "المبدأ العام الأصيل لقانون المعاهدات الدولية، هو الأثر النسبي للمعاهدات الدولية"، بمعنى أن "اتفاقية عنتيبي الإطارية غير ملزمة إلا لأطرافها فقط".

وطالب خبراء في الشأن الأفريقي، رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي بتوضيح معنى إدراج هذا البند في برنامج الحكومة. أستاذ الموارد المائية وعضو لجنة حوض النيل في جامعة القاهرة، نادر نور الدين، قال إن مصر لديها في الأصل تحفظات على اتفاقية عنتيبي ولهذا لم توقّع عليها. وأوضح أن هذه التحفظات تتمثل في أن "هذه الاتفاقية لا تعترف بحصة مصر المائية وحقوقها المكتسبة من مياه النيل"، كما أن مصر ترغب في "إقرار مشاريع بناء السدود في دول الحوض بالإجماع وليس بالأغلبية كما تنص اتفاقية عنتيبي"، إضافة إلى "اعتراض مصر على بند الأمن المائي الموجود بالاتفاقية، وهو البند الذي لا يراعي دول المصب (مصر، والسودان)، وأخيراً "عدم اعتراف الدول المنضمة للاتفاقية بمبدأ الإخطار المسبق الذي يؤكد ضرورة إبلاغ دول المصبّ قبل بناء أية منشأة على نهر النيل، ومخالفة ذلك لقانون الأمم المتحدة، وسيؤدي إلى عشوائية بناء السدود على نهر النيل".

وتنص اتفاقية عنتيبي على أن "دول مبادرة حوض النيل تنتفع انتفاعاً منصفاً ومعقولاً من موارد مياه المنظومة المائية لنهر النيل، وعلى وجه الخصوص الموارد المائية التي يمكن تطويرها بواسطة دول مبادرة حوض النيل وفق رؤية لانتفاع معقول، آخذين في الاعتبار دول المبادرة بما فيها المخاوف حول حماية الموارد المائية، وكل دولة من دول المبادرة لها حق الانتفاع من الموارد المائية للمنظومة المائية".

الباحث في الشؤون الأفريقية محمد حجاج، رجّح أن تكون لدى مصر رغبة في العودة إلى مبادرة حوض النيل التي انسحبت منها سابقاً، ولذلك أدرجت الحكومة البند الذي ينص على تفعيل العمل بالاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل في برنامجها. وقال حجاج لـ"العربي الجديد"، إن "انسحاب مصر من المبادرة أثّر بشكل كبير على تمويل المبادرة التي كانت تتلقى دعماً دولياً من البنك الدولي وغيره من المؤسسات، وهذا الدعم توقف نتيجة انسحاب مصر، ولهذا فإن أعضاء المبادرة يحاولون إقناع مصر بالعودة إليها". وأشار إلى أن هناك "وجهة نظر لدى البعض في مصر، تنادي بضرورة العودة إلى مبادرة حوض النيل والعمل من داخلها على الحفاظ على حقوق مصر المائية، وأن المقاطعة والغياب التام ليسا الحل الأمثل للمشاكل المتعلقة بالمياه". ولم يستبعد حجاج "أن يكون هناك اتفاق غير معلن بين مصر ودول حوض النيل، على عودة مصر للمبادرة في مقابل تقديم إثيوبيا بعض التنازلات في ملف سد النهضة".

وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي دعت الدول الأعضاء بـ"مبادرة حوض النيل"، مصر إلى استئناف مشاركتها بأنشطة المبادرة. وقالت في بيان أعقب اجتماع وزراء المياه في دول المبادرة، إن "مباحثات مثمرة جرت بشأن استئناف مشاركة مصر في أنشطة المبادرة". وأضافت أن "نهر النيل يُعدّ واحداً من أعظم الأصول المائية في العالم، وأن التعاون بين دوله ليس أمراً اختيارياً وإنما هو ضروري، إذا ما كانت هناك رغبة لتحقيق تنمية مستدامة، وأنه من الأهمية بمكان أن تتصدى الدول الأعضاء للتحديات المشتركة التي تواجهها، مثل التغير المناخي والتدهور البيئي".
وتولت إثيوبيا قيادة المبادرة خلفاً لأوغندا، وبذلك فهي ترأس حالياً مجلس وزراء المياه وكذلك اللجنة الاستشارية الفنية لمبادرة حوض النيل. وامتنعت مصر عن المشاركة في أنشطة المبادرة منذ العام 2010 بسبب توقيع بعض دول الحوض بشكل منفرد على مسودة الاتفاقية الإطارية التي اعترضت عليها مصر والسودان.


وفي مايو/ أيار الماضي، زار الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني القاهرة، وبحث مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، ملف سد النهضة الإثيوبي. وقال السيسي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع موسيفيني، إن "العلاقات المصرية-الأوغندية شهدت زخماً كبيراً خلال الأعوام الماضية"، مضيفاً أنه "أوضح لنظيره الأوغندي، الموقف المصري الخاص بملف سد النهضة الإثيوبي، ومدى حرص مصر على التوصل إلى حل للمسائل العالقة وفقاً لإعلان المبادئ الموقّع في الخرطوم في العام 2015".

