اللاجئون السوريون في لبنان: العقل الأمني يتحكّم بهم

08 مايو 2014
عناصر الأمن العام عند الحدود اللبنانية السورية (حسين بيضون)
+ الخط -

ربما يتوجب على اللاجئين الفلسطينيين في سورية، الهاربين من الحرب الدائرة هناك إلى لبنان، الضرب بالمندل لمعرفة وضعهم القانوني، أو ما الذي سترسو عليه قرارات الدولة اللبنانيّة تجاههم. ففي الثالث من مايو/أيار الحالي، أصدر الأمن العام اللبناني قراراً يطلب فيه من شركات الطيران العالمية، عدم نقل أي لاجئ فلسطيني مولود في سورية إلى لبنان، بغض النظر عن أوراقه. المعنى الواضح لهذا القرار هو منع دخول اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان.

بعد خمسة أيّام من صدور هذا القرار، وبعد الضجة التي أثيرت حوله، تراجعت الدولة اللبنانيّة عن قرار الأمن العام، عبر بيان صادر عن وزير الداخليّة نهاد المشنوق. وقد أكّد المشنوق في بيانه، على أنه "ليس هناك أي قرار يمنع دخول الفلسطينيين اللاجئين في سورية إلى لبنان أو العبور منه، إنما تم اتخاذ إجراءات في عطلة نهاية الأسبوع الماضي بحق عدد من المواطنين السوريين والفلسطينيين اللاجئين في سورية، الذين كانوا بصدد العبور من لبنان إلى دول عربية. واتخذ قرار بترحيلهم لارتكابهم فعلاً جرمياً لحيازتهم أوراق سفر مزورة". لكن البيان لم يُشر إلى الجهة التي اتخذت قرار الترحيل، وخصوصاً أن بعض المصادر الرسمية تنفي أن يكون هؤلاء قد أحيلوا إلى القضاء اللبناني، رغم تأكيد الأمن العام ذلك.


وأضاف بيان المشنوق أنه "تفادياً لعدم تكرار مثل هذه الحوادث التي تؤثر على الوضع الأمني في لبنان، وعلى علاقة لبنان مع دول عربية عدة، تم وضع معايير تنظم عملية دخول الفلسطينيين اللاجئين في سورية إلى لبنان". وقد حدد البيان المعايير التي يُسمح للفلسطينيين السوريين بموجبها الدخول إلى لبنان كالتالي:
ــ سمة دخول مسبقة مبنية على موافقة المديرية العامة للأمن العام أو على بطاقة إقامة (سنة واحدة ــ 3 سنوات ــ مجاملة) أو سمة خروج لسفرات عدة، وإلى حين انتهاء صلاحيتها.
ــ تمديد الإقامة 3 أشهر لإكمال مدة السنة بالنسبة للذين استوفي منهم رسم 300 ألف عن سنة كاملة.
ــ منح الفلسطيني اللاجئ في سورية سمة مرور لمدة 24 ساعة للقادمين عبر مطار رفيق الحريري الدولي، في حال سبق وغادر عبر المطار، أو في حال توفّرت لديه إقامة صالحة في الخارج، ويرغب بالعودة إلى سورية عن طريق لبنان.
ــ السماح بدخول المسافرين منهم والراغبين بالمغادرة إلى الخارج عبر مطار رفيق الحريري الدولي على أن يكون بحوزتهم بطاقة سفر أو سمة إلى الدولة المسافر إليها.
ــ وقف منح التأشيرة التلقائية للفلسطينيين اللاجئين على الحدود، حتى لو كان بحوزتهم إذن عودة.
ــ عدم تمديد التأشيرة التلقائية الممنوحة والممددة سابقاً.
تشير هذه النقاط إلى أن الدولة اللبنانيّة تتعاطى مع اللاجئين الفلسطينيين في سورية، وكأنّ لا حرب تدور في تلك البلاد. تُصرّ الدولة على التعاطي معهم بالطريقة عينها التي كانت متبعة قبل مارس/آذار 2011. وما يؤكّد هذا الكلام، البندان الأخيران في بيان المشنوق، اللذان يقولان بوقف إعطاء التأشيرات على النقاط الحدوديّة، وهي الصيغة التي اعتمدت عند اشتداد المعارك في مخيم اليرموك.
في الوقت عينه، يقول المشنوق، في بيانه، إن "هذه الآلية والمعايير قابلة للمراجعة والتعديل وفقاً لتطور الأوضاع الأمنية والإنسانية في أماكن إقامة اللاجئين الفلسطينيين في سورية، وأن أي قرار رسمي بإقفال الحدود أو منع دخول النازحين السوريين أو اللاجئين الفلسطينيين في سورية إلى لبنان يُتخذ من قبل مجلس الوزراء بناءً على مداولات اللجنة الوزارية المعنية بالنازحين السوريين". كلام يعني أن الباب مفتوح لمراجعة هذه القرارات، في حال اشتداد المعارك مجدداً في مخيم اليرموك. كما أن البيان يُحدّد أن القرارات تتخذ على المستوى السياسي وليس الأمني، أي ليس كما حصل.
لكن هناك قطبة مخفيّة في هذا المقطع من البيان، عند الحديث عن إقفال الحدود بوجه اللاجئين السوريين والفلسطينيين في سورية. هو ربط عملية الإقفال هذه بقرار الحكومة اللبنانيّة. حتى اليوم، لا يوجد قرار من هذا النوع لدى السلطات اللبنانيّة، على الأقل رسمياً، لكن هناك من يُفكّر بالموضوع في مجلس الوزراء، وقد جاهر بذلك وزير الخارجيّة جبران باسيل.


