لم تكن ذكرى مرور 61 عاماً على تأسيس الجيش التونسي، والتي احتفل بها يوم الجمعة الماضي، مجرد احتفال عادي كما دأبت عليه هذه المؤسسة منذ نشأتها، إذ تجاوزت المظاهر البروتوكولية، وحملت الاحتفالات هذا العام ثلاثة محاور كبرى، أهمها استعراض القوة الجديدة التي أصبح يتمتع بها الجيش التونسي، في رسالة واضحة إلى كل من يهدد البلاد من مجموعات إرهابية في الداخل، أو تطورات إقليمية على تخومها.
واستعرض الجيش التونسي في ثكنة العوينة بالعاصمة تونس كافة التشكيلات العسكرية التي تمتلكها القوات، خصوصاً المقتنيات الجديدة، الأميركية والتشيكية، والتي تمّ اقتناؤها حديثاً وهي كالآتي:
- تشكيلة من طائرات نفاثة من طراز 5F وهي مقاتلة أميركية الصنع تخضع حالياً إلى عملية تطوير لتركيز منظومة ملاحة دقيقة ونظام تحديد المواقع لمواكبة التطورات في المجال، وتفوق سرعتها سرعة الصوت.
- تشكيلة طائرات نقل تكتيكي أو لوجيستي أميركية الصنع من نوع 630H و630G تتميز بتنوّع مهامها كنقل الأفراد والمعدات، وتتميز بقدراتها العملاتية، وتم اقتناؤها سنة 2013.
- طائرات نقل من نوع A410 تشيكية الصنع معتمدة للنقل الجوي التكتيكي واللوجستي وتقوم بمهام الإخلاء الصحي والاستطلاع الجوي على الشريط الحدودي والساحلي.
- تشكيلة مروحيات OH-58 D في أول مشاركة لها ضمن تشكيلات الجيش وهي ضُمت أخيراً للقوات الجوية التونسية وهي من صنع أميركي، تم اقتناؤها سنة 2017 وتقوم بمهام المراقبة والاستطلاع الجوي.
- مروحيات UH-60 Black Hawk التي دخلت خلال شهر يونيو/ حزيران إلى تشكيلات الطيران التونسي، وهي مروحيات ذات محركين لها مهام الإسناد والنقل التكتيكي مجهزة بمنظار حراري ووسائل رؤية ليلية إضافة إلى وسائل الملاحة الحديثة التي تضمن لها قدرة على المناورة في مسرح العمليات وتؤمن مهام الإخلاء الصحي والإنقاذ براً وبحراً.
- دعم منظومة الإسناد اللوجستي للوحدات المقاتلة وتم اقتناء شاحنات مخصصة لنقل الأفراد، وأخرى لنقل المعدات والنجدة والإنقاذ وأخرى للوقود والماء.
ولئن اعتادت القوات العسكرية التونسية عموماً على عدم اعتماد الاستعراض، فإن رسالة هذا العام كانت واضحة تماماً، وهي أن الجيش التونسي أصبح قادراً على حسم معركة تدوم منذ ست سنوات تقريباً، وكلفت البلاد خسائر جسيمة في الأرواح والاقتصاد، وأنفقت من أجلها موازنات ضخمة بالنظر إلى إمكانات البلاد.
وظل الجيش التونسي بعيداً عن العمل العسكري المباشر على امتداد أغلب مراحل تأسيسه وانصرف إلى العمل التنموي أساساً، ولكنه وجد نفسه منذ سنوات في معارك عسكرية تكاد تكون يومية، في مواجهة مجموعات إرهابية تستهدف الأمن والاستقرار والخيار الوطني الذي أجمع على التخلّص من النظام الدكتاتوري وبناء ديمقراطية جديدة.
وأعلن الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، في المناسبة نفسها، عن وضع خطط عمل لتطوير أداء الجيش الوطني، من بينها إعادة تنظيم هياكل الجيش وتحسين ظروف عيش القوات المسلحة. كما أعلن تطوير منظومة التدريب والاستعلام لعناصر المؤسسة العسكرية وتوفير الدعم اللوجيستي اللازم في حربهم ضد الإرهاب، ودشنّ مدرسة الاستخبارات والأمن العسكري، والتي كان أعلن عن قرار استحداثها منذ عام.
