النظام يتقدّم بريف إدلب: توسيع محاور القتال لتشتيت الفصائل

26 يناير 2020
دمر القصف القسم الأكبر من معرة النعمان(عز الدين إدلبي/الأناضول)
+ الخط -

خطت قوات النظام السوري ومليشيات تساندها خطوة جديدة باتجاه مدينة معرة النعمان، كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي، مع تحقيق تقدّم في ريفها الجنوبي الشرقي على حساب الفصائل المسلحة، التي يجبرها الغطاء الناري الجوي الروسي على التراجع في عمق محافظة إدلب، في ظل معلومات عن خطة لقوات النظام لتوسيع دائرة هجومها ليشمل محاور عدة للسيطرة على الطريق الدولي الذي يربط شمال سورية بوسطها، وهو الهدف البارز المعلن للنظام والروس. بالتوازي مع ذلك، تزداد أزمة الأهالي النازحين من مناطقهم بسبب الهجوم، مع صعوبات في إيصال المساعدات الإنسانية لهم.

وتدور اشتباكات عنيفة بين قوات النظام ومليشيات تساندها من جهة، وبين الفصائل المقاتلة، من جهة أخرى، في ريف إدلب الشرقي، حيث تحاول هذه القوات تعزيز مكاسب حققتها الجمعة وفجر السبت مع سيطرتها على قرى عدة، مقتربة أكثر من مدينة معرة النعمان. وقال مراسل "العربي الجديد" إن قوات النظام سيطرت فجر السبت بدعم جوي روسي على قرية معرشمارين بعد اشتباكات مع الفصائل المسلحة الموجودة في المنطقة، وذلك عقب سيطرتها على قرية الدير الشرقي المجاورة. وأكد أن مقاتلي الفصائل صدوا محاولات تقدّم لقوات النظام على قرية أبو جريف وتل كرسيان شرق إدلب، ما أسفر عن قتلى وجرحى في صفوفها، وإعطاب عربة نقل جنود، بالتزامن مع قصف صاروخي ومدفعي وجوي للنظام وروسيا على مدينة معرة النعمان جنوبي إدلب.

وبحسب وكالة "إباء" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) فإن 20 عنصراً من المليشيات الموالية للنظام قُتلوا على محور تل مصطيف بريف إدلب الشرقي، ليل الجمعة-السبت، جراء استهداف تجمّع لهم بصاروخ حراري أثناء محاولتهم التقدّم على المنطقة.
كما ذكرت وكالة أنباء "سانا" التابعة للنظام أن قوات الأخير استعادت السيطرة على بلدات وقرى كرسيان ومعرشمارين وأبو جريف وتقانة في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، مشيرة إلى أن هذه القوات حققت تقدماً جديداً باتجاه مدينة معرة النعمان.
كما ذكرت وكالة "سبوتنيك" الروسية أمس أن قوات النظام "باتت قاب قوسين أو أدنى من إطباق الطوق على نقطة المراقبة التركية في بلدة معر حطاط جنوب مدينة معرة النعمان، وذلك بعد السيطرة على بلدتي الدير الغربي وتقانة شرق نقطة المراقبة التركية بكيلومترين".

من جهته، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى ارتفاع عديد قتلى قوات النظام منذ بدء الهجمات مساء الجمعة إلى 16، كما ارتفع عدد قتلى الفصائل التي تقاتل قوات النظام إلى 31 قتيلاً، وفق المرصد. فيما قالت مصادر إعلامية موالية للنظام إن قوات الأخير تعمل حالياً على توسيع محاور العمليات الهجومية وتنويعها، بهدف "تشتيت حشود المسلحين وجهدهم الحربي"، مشيرة إلى أن "ريفَي حلب الغربي والجنوبي لن يكونا بمعزل عن العمليات المرتقبة". ولفتت إلى احتمال فتح ثلاثة محاور للعمليات: "الأول محور مدينة معرة النعمان، والثاني محور مدينة سراقب، أما المحور الثالث فهو الضواحي الغربية لمدينة حلب".

