أسرى غزة في مواجهة السجان الإسرائيلي: إضراب بلا رواتب

26 يوليو 2018
بات الأسرى وذووهم بوضع غاية في الصعوبة(عبدالحكيم أبو ريّاش)
+ الخط -
لم يكن أسرى قطاع غزة في سجون الاحتلال الإسرائيلي يفكرون من قبل بخطوة احتجاجية على أمر داخلي، فكلّ احتجاجاتهم كانت مطلبية ونضالية وضدّ السجان، لكنهم أجبروا على الإضراب عن الطعام قبل أيام احتجاجاً على قطع السلطة الفلسطينية رواتب بعضهم واقتطاع رواتب آخرين. بدأت القضية المتفاعلة داخلياً، مع العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة قبل نحو عام ونصف العام، للتضييق على حركة "حماس" التي تسيطر على القطاع، ودفعها للمصالحة الفلسطينية وتمكين حكومة الوفاق الوطني. منذ ذلك الوقت، مسّت الاقتطاعات رواتب الأسرى، بعد أنّ كان مسؤولو السلطة الفلسطينية يؤكدون أنّ هذا لن يحدث حتى لو قطعت إسرائيل أموال العائدات الضريبية عنها، وحتى لو توقّف العالم كله عن دعم موازنتها المالية. لكن ما كان ممنوعاً وصعباً الاقتراب منه، أضحى اليوم أمراً واقعاً، وبات الأسرى وذووهم في وضع غاية في الصعوبة.

وتدفع السلطة الفلسطينية رواتب للأسرى الفلسطينيين لدعم صمودهم داخل السجن، وللوقوف إلى جانب عوائلهم خارج السجن. وتقسم عوائل الأسرى الرواتب إلى نصفين؛ نصف تحوله لابنها الأسير في السجون الإسرائيلية لإعالة نفسه وشراء مستلزماته، والنصف الآخر تصرفه على من كان يعيلهم خارج أسوار السجن.

وكان مفاجئاً للجميع، وفق معلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، أنّ السلطة أعادت رواتب أسرى منظمة التحرير من غزة بشكل كامل، فيما أبقت على الاقتطاع والقطع لرواتب أسرى حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي".

ودعا بيان صدر أخيراً عن الأسرى المقطوعة رواتبهم، السلطة إلى "الرجوع عن القرار الظالم وتغليب صوت العقل والمسؤولية والتعالي عن قضية المسّ بحقوق الأسرى ومكتسباتهم"، وأكدّ أنّ "شعبنا لن يُسامح، والأجيال لن تغفر هذه الخطيئة، وسيحرص الأحرار على محاسبة المتجرّئين على خيانة قضية الأسرى". كذلك، نظّمت أمهات الأسرى في غزة سلسلة اعتصامات للمطالبة بدفع رواتب أبنائهن كاملة، ودعوة السلطة إلى اتخاذ قرار فوري وعاجل بإعادة رواتب الأسرى كما كانت، ودعم صمودهم في وجه السجان الإسرائيلي، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن.

وداخل السجن، أعلن رؤساء ومسؤولو ومنسقو الهيئات التنظيمية للحركة الأسيرة (قادة الفصائل) انضمامهم للإضراب المفتوح عن الطعام "تعزيزاً لخطواتهم وجهودهم المبذولة من أجل أن تعاد المستحقات إلى عوائل الأسرى الذين يقبعون في سجون الاحتلال من قطاع غزة". وأوضحت الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال في بيان رسمي، أن رؤساء الهيئات التنظيمية الذين أعلنوا انضمامهم للإضراب المفتوح عن الطعام هم: عن حركة "فتح" ناصر عويس وماجد المصري، وعن حركة "حماس" محمد عرمانة، وعن حركة "الجهاد الإسلامي" زيد بسيسي، وعن "الجبهة الشعبية" كميل أبو حنيش، وعن "الجبهة الديمقراطية" محمد الملح.