وتمثّل هذه القرارات تحوّلات نوعية في بناء الجيش التونسي وقدراته، ومنحه إمكانات لوجستية وهيكلية لتجهيزه لمهام لم يكن مهيئاً ولا مستعداً لها، ولكنها تنبّه في ذات الوقت إلى تعاظم هذه المهام وتزايد قوة المؤسسة العسكرية، إذ أصبحت تقريبا عَصَب المشهد التونسي الجديد، وصمّام أمانه، لا عسكرياً فقط وإنما أيضاً اقتصادياً وتنموياً وسياسياً أيضاً.
اقــرأ أيضاً
وكان السبسي قد اعتمد منذ أيام قليلة مشروع الأمر الرئاسي الذي تقدّمت به وزارة الدفاع والمتعلق بإعلان مواقع الإنتاج والمنشآت الحساسة والحيوية، مناطق عسكرية مغلقة. وهو قرار أثار ردود فعل عديدة وتخوّفات من "عسكرة المشهد السياسي في تونس"، وإقحام المؤسسة العسكرية في خلافات سياسية. وعلى الرغم من أن مطلقي هذه الاتهامات متخوّفون من التضييق على حركة الاحتجاجات، خصوصاً أنها تتم في الفترات الأخيرة قرب منشآت البترول والغاز، وعطّلت إنتاجها بالفعل، الا أن التخوّف من إقحام الجيش في الحياة السياسية مبالغ فيه، إذ نأت المؤسسة العسكرية التونسية بنفسها عن كل المحطات السياسية، مع أن انقضاضها على الحكم كان يمكن أن يتم بيسر كبير في مناسبات عديدة، أولها عند قيام الثورة في 2011، ثم أيام اعتصام الرحيل في 2013 عندما طالبت أصوات سياسية ضد الترويكا بضرورة تدخّل الجيش كما حصل في مصر لتطبيق السيناريو نفسه تقريباً. ولكن الجيش التونسي رفض مؤازرة النظام التونسي ضد الاحتجاجات التي رافقت أيام الثورة، ورفض تسلم السلطة على الرغم من الفراغ الكبير الذي كان سائداً وقتها، ورفض بالمثل دعوات 2013، بل ساهم في حماية الانتخابات الأولى عام 2011 ثم في 2014، وانتصر لخيار الشعب التونسي في نظام ديمقراطي مدني. ونأت قياداته بالمؤسسة عن كل الصراعات السياسية وإغراءات الحكم، وانحازت للشعب دائماً، بما جعلها عند كل التونسيين أكثر المؤسسات الحائزة على ثقتهم في كل استطلاعات الرأي وبنِسَب تقارب المائة بالمائة.
وكشف تقرير صادر من منظمة الشفافية الدولية حول مؤشر مكافحة الفساد في قطاع الدفاع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن الجيش التونسي هو الأقل فساداً بين الجيوش العربية.
وكانت صحيفة "الغارديان" البريطانية قد سلّطت الضوء على تقرير منظمة الشفافية الدولية الأخير، الذي حذَّر من شراء الدول العربية لصفقات سلاح ضخمة من خلال الفساد العسكري، وهو ما يشكل تهديداً متواصلاً للاستقرار الأمني لمنطقة الشرق الأوسط. وقالت الصحيفة إنه "في الوقت الذي يقوم فيه وزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند بزيارة إلى دول الخليج، صدر تقرير المنظمة الأخير، الذي حذَّر من أن 16 دولة من بين 17 دولة للشرق الأوسط صُنِّفت على أنها تشكل خطراً كبيراً على استقرار المنطقة بسبب فساد منظوماتها العسكرية، باستثناء تونس، فليس لها الدرجة نفسها من الخطورة، على الرغم من أنها لا تزال تصنف بأنها خطرة".
