يوماً بعد يوم تتعزز مؤشرات ذهاب السعودية إلى تهدئة مع جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، في أعقاب إعلان الأخيرة، منذ أكثر من أسبوع، وقف مختلف أشكال الهجمات باتجاه الجانب السعودي، الأمر الذي يحظى بدعم دولي قوي، ويبدو كأحد المعطيات التي فرضها هجوم شركة أرامكو، غير أنه يبقى مهدداً في ظل واقع شديد التعقيد وتعثّر التفاهمات السعودية الحوثية في مراحل سابقة.
وعلى الرغم من نفي الحوثيين، على لسان القيادي البارز في الجماعة محمد علي الحوثي، إبرام تفاهمات مع الرياض، تشمل وقفاً جزئياً لإطلاق النار (الضربات الجوية للتحالف) في أربع مناطق يمنية، فقد أفادت مصادر يمنية لـ"العربي الجديد"، أن وتيرة الضربات الجوية تراجعت بالفعل في العاصمة صنعاء، خلال الـ72 ساعة الماضية، مع تواصلها في محافظتي صعدة وحجة الحدوديتين، شمال غربي البلاد.
وإلى جانب تراجع الغارات في صنعاء، كان إفراج الحوثيين عن محتجز سعودي في سجون الجماعة، يوم الثلاثاء الماضي، أحد أبرز المؤشرات على تفاهمات غير معلنة بين الجانبين، حيث وصل ناصر الذروي، الذي كان معتقلاً في سجون الجماعة، منذ ما يزيد عن أربع سنوات إلى مدينة جدة، وقالت وسائل إعلام سعودية إن الإفراج عنه يأتي نتيجة لجهود بذلتها "الجهات الأمنية".
وبينما تحفّظ الحوثيون، ومثلهم الجهات الرسمية السعودية، عن تقديم تفاصيل بشأن الإفراج، رحّب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث بـ"الخطوة"، ليعزز المعلومات عن كونها جاءت في إطار تفاهمات غير معلنة، لا تزال مشوبة بالحذر الشديد من قبل الجانبين، كنتيجة، على ما يبدو، لحالة عدم الثقة.
وفي السياق، يبدو أن التهدئة تحظى بدعم دولي متزايد، كان أبرز تجلياته صدور بيان مشترك عن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، إلى جانب ألمانيا والكويت، ندد بهجمات الحوثيين تجاه السعودية، وقال إن الإعلان في 20 سبتمبر/أيلول عن وقف الحوثيين للضربات على المملكة العربية السعودية يُعدّ "خطوة أولى مهمة نحو وقف التصعيد، الذي سيحتاج إلى إتباعه بإجراءات إيجابية على الأرض من جانب الحوثيين، وضبط النفس من جانب التحالف".
وتتفق لغة الترحيب الصادرة في البيانات الدولية، بما في ذلك بيان المبعوث الأممي مارتن غريفيث، مع ما يمكن اعتباره ملامح تجاوب إيجابي من قبل الرياض مع التهدئة مع الحوثيين، وهو ما كان وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، قد عبّر عنه منذ أسبوع، في معرض ردّه تعليقاً على إعلان الجماعة التهدئة، وقوله إن بلاده تنتظر الأفعال لا الأقوال.
وتعيد الأنباء المتواترة عن تفاهمات ثنائية بين السعودية والحوثيين، الأنظار إلى ما عُرف بـ"مفاوضات ظهران الجنوب"، في العام 2016، حين تم الإعلان في مارس/آذار من العام نفسه، عن هدنة حدودية جرى التفاهم بشأنها بصورة غير معلنة، وأعقبتها زيارة وفد من الحوثيين إلى مدينة "ظهران الجنوب" القريبة من الحدود، لتستضيف الأخيرة اجتماعات استمرت لأكثر من شهرين، إلا أنها انهارت في نهاية المطاف، لتعود الحرب بوتيرة أعنف.
وبالنظر إلى المعطيات في كلّ حوار 2016 بين الحوثيين والسعودية، وبين المعلومات التي تتحدث عن تفاهمات أخيراً، يبدو أن الثقة ليست أفضل حالاً، غير أن المستجد هو أن الرياض تذهب هذه المرة إلى هذا النوع من التهدئة، متأثرة بتبعات أكبر هجوم تتعرض له منذ بداية الحرب، والذي خلّف خسائر كبيرة، لا تُقارن بأي من الهجمات السابقة التي تبناها الحوثيون منذ سنوات، وهو ما يعني أن خيار قبول التهدئة مع الحوثيين يأتي إما كنوع من المراجعة والاعتراف بما يصفه البعض بـ"الهزيمة"، أو كتكتيك، تراه أقلّ الضررين، بالمقارنة مع أنّ أي رد عسكري، وخصوصاً باتجاه إيران، يبقى مجهول العواقب.
وفي ظل المعطيات المختلفة، يبقى من الواضح أن هجوم "أرامكو" في بقيق وخريص، وما تبعه من إعلان من قبل الحوثيين بوقف الهجمات باتجاه السعودية، ألقى بظلاله على المسار السياسي في اليمن، ومن شأنه أن يمثل فرصة لتحريك "المياه الراكدة"، كخطوة في طريق إنهاء الحرب في البلاد وما خلفته من كارثة إنسانية. ومع ذلك، فإن الآمال تبقى حذرة إلى حدٍ كبيرٍ، في ظل واقع شديد التعقيد، لا يمكن النظر إليه من زاوية يمنية أو سعودية بحتة، بقدر ما هو مرتبط أيضاً بالأزمة مع إيران.