بدوره، دعا الأمين العام لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، الأسير أحمد سعدات، أمس الثلاثاء، قيادة حركة "فتح" والسلطة الفلسطينية إلى ضرورة الاستجابة لمطالب الأسرى المناضلين من أبناء قطاع غزة، من خلال "وقف التطاول على مخصصاتهم، المعين الرئيسي لأسرهم". وقال سعدات في رسالة كتبها من معتقل "جلبوع" المركزي: "إنّ هذه الشريحة التي دفعت حريتها ثمناً للدفاع عن ثوابت القضية الوطنية، حاملين أرواحهم على أكفهم كمشاريع شهداء من أجل أن يحيا الوطن، وجدوا أنفسهم يخوضون آلام الإضراب الاحتجاجي على هذا الإجراء الظالم، كما الإجراءات العقابية التي فرضت على أهلنا الصامدين في غزة المحاصرين"، مشيراً إلى أنه "يتوجّب على حركة فتح والسلطة الإعلان عن وقف كل الإجراءات العقابية التي اتُخذت ضدّ أهل قطاع غزة والتي مسّت شرايين حياته الحيوية، وإعادة الأمور إلى منطقها السائد الذي يجمع بين رفض صفقة القرن وتوحيد برنامج وأدوات مواجهتها، وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته، ومواجهة كل الضغوط الخارجية الأميركية والصهيونية والأطراف المتماهية عملياً مع متطلبات مؤامرة القرن التي تمارس على قيادة المنظمة والسلطة".

ولفت سعدات إلى أن "اتخاذ القرار بمعاقبتهم جزئياً وكلياً هو أمر لا ينسجم مع منطق الرفض المعلن للطلب الأميركي الصهيوني الوقح، ومقاومة كل أشكال الضغط الممارسة على قيادة السلطة، فالتراجع عن الخطأ فضيلة، والمعيار لصدق النوايا هو الإعلان عن رفض صفقة القرن إطاراً ومنهجاً ومشروعاً. فمن يريد مواجهة هذه المؤامرة عليه أن يعي أن الزمن لا يعمل لمصلحتنا، وأن كل يوم تجري إضاعته يضيف قوة جديدة لهذه المؤامرة الأميركية والصهيونية وأدواتهما العربية".

وفي الإطار ذاته، قال عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" ومفوّض عام الأسرى والشهداء والجرحى في الهيئة القيادية العليا للحركة في غزة، تيسير البرديني، إنه "يجب مساندة الأسرى في كل الظروف، فمن المعيب والمسيء أن يقوم الأسرى بالإضراب من أجل المطالبة بصرف رواتبهم من قبل السلطة الفلسطينية".

وأضاف البرديني في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "تصريحات الرئيس محمود عباس الأخيرة التي تحدّثت عن الاستمرار بصرف رواتب الأسرى والشهداء حتى لو بقي قرش واحد في الخزينة العامة، ذات مدلول جيّد ولكن يجب تطبيقها، وكذلك يجب أن تكون هناك مساوة بين أسرى منظمة التحرير والمنظمات الإسلامية"، موضحاً أنه يجب "إبعاد الأسرى وعدم الزجّ بهم في أتون قضايا الانقسام الداخلي، والعمل على حلّ الإشكالية بشكل كامل، وإعادة صرف رواتبهم بانتظام كغيرهم من الأسرى الفلسطينيين". وأشار الأسير المحرر إلى "وجود اتصالات دائمة ومتواصلة مع مختلف الجهات داخل أروقة حركة فتح وهيئة شؤون الأسرى، والجميع يؤكد أنه يعمل من أجل إنهاء هذه القضية".

من جهته، وصف مدير "جمعية واعد للأسرى والمحررين"، عبد الله قنديل، في حديث مع "العربي الجديد"، اقتطاع وقطع رواتب أسرى غزة بـ"السابقة الخطيرة في تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة"، موضحاً أنّ "التاريخ لن يمحو إضراب الأسرى عن الطعام لأجل قطع رواتبهم".

وأشار قنديل إلى أنه "لم نلحظ تصريحاً واحداً ولا موقفاً للسلطة، الأصل أن يكون هناك بيان للحكومة عن الأمر، فلا يعقل أن تستمر المعاناة 6 أشهر متتالية، من دون أن يصدر موقف أو تصريح من قبل المسؤولين في الحكومة والسلطة الفلسطينية". وعبّر قنديل عن قلقه من تزامن الأمر مع مصادقة الاحتلال على قرار اقتطاع رواتب الأسرى والشهداء من عائدات الضرائب الفلسطينية، مؤكداً أنّ "قطع رواتب بعض أسرى غزة يهدف إلى الفصل الجغرافي بين الضفة والقطاع". وحذر قنديل من "غليان في السجون نتيجة هذه الإجراءات"، مضيفاً: "نحن أمام معضلة كبيرة تتطلّب من القيادات في فتح والسلطة موقفاً علنياً وواضحاً، وإعادة الرواتب وإكرام الأسرى وذويهم... فالسجان يحلو له هذا الوضع، ويستفرد بالأسرى، وهذا يجب أن يحرك الجميع من أجل من ضحوا بأعمارهم من أجل قضية فلسطين".

المساهمون