وشهدت موازنة الدفاع في تونس زيادات متواصلة في كل مشاريع الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، ما مكّن من تطوير قدراتها في مواجهة التحديات الجديدة والمهمات المتزايدة الموكلة للجيش التونسي. وبدأت تونس تعوّل على نفسها لتطوير قدراتها، بسبب تلكؤ الأصدقاء والحلفاء في دعمها بصورة فعالة لمواجهة الخطر الاٍرهابي بالخصوص. وكانت الميزانية المقترحة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسنة المالية 2018، قد أعلنت عن تخفيضات كبيرة في المساعدات المقدّمة إلى تونس، وتخصيص 54.6 مليون دولار لتونس بدل 85.8 مليون دولار في السنة المالية 2017، بحسب تقرير لمركز أميركي. ومن شأن ميزانية ترامب الجديدة أن تنهي مِنح التمويل العسكري لتونس، التي بلغ مجموعها 45 مليون دولار في السنة المالية 2017، في مقابل تقديم قروض.
وسيكون أمام رئيس الحكومة يوسف الشاهد أن يعمل خلال زيارته المرتقبة إلى واشنطن، على إقناع الادارة الأميركية الجديدة بجدوى المحافظة على الدعم نفسه، باعتبار أن تونس هي الحصن الأول لأوروبا وللعالم الديمقراطي في وجه تدفّق الاٍرهاب.
اقــرأ أيضاً
واستعرض الجيش التونسي في ثكنة العوينة بالعاصمة تونس كافة التشكيلات العسكرية التي تمتلكها القوات، خصوصاً المقتنيات الجديدة، الأميركية والتشيكية، والتي تمّ اقتناؤها حديثاً وهي كالآتي:
- تشكيلة من طائرات نفاثة من طراز 5F وهي مقاتلة أميركية الصنع تخضع حالياً إلى عملية تطوير لتركيز منظومة ملاحة دقيقة ونظام تحديد المواقع لمواكبة التطورات في المجال، وتفوق سرعتها سرعة الصوت.
- تشكيلة طائرات نقل تكتيكي أو لوجيستي أميركية الصنع من نوع 630H و630G تتميز بتنوّع مهامها كنقل الأفراد والمعدات، وتتميز بقدراتها العملاتية، وتم اقتناؤها سنة 2013.
- طائرات نقل من نوع A410 تشيكية الصنع معتمدة للنقل الجوي التكتيكي واللوجستي وتقوم بمهام الإخلاء الصحي والاستطلاع الجوي على الشريط الحدودي والساحلي.
- تشكيلة مروحيات OH-58 D في أول مشاركة لها ضمن تشكيلات الجيش وهي ضُمت أخيراً للقوات الجوية التونسية وهي من صنع أميركي، تم اقتناؤها سنة 2017 وتقوم بمهام المراقبة والاستطلاع الجوي.
- مروحيات UH-60 Black Hawk التي دخلت خلال شهر يونيو/ حزيران إلى تشكيلات الطيران التونسي، وهي مروحيات ذات محركين لها مهام الإسناد والنقل التكتيكي مجهزة بمنظار حراري ووسائل رؤية ليلية إضافة إلى وسائل الملاحة الحديثة التي تضمن لها قدرة على المناورة في مسرح العمليات وتؤمن مهام الإخلاء الصحي والإنقاذ براً وبحراً.
- دعم منظومة الإسناد اللوجستي للوحدات المقاتلة وتم اقتناء شاحنات مخصصة لنقل الأفراد، وأخرى لنقل المعدات والنجدة والإنقاذ وأخرى للوقود والماء.
وظل الجيش التونسي بعيداً عن العمل العسكري المباشر على امتداد أغلب مراحل تأسيسه وانصرف إلى العمل التنموي أساساً، ولكنه وجد نفسه منذ سنوات في معارك عسكرية تكاد تكون يومية، في مواجهة مجموعات إرهابية تستهدف الأمن والاستقرار والخيار الوطني الذي أجمع على التخلّص من النظام الدكتاتوري وبناء ديمقراطية جديدة.
وأعلن الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، في المناسبة نفسها، عن وضع خطط عمل لتطوير أداء الجيش الوطني، من بينها إعادة تنظيم هياكل الجيش وتحسين ظروف عيش القوات المسلحة. كما أعلن تطوير منظومة التدريب والاستعلام لعناصر المؤسسة العسكرية وتوفير الدعم اللوجيستي اللازم في حربهم ضد الإرهاب، ودشنّ مدرسة الاستخبارات والأمن العسكري، والتي كان أعلن عن قرار استحداثها منذ عام.
