احتدام معركة الرقة: مشاركة أميركية وخوف على مصير المدنيين

09 يونيو 2017
يتعرض وسط المدينة لقصف من التحالف الدولي(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
تحتدم المعارك في محيط مدينة الرقة السورية في إطار عملية واسعة النطاق بدأتها "قوات سورية الديمقراطية" مدعومة من التحالف الدولي بهدف انتزاع السيطرة على المدينة، وطرد تنظيم "داعش" من أهم معاقله في سورية، مع معلومات عن مشاركة فعلية للقوات الخاصة الأميركية في المعارك على جبهات عدة، في وقت يتخوف فيه ناشطون من تكرار سيناريو الموصل الكارثي على المدنيين، مشيرين إلى مقتل المئات خلال أقل من شهرين في عموم محافظة الرقة بقصف جوي من طيران التحالف الدولي.

ودارت معارك كر وفر في شرقي وغربي مدينة الرقة أمس الخميس في معركة انتزاع السيطرة التي أعلنت عنها مليشيات "سورية الديمقراطية"، التي يُشكل مقاتلون أكراد نواتها الصلبة، وقوات "النخبة" السورية التي تتبع لرئيس الائتلاف الوطني الأسبق أحمد الجربا. وذكرت مصادر مطلعة على مجريات المعركة لـ"العربي الجديد" أن قوات "النخبة" تقدّمت على مدى يومين مسافة كيلومتر واحد داخل حي المشلب شرقي المدينة، مشيرة إلى أن هذه القوات توقفت بسبب وجود تحصينات للتنظيم وصفتها بـ"القوية"، وقيام "داعش" بتفخيخ أغلب منازل الحي. وأفادت المصادر بأن "قوات سورية الديمقراطية" سيطرت على قرية الجزرة الواقعة على أطراف الرقة الغربية، مشيرة إلى أن اشتباكات تجري داخل حي السباهية أوائل أحياء الرقة الغربية.

من جهته، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن "قوات سورية الديمقراطية" تسيطر على 70 في المائة من حي المشلب وتبعد نحو 400 متر من حي الصناعة المجاور. ويرصد تنظيم "داعش"، بحسب المرصد، حي المشلب "بشكل دقيق عبر قناصته، كما زرع الألغام فيه بشكل كثيف". وأفاد المرصد أيضاً بأن التنظيم كان "أفرغ حي المشلب من السكان" ليتيح أمام مقاتليه حفر خنادق وأنفاق داخله. وتدور اشتباكات عنيفة أيضاً على الأطراف الغربية للمدينة، بحسب المرصد الذي أشار إلى أن "القوات الخاصة الأميركية تشارك بشكل فعلي" في المعارك على جبهات عدة.
من جهته، أشار المتحدث باسم قوات "النخبة" محمد خالد الشاكر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن هذه القوات تقوم بـ"تثبيت مواقعها" في حي المشلب، واصفاً الوضع العسكري في الحي بـ"الصعب"، لافتاً إلى وجود ألغام زرعها التنظيم تعيق تقدّم القوات المهاجمة، إضافة إلى عمليات قنص يقوم بها مسلحو التنظيم. وأوضح الشاكر أن التنظيم حوّل الحي إلى منطقة عسكرية قبل بدء المعارك، مشيراً إلى أنه قام بإخلاء الحي من سكانه "لأنه توقّع اقتحام المدينة من جهة الشرق"، فاستعدّ لذلك. ولفت إلى أنه "لم يحدث أي اختراق في جبهات القتال شمال المدينة"، مشيراً إلى احتمال تحرك قوات أميركية في هذه الجبهة "الصعبة"، والتي قام التنظيم على مدى سنوات بتحصينها من خلال حفر أنفاق، وزرع ألغام.

ويتعرض وسط المدينة لقصف مدفعي وجوي من طيران التحالف الدولي بشكل يومي، ولكن الأنباء التي ترد من المدينة شحيحة بسبب قيام تنظيم "داعش" بإغلاق كل محلات الإنترنت في المدينة مع انطلاق المعارك يوم الثلاثاء الماضي. وقام ناشطون بنشر صور تظهر حالة الهلع والرعب التي يعيشها من تبقّى من سكان الرقة، إذ يحاولون الفرار من خلال جسري المدينة القديم والجديد على نهر الفرات جنوب المدينة على الرغم من تعرضهما لقصف جوي أدى إلى تدمير أجزاء منهما، وتعطيل الحركة فوقهما.