واعتبر خبراء في القانون الدولي في مصر أن توقيع السيسي إعلان المبادئ في الخرطوم أضرّ بموقف مصر في قضية سد النهضة، واعتبروه أول اعتراف رسمي مصري بحق إثيوبيا في بناء السد الذي من شأنه أن يؤثر بشدة على حصة مصر من مياه النيل.
وتأسست مبادرة حوض النيل بهدف تدعيم أواصر التعاون الإقليمي بين دول حوض النيل، وتم تدشينها عام‏ 2000‏ في تنزانيا‏، وتضم في عضويتها كل دول حوض النيل‏ وهي من المنبع إلى المصب كما يلي: بوروندي، رواندا، تنزانيا، كينيا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، أوغندا، إثيوبيا، إريتريا، السودان، ومصر. وتسعى إلى تحقيق عدد من الأهداف، مثل تنمية المصادر المائية لحوض النيل، وضمان كفاءة إدارة المياه والاستخدام الأمثل لمواردها، وضمان تحقيق التعاون المشترك، واستهداف إبادة الفقر، وتعزيز التكامل الاقتصادي‏.
‏وتقوم الاستراتيجية العامة لهذه المبادرة على محورين، الأول‏‏ مشاريع الرؤية المشتركة وتشمل حوض النيل بكامله، والثاني‏: مشاريع الأحواض الفرعية وتشمل مشاريع يتم تنفيذها بين مجموعة من الدول تنتمي إلى حوض فرعي مثل مصر والسودان وإثيوبيا في ما يتعلق بالنيل الأزرق (النيل الشرقي‏)‏، ودول النيل الأبيض ومعها مصر والسودان في ما يتعلق بالبحيرات الاستوائية ‏(النيل الأبيض‏).

وكانت مصر قد جمّدت عضويتها في مبادرة حوض النيل في يونيو/ حزيران 2010، اعتراضاً على توقيع 6 من دول منابع النيل على اتفاقية الإطار القانوني والمؤسسي CFA، التي تتضمن ثلاثة بنود خلافية ترفضها مصر، وهي بند الأمن المائي، مقابل عدم الاعتراف بالحصة التاريخية لمصر في مياه النيل المقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب وفق اتفاقية 1959، وبند الإخطار المسبق رقم 12 بتنفيذ أي مشاريع على النيل، وبند التصويت على القرارات بالإجماع بدلاً من الأغلبية.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2016، اجتمع السيسي في القاهرة مع وزراء المياه والري لعدد من دول حوض النيل، تشمل كلاً من السودان وتنزانيا وأوغندا وجنوب السودان وبوروندي، مؤكداً "اهتمام القاهرة بالتوصل إلى حل توافقي بمسألة الاتفاق الإطاري لدول حوض النيل، ليكون اتفاقاً شاملاً يضمن الأمن المائي لكل أطرافه".

ووقّعت أول اتفاقية لتقسيم مياه النيل عام 1902 في أديس أبابا عندما كانت دول حوض النيل مستعمرات لدول أجنبية، بين إثيوبيا وبريطانيا بصفتهما ممثلتين للمستعمرتين (مصر والسودان)، ونصَّت الاتفاقية على عدم إقامة أي مشاريع، ‏سواء على‎ ‎النيل الأزرق، أو‎ ‎بحيرة تانا‎ ‎ونهر السوباط، ثم اتفاقية بين بريطانيا‎ ‎وفرنسا، ‏عام 1906. وظهرت عام 1929 اتفاقية أخرى، تتضمن إقرار دول الحوض بحصة ‏مصر المكتسبة من مياه‏ النيل، وأن لمصر الحق في الاعتراض في حال إنشاء هذه الدول ‏مشاريع جديدة على النهر وروافده. هذه الاتفاقية أجرتها بريطانيا مع نفسها، إذ ‏كانت تمثل‎ ‎كينيا‎ ‎وتنزانيا‎ ‎والسودان‎ ‎وأوغندا وجميعها كانت مستعمرات بريطانية، ‏لتنظيم استفادة مصر من بحيرة فيكتوريا. وتم تخصيص نسبة 7,7 في المائة من تدفق ‏المياه للسودان و92,3 في المائة لمصر وذلك قبل استقلال أي من الدولتين.

وتصرّ كل من مصر والسودان على أن الاتفاقيات التي عقدت في الماضي ملزمة ‏لدول الحوض الأخرى، وتحديداً اتفاقية 1929 التي أعطت مصر حق النقض لأي مشاريع تقام على النيل يمكن ‏أن تؤثر سلباً على كميات المياه التي تصل مصر أو تعدل وقت وصولها. وبينما تصر ‏مصر على إلزامية هذه الاتفاقية تحت نظرية توارث الاتفاقيات، ترفضها دول ‏البحيرات الاستوائية باعتبار أنها وُقّعت أثناء الحقبة الاستعمارية ولا إلزامية لهذه ‏الاتفاقية بعد نهاية هذه الحقبة.

وإذا وقّعت مصر أو السودان على اتفاقية عنتيبي التي نصت الحكومة المصرية على تفعيلها في برنامجها، فإنها تدخل حيز التنفيذ فوراً لاكتمال عدد الدول الموقعة، وهو الثلثان من جملة الأعضاء الأحد عشر، وبذلك تنتهي الحصص التاريخية للدولتين (55,5 مليار متر مكعب لمصر، و18,5 مليار للسودان)، إذ إن الاتفاق ينص على "الاستخدام المنصف والمعقول للدول".