وتمثّل هذه القرارات تحوّلات نوعية في بناء الجيش التونسي وقدراته، ومنحه إمكانات لوجستية وهيكلية لتجهيزه لمهام لم يكن مهيئاً ولا مستعداً لها، ولكنها تنبّه في ذات الوقت إلى تعاظم هذه المهام وتزايد قوة المؤسسة العسكرية، إذ أصبحت تقريبا عَصَب المشهد التونسي الجديد، وصمّام أمانه، لا عسكرياً فقط وإنما أيضاً اقتصادياً وتنموياً وسياسياً أيضاً.
وكان السبسي قد اعتمد منذ أيام قليلة مشروع الأمر الرئاسي الذي تقدّمت به وزارة الدفاع والمتعلق بإعلان مواقع الإنتاج والمنشآت الحساسة والحيوية، مناطق عسكرية مغلقة. وهو قرار أثار ردود فعل عديدة وتخوّفات من "عسكرة المشهد السياسي في تونس"، وإقحام المؤسسة العسكرية في خلافات سياسية. وعلى الرغم من أن مطلقي هذه الاتهامات متخوّفون من التضييق على حركة الاحتجاجات، خصوصاً أنها تتم في الفترات الأخيرة قرب منشآت البترول والغاز، وعطّلت إنتاجها بالفعل، الا أن التخوّف من إقحام الجيش في الحياة السياسية مبالغ فيه، إذ نأت المؤسسة العسكرية التونسية بنفسها عن كل المحطات السياسية، مع أن انقضاضها على الحكم كان يمكن أن يتم بيسر كبير في مناسبات عديدة، أولها عند قيام الثورة في 2011، ثم أيام اعتصام الرحيل في 2013 عندما طالبت أصوات سياسية ضد الترويكا بضرورة تدخّل الجيش كما حصل في مصر لتطبيق السيناريو نفسه تقريباً. ولكن الجيش التونسي رفض مؤازرة النظام التونسي ضد الاحتجاجات التي رافقت أيام الثورة، ورفض تسلم السلطة على الرغم من الفراغ الكبير الذي كان سائداً وقتها، ورفض بالمثل دعوات 2013، بل ساهم في حماية الانتخابات الأولى عام 2011 ثم في 2014، وانتصر لخيار الشعب التونسي في نظام ديمقراطي مدني. ونأت قياداته بالمؤسسة عن كل الصراعات السياسية وإغراءات الحكم، وانحازت للشعب دائماً، بما جعلها عند كل التونسيين أكثر المؤسسات الحائزة على ثقتهم في كل استطلاعات الرأي وبنِسَب تقارب المائة بالمائة.
وكشف تقرير صادر من منظمة الشفافية الدولية حول مؤشر مكافحة الفساد في قطاع الدفاع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن الجيش التونسي هو الأقل فساداً بين الجيوش العربية.
وكانت صحيفة "الغارديان" البريطانية قد سلّطت الضوء على تقرير منظمة الشفافية الدولية الأخير، الذي حذَّر من شراء الدول العربية لصفقات سلاح ضخمة من خلال الفساد العسكري، وهو ما يشكل تهديداً متواصلاً للاستقرار الأمني لمنطقة الشرق الأوسط. وقالت الصحيفة إنه "في الوقت الذي يقوم فيه وزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند بزيارة إلى دول الخليج، صدر تقرير المنظمة الأخير، الذي حذَّر من أن 16 دولة من بين 17 دولة للشرق الأوسط صُنِّفت على أنها تشكل خطراً كبيراً على استقرار المنطقة بسبب فساد منظوماتها العسكرية، باستثناء تونس، فليس لها الدرجة نفسها من الخطورة، على الرغم من أنها لا تزال تصنف بأنها خطرة".
وسيكون أمام رئيس الحكومة يوسف الشاهد أن يعمل خلال زيارته المرتقبة إلى واشنطن، على إقناع الادارة الأميركية الجديدة بجدوى المحافظة على الدعم نفسه، باعتبار أن تونس هي الحصن الأول لأوروبا وللعالم الديمقراطي في وجه تدفّق الاٍرهاب.