وفي ريف حلب الغربي، واصلت قوات النظام محاولتها للتقدّم على محور إكثار البذار، وسط استمرار القصف الجوي والبري على المنطقة، إذ استهدفت طائرات حربية روسية بلدة الزربة بحلب وقرية القاسمية غرب حلب، بحسب الدفاع المدني السوري.
كما واصل الطيران الروسي قصفه على ريفي حلب الجنوبي والغربي، إضافة إلى ريف إدلب، وأكدت مصادر محلية أن مقاتلات روسية قصفت أمس بالصواريخ الفراغية مدينة كفرحمرة في ريف حلب الشمالي الغربي. كذلك قصفت طائرات مروحية بالبراميل محيط قرية الكماري وبلدة خان طومان في ريف حلب الجنوبي الذي من المتوقع أن يكون مسرح مواجهات كبرى خلال الأيام القليلة المقبلة، بعدما استقدمت قوات النظام تعزيزات ضخمة على مدى أكثر من شهر. كما استهدفت قوات النظام بالمدفعية الثقيلة محطة كهرباء "زيزون" شمال غرب حماة من معسكرات هذه القوات في قرية جورين المجاورة، بالتزامن مع قصف المليشيات الإيرانية بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ بلدة زيتان بريف حلب الجنوبي، وفق مصادر محلية. من جهتها، أعلنت الفصائل أنها استهدفت بالصواريخ تجمعات لقوات النظام في قرية الذهبية جنوب حلب.


ونقلت وسائل إعلام روسية عن مدير مركز حميميم للمصالحة التابع لوزارة الدفاع الروسية، اللواء يوري بورينكوف، قوله في بيان أصدره مساء الجمعة، إن "منطقة إدلب لخفض التصعيد شهدت خلال الساعات الـ24 الماضية عدداً مرتفعاً وغير مسبوق لعمليات القصف من قبل الجماعات المسلحة والتي وصلت إلى 115 حالة". وذكر بورينكوف أن "الجيش السوري تمكّن جراء الأعمال القتالية المستمرة في المنطقة، من طرد المسلحين من بلدتي سمكة وخوين الشعر، كما أعاد الوضع على خطوط الدفاع الأمامية إلى ما كان عليه في 22 يناير/كانون الثاني الحالي".

ومن الواضح أن خطة النظام العسكرية تقوم على السيطرة على كامل ريفي حلب الجنوبي والغربي ومدينتي سراقب ومعرة النعمان، لتضمن سيطرة كاملة على الطريق الدولي الذي يربط مدينة حلب في الشمال السوري بمدينة حماة في وسط البلاد، وهو هدف لا تخفيه قوات النظام. وتعد مدينة معرة النعمان من أهم المدن في محافظة إدلب، وهي ذات رمزية ثورية عالية، لذا يبحث النظام عن نصر إعلامي عبر دخوله إليها. وقد دمّر الطيران الروسي على مدى أكثر من شهر القسم الأكبر من المدينة على الرغم من خلوها من السكان ومقاتلي الفصائل، وهو "الدور المتوحش" للجانب الروسي في الصراع، وفق مصدر من المدينة، تساءل في حديث مع "العربي الجديد": "لماذا يدمرون مدينة خالية من الحياة؟".

ومن المرجح أن تواصل قوات النظام قضم المزيد من المناطق في ريف إدلب تحت غطاء ناري روسي وصولاً إلى مدينتي معرة النعمان وسراقب، في محاولة لحصار الفصائل في ريفي حلب الجنوبي والشرقي، في تكرار للسيناريو الذي جرى في مايو/أيار الماضي، حين أجبرت قوات النظام فصائل المعارضة على الانسحاب من ريف حماة الشمالي بكامله خشية الحصار. وتسيطر فصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام" على العديد من البلