مؤتمر "العرب والكرد": مطالب أكراد سورية تحت "سقف الدولة"

02 مايو 2017
زيادة (وسط) متحدثاً في المؤتمر (معتصم الناصر)
+ الخط -

ناقش باحثون عرب وكرد، يوم أمس الاثنين، في ختام المؤتمر الأكاديمي "العرب والكرد: المصالح والمخاوف المشتركة"، المسألة الكردية في العراق وسورية بشقها السياسي، من خلال تناول شكل الدولة الذي يساهم في حل المسألة الكردية في المنطقة. وعقد المؤتمر، الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في الدوحة، على امتداد ثلاثة أيام، أربع جلسات، خصصت اثنتان منها لنقاشات "الفيدرالية واللامركزية". وتركزت اختلافات الباحثين، بين من يرى أن أسس حياة النظام الفيدرالي غير موجودة، أو بوابة لتقسيمات أكبر، ومفتاح لخنق العراق وسورية، أو يراها حقا كرديا، وبات أشبه بـ"الحقيقة التاريخية". في ظل محاولات أكراد سورية استنساخ التجربة العراقية.

وفي حديث إلى "العربي الجديد"، أكد الصحافي حسين جلبي، الانتهاكات التي تعرض لها كرد سورية تاريخياً بقوله "تعرض الكرد إلى ظلم كبير منذ نشوء الدولة السورية إلى اليوم، ولم يتم الاعتراف بالكرد لا في القوانين ولا الدساتير". وتابع "إضافة إلى عدم الاعتراف، تعرّض الكرد إلى إبادة ممنهجة، وحُرموا من التحدث بلغتهم، وتم حرمانهم من تسمية أطفالهم بأسمائهم، وتم تهجيرهم، ومحاربتهم اقتصادياً".

إلا أن جلبي شدّد على أن "الكرد في سورية يجدون أنفسهم جزءاً من الهم الوطني السوري، في الوقت الذي يشعرون فيه بخصوصيتهم أيضاً، والقوى والأحزاب الكردية تنظر إلى المسألة السورية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من حل ديمقراطي نهائي في البلاد". وعن الفيدرالية، قال إنها "واردة، لكن لم يتم تحديد نوعها بعد. الكرد في سورية يطالبون بحق تقرير المصير، ومع أن حق تقرير المصير غير محدد عادة، إلا أن كرد سورية يحددونه بسقف الدولة السورية". وأضاف أن "الكرد في سورية غير مهيئين للانفصال، ومقومات الدولة غير متوافرة لديهم. كما أن المزاج الكردي لا يذهب باتجاه الانفصال عن سورية".

من جهته، رأى الباحث في المركز العربي في واشنطن، رضوان زيادة، في ورقته بعنوان "المسألة الكردية في سورية بين النظام الفيدرالي والتسلطية السورية"، أن "الكرد تعرضوا لانتهاكات على مستوى الحقوق الثقافية والسياسية، إن كان في ما يتعلق بالحزام العربي، أو على سبيل المثال، بالإحصاء الاستثنائي الذي تم في 1962 والذي جرّد تقريباً 21 في المائة من الكرد من الهوية السورية وحولهم إلى عديمي الجنسية".

وفي حديث لـ"العربي الجديد"، شكك زيادة في صلاحية "أطروحة النظام الفيدرالي في سورية"، معتبراً أنها "لن تصمد أمام أي مناقشة علمية حقيقية". وعدّد زيادة عدة أسباب تجعل الفيدرالية غير مجدية في البلاد "نسبة الأكراد في سورية عائق، فعلى سبيل المثال، لا يمثل الأكراد في محافظة الحسكة أكثر من 30 في المائة، فلا يمكن القول إن مناطق الشمال السوري مناطق كردية".



والسبب الثاني، بحسب زيادة، هو "المناطق التي يمثل فيها الأكراد أغلبية، مثل عفرين وعين العرب/ كوباني والقامشلي، مناطق غير متصلة جغرافياً". ورأى أن "الطريقة الوحيدة لوصل هذه المناطق جغرافياً ستكون عبر التطهير العرقي، كما قام به حزب الاتحاد الديمقراطي في تل أبيض، وحاول القيام به في أعزاز قبل تدخل الجيش التركي".