اللافت أيضاً، أن المشنوق، ترأس يوم الأربعاء، اجتماعاً لمجلس الأمن المركزي، و"تم بحث عملية دخول المواطنين السوريين والفلسطينيين اللاجئين في سورية إلى لبنان، وتقرّر الطلب من المديرية العامة للأمن العام اقتراح آلية تنظم دخول هؤلاء من سورية إلى لبنان وفقاً لمعايير واضحة ليتم عرضها على مجلس الوزراء وبحثها وإقرارها"، مثلما جاء على صفحة المشنوق على موقع "فايسبوك". النتيجة الحتمية لهذا الأمر، هو أن تعاطي الدولة مع ملف اللاجئين سيكون عبر العين الأمنيّة.

الدولة ضائعة

لا ينحصر الضياع في ملف اللاجئين. الدولة اللبنانيّة ضائعة أيضاً. لا تملك رؤية لهذا الملف. جذر المشكلة يعود إلى خريف العام 2011، عند بداية توافد اللاجئين السوريين إلى لبنان. رفضت حكومة نجيب ميقاتي آنذاك اعتبار هذا الأمر يستحق تعاطياً استثنائياً. أُهملت كل الدراسات التي أُعدت للحكومة. وقد أبلغت مصادر في رئاسة الحكومة اللبنانيّة "العربي الجديد"، أن الدراسات التي أُعدت، تناولت مختلف جوانب هذه القضية. وقدّم الفريق اللبناني الذي أعدّ هذه الدراسات، اقتراحاتٍ بإنشاء عدد من المخيمات للاجئين في مختلف المناطق اللبنانيّة، ليتم توزيع انتشار اللاجئين، إضافةً إلى ضمان حمايتهم وتقديم مختلف الخدمات الأساسية للاجئين، وعدم تعريض هؤلاء الأمن اللبناني للخطر. ومن الاقتراحات أيضاً، إقامة مناطق صناعية حرّة في الأرياف اللبنانيّة لاستيعاب رجال الأعمال السوريين، وتأمين فرص عمل للعمالة السوريّة، وتخفيف العبء عن الدولة والجهات المانحة. كذلك، نصّت الاقتراحات على الاستفادة من الدول المانحة لتحسين وتطوير الخدمات العامة اللبنانيّة التي يستفيد منها اللاجئون السوريون، مثل المستشفيات والمدارس الحكومية.
تعاطت الحكومة اللبنانيّة مع هذه الدراسات بازدراء بالغ. أحد الوزراء في حكومة ميقاتي علّق، عندما تلقى واحدة من هذه الدراسات، بالقول "من كلّ عقلكم سوف نقوم بهذا العمل من أجل السوريين؟".


