قضايا تونسية... من طرابلس إلى باريس

08 يونيو 2020
أصبح الصراع في البرلمان عبارة عن ملف بملف (Getty)
+ الخط -
ما إن انتهى التونسيون من ليلة الأربعاء الخميس الماضي، التي تداول فيها البرلمان لمدة عشرين ساعة حول ليبيا، حتى فتحت أمامهم قصة جديدة هي قصة فرنسا، وحقبة الاستعمار. وبعد أن تصدعت رؤوس التونسيين بقصص المحاور والسيادة الوطنية والمصلحة الليبية في تلك الليلة الطويلة، على الرغم من أن أهدافها معلومة للجميع، ونيات أصحابها عكس ذلك تماماً، حتى طُرحت مسألة حقبة الاستعمار الفرنسي من جديد، وكأنه صراع ملف بملف في البرلمان، وهجوم بهجوم معاكس.

وكشفت كتلة "ائتلاف الكرامة" عن الصيغة النهائية لمشروع اللائحة التي ستقترحها غداً الثلاثاء على مجلس النواب، لمطالبة الدولة الفرنسية بالاعتذار للشعب التونسي عن جرائمها خلال حقبة الاستعمار المباشر وبعدها. وجاء في اللائحة، التي نشرها الائتلاف، أنّ البرلمان "يُعلن مُطالبته فرنسا بإعلان اعتذارها الرسمي والعلني عن كلّ الجرائم التي ارتكبتها في حقّ الشعب التونسي زمن الاحتلال المباشر وبعده، من جرائم قتل واغتيال وتعذيب واغتصاب ونفي وتهجير قسري ونهب للثروات الطبيعية والأملاك الخاصة، ودعم صريح للاستبداد وللدكتاتورية".

ونصّت اللائحة أيضاً على أنّ البرلمان "يُطالب فرنسا بأن تبادر بتعويض تونس، وكلّ المتضرّرين من الجرائم المذكورة، وكلّ الذين لهم حق قانوناً، تعويضاً عادلاً مجزياً، طبق ما تقتضي القوانين والأعراف الدوليّة، بما من شأنه أن يساهم في مسح الآلام والأحزان والمآسي التي تسبب فيها الاحتلال البغيض". كما طالبت اللائحة فرنسا بأن "تضع على ذمّة الدولة التونسيّة والباحثين وعموم الناس كامل الأرشيف الرسمي المتعلّق بتلك الحقبة السوداء، حتى تعي الأجيال الجديدة مساوئ الاستعمار، وحتى لا تتكرّر مآسيه".

ومع أن هذه المطالب تبقى مفهومة لو طرحت في سياقها المناسب وتوقيتها المعقول، بعيداً عن جو المشاحنات الحزبية التونسية، إلا أنها على عكس ذلك تبيّن حالة من الحياة خارج الاهتمامات التونسية، وبعيداً عن الداخل الوطني، الذي يطلب حثيثاً أن تنصب تجاهه كل الاهتمامات وتتركز حوله كل الجهود والأفكار للحد من أوجاع الناس، واستنباط مشاريع تخفف من المعاناة الجماعية، التي من أجلها انتخبت الأحزاب ودخلت البرلمان.
إلا أن هذه الأحزاب تعيش حالة انفصال عن واقعها الحقيقي وتلقي بمشاكلها الداخلية على الخارج، وتعتقد أن صراعاتها الفكرية القديمة في الجامعة هي شأن الناس اليوم في الشوارع، ولا تنتبه إلى أن الملل وخيبة الأمل تدب إلى قلوب من انتخبهم، وقد تتحول إلى ندم على انتخابهم، لأن مشاكل تونس يبدأ حلها من تونس، وليس من باريس ولا طرابلس.
المساهمون