وقال ناشط في حملة "الرقة تذبح بصمت" لوكالة "فرانس برس" إن الظروف الإنسانية صعبة جداً، خصوصاً مع انقطاع المياه والكهرباء والقصف الجوي العنيف. وكانت لجنة الإنقاذ الدولية قد عبّرت في بيان أصدرته بداية الأسبوع الحالي عن "قلق شديد على سلامة المدنيين في الرقة"، مشيرة إلى تراجع في أعداد الفارين منها، "ما قد يشير إلى أن تنظيم داعش ينوي استخدام الذين لا يزالون عالقين في المدينة كدروع بشرية".
وقام ناشطون بتوثيق أسماء أكثر من 650 قتيلاً منذ منتصف مارس/آذار الماضي، بالقصف الجوي والمدفعي في عموم محافظة الرقة، مشيرين إلى أنهم لم يتمكنوا من توثيق أسماء قتلى في عدة مجازر حدثت، أبرزها مدرسة البادية في بلدة المنصورة في ريف الرقة الغربي، والتي راح ضحيتها أكثر من 300 مدني في العشرين من مارس/آذار الماضي بقصف من طيران التحالف الدولي.


وتبدي فعاليات مدنية، وناشطون من الرقة خشية من تكرار سيناريو الموصل الإنساني الكارثي في الرقة، مشيرين إلى أن عائلات كاملة أبيدت في القصف الجوي الذي دمّر ولا يزال أغلب مرافق المدينة وأبنيتها، متوقعين أن تتحول الرقة إلى "أطلال" في حال استشرس التنظيم بالدفاع عن مواقعه فيها. ويعتقد ناشطون أن هناك عدة آلاف من المدنيين ما زالوا عالقين داخل المدينة، تقطّعت بهم السبل، ولم يعد أمامهم سوى انتظار المجهول، إذ لم يُبدِ التحالف الدولي اهتماماً بتوفير ممرات آمنة لهم، بل قام بقصف زوارق وسيارات حاول المدنيون الهروب بها من المدينة، ما أدى إلى مقتل العشرات، بينهم أطفال ونساء.

في موازاة ذلك، ظهرت بوادر توتر بين قوات النظام ومليشيات تساندها من جهة، وبين "قوات سورية الديمقراطية" من جهة أخرى، في ريف الرقة الغربي، حيث تحاول قوات النظام التقدّم فيه انطلاقاً من مدينة مسكنة ومحيطها في ريف حلب الشرقي. وذكرت مصادر في "سورية الديمقراطية" أن اشتباكات اندلعت مع قوات النظام مساء الأربعاء، متهمة الأخيرة بمحاولة "عرقلة حملة تحرير الرقة". ولا يزال تنظيم "داعش" يحتفظ بقرى في ريف الرقة الغربي أبرزها قريتا دبسي فرج ودبسي عفنان تحاول قوات النظام انتزاع السيطرة عليهما، وليس من المتوقع أن تتوغل هذه القوات في مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" في الحدود الإدارية للرقة، مع تحوّل الأخيرة إلى منطقة نفوذ أميركي.
في سياق آخر، تدور تساؤلات حول من سيتسلم مدينة الرقة بعد تحريرها، وفي هذا الإطار قال المتحدث باسم "سورية الديمقراطية" طلال سلو لوكالة "فرانس برس" إن قواته تنوي تسليم المدينة "إلى مجلس مدني وعسكري من أبناء المدينة بكافة مكوّناتهم الاجتماعية والعشائرية"، نافياً "وجود أي حساسية بالنسبة لمشاركة الوحدات الكردية" في معركة الرقة. وكانت "سورية الديمقراطية" قد أعلنت منتصف إبريل/نيسان إنشاء "مجلس مدني" معني بإدارة شؤون مدينة الرقة وريفها.

المساهمون