في هذا الوقت تركت الحكومة الجمعيات والمنظمات غير الحكومية الدوليّة والمحلية، تقوم بكل العمل وحدها، رغم أن الملف يُعد سيادياً بالنسبة للدول. حتى اليوم، لا تملك الجهات الرسمية اللبنانية معلومات كاملة عن جميع الجهات المحلية والدولية التي تعمل في مجال الإغاثة. كما أن العلاقات بين هذه الجمعيات ليست في أحسن أحوالها. تتنافس فيما بينها، إضافة إلى الفساد الكبير الذي ينخرها. هو كلام يقوله المسؤولون اللبنانيون، وعدد من الدبلوماسيين الغربيين الذين يعملون في الملف السوري.
وبين الاستهتار، وغياب القرار السياسي والعنصرية، تضخّم ملف اللاجئين من بضعة آلاف إلى ما يزيد عن المليون ونصف مليون لاجئ، بحسب الأرقام غير الرسميّة، وتحوّل إلى قنبلة موقوتة يُمكن أن تنفجر بأي وقت.

5 فئات من اللاجئين
مع تضخّم أعداد اللاجئين، شعرت الحكومة اللبنانيّة بخطورة هذا الوضع. بدأت تدرس هذا الملف من زاوية أمنيّة بشكل رئيسي. وإلى جانب القراءة الأمنيّة، ترتفع في لبنان الأصوات التي تتهم العمال السوريين بـ"سرقة" فرص العمل من اللبنانيين.
وتشير مصادر رسمية لبنانيّة، رفضت الكشف عن هويتها، لـ"العربي الجديد"، إلى أن العقل الأمني اللبناني يُقسّم اللاجئين السوريين إلى خمس فئات:
1 ــ الأغنياء وميسورو الحال، الذين يسكنون في بيروت والضواحي الغنية، ويُمارسون أعمالهم التجارية من لبنان.
2 ــ العمال السوريون الدائمون والموسميون، وعدد هؤلاء يتراوح بين 500 ألف و700 ألف عامل بحسب المواسم الزراعية.
3 ــ المواطنون السوريون المعدَمون اقتصادياً، والذين لجأوا إلى لبنان بسبب الوضع الاقتصادي في بلدهم وليس الأمني. ويعيش عدد كبير من هؤلاء في مناطق آمنة ويسيطر عليها النظام، مثل الساحل السوري.
4 ــ اللاجئون السوريون الهاربون من المعارك العسكرية وقمع النظام، وتعتقد هذه المصادر أن نسبة هؤلاء ليست الأكبر.
5 ــ أعضاء المجموعات العسكرية الأمنية الذين يأتون إلى لبنان للعلاج أو الراحة أو حتى القيام بأعمال أمنية، ونسبة هؤلاء ليست كبيرة.
وبحسب هذه المصادر، فإن الفئات الثانية والثالثة والرابعة، تستفيد جميعها من مساعدات الأمم المتحدة والجمعيات، رغم أنهم ليسوا جميعاً لاجئين، لكنّهم سجّلوا أسماءهم في مفوضية شؤون اللاجئين. وبالتالي، وبحسب المصادر اللبنانية، فإن "العقل الأمني" اللبناني يُريد الحدّ من دخول السوريين إلى لبنان عبر تشديد الإجراءات، تحديداً تخفيف دخول العمال الموسميين والسوريين المعدمين. إضافة إلى ذلك، بات هذا العقل يتعاطى مع أي لاجئ سوري، كـ"متّهم" بالعلاقة مع المجموعات المسلحة، وخصوصاً "جبهة النصرة"، حتى تثبت براءته.