وشدّد زيادة على أن "النظام الفيدرالي لا يحمي حقوق الأقليات بالضرورة"، مقترحاً رؤية أخرى للحلّ تقوم على "إعادة هيكلة النظام السياسي في سورية والنظام الانتخابي، فيكون هناك نظام برلماني يعتمد نظاماً انتخابياً قائماً على النسبية بقائمة مفتوحة، وإعادة سورية 35 دائرة انتخابية، فيتمكن الكرد من الوصول إلى البرلمان في المناطق التي يشكلون الأغلبية فيها".

من جانبه، رأى أستاذ التاريخ الدولي، سعد بشير إسكندر، أنه "من وجهة نظر أكاديمية، وعندما تكونت الفيدراليات في دول متعددة، فلكل فيدرالية خصوصية، مع وجود مشتركات"، معتبراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الحديث دار بين الباحثين باعتبار الفيدرالية شكلاً واحداً"، وهذا ما لا يتفق معهم عليه. واعتبر أن "المشكلة في العراق هي عدم وجود اتفاق سياسي على معنى الفيدرالية قبل كتابة الدستور. ولهذا انعكاسات سلبية، كما نرى اليوم على المسألة المالية وتقاسم الثروات والحدود الإدارية، وما شابه". واعتبر أن "الفيدرالية ممكنة في البلاد، لكننا بحاجة إلى نقاش وطني يحدد ماذا نقصد بالفيدرالية، وهل هي نظام إداري، أو نظام قائم على الإثنية، أو على المناطق الجغرافية والجوانب التاريخية".



وأبدى إسكندر تفهّمه للمخاوف العربية والكردية المشتركة حيال الفيدرالية في العراق، مشيراً إلى أن "الكرد يخشون من أن الثروة إذا تركزت في بغداد، فإنها تستخدم الطائرات لقصف المناطق الكردية، ويخشى العرب من أنه إذا تركزت الثروة في كردستان أن تكون أداة استقلال وضرب لبغداد. هناك شكوك كبيرة بين الطرفين". لكنه رأى أن "الفيدرالية ستحل المشاكل العالقة إذا طبقت بطريقة ترضي الجانبين، العربي والكردي".

بدوره، اتفق المستشار في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية في عمّان، يحيى الكبيسي، مع إسكندر على أن "الأزمة العراقية أزمة سياسية في الأساس، ويجب أن تحل في إطار جمعي". واعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "استقلال الكرد في شمال العراق، هو حلم أكثر منه إمكانية حقيقية". وأضاف أن "هناك انقساماً كردياً – كردياً حاداً، وهذا الانقسام الكردي لن يتبع بإنتاج دولة حقيقية في كردستان، وبالتالي قضية الحديث عن استفتاء بالإقليم تأتي في إطار التصعيد السياسي للحصول على مكاسب".

ورأى الكبيسي أن "الانقسامات الكردية – الكردية تتعمّق، فقد أشار أحد أهم الدارسين للقضية الكردية، فرد هاليداي، منذ فترة طويلة إلى أن الانقسامات داخل كردستان تتعمق، ولسنا إزاء انقسام سياسي وحسب، بل انقسام ثقافي وإيكولوجي ولغوي. بالتالي هناك عوامل موضوعية تمنع فكرة الدولة الكردية المستقلة". لكنه استدرك قائلاً "لكن هذا لا يعني عدم وجود إشكاليات حقيقية بين الإقليم والمركز".

ولفت إلى أن "القضية في العراق ليست مشكلة كردية مع المركز، لدينا أيضا مشكلة سنية، وبالتالي هناك مشكلة سياسية في العراق يجب أن تحل في إطار جمعي، باتفاق الجميع على رؤية واحدة للحل. إلا أن هذا غير ممكن في المدى المنظور، من خلال القوى العراقية نفسها".

وختم الكبيسي "هذا مستحيل إذا اعتمدنا على العوامل الداخلية، فعلاقات القوى لا تتيح المجال لحل محلي، وإنما يجب أن يكون هناك عامل دولي يفرض الحل. كما أن العامل الدولي هو الذي أنتج هذا النظام السياسي في العراق بعد 2003، فهو وحده يستطيع إعادة هيكلة النظام في مرحلة ما بعد داعش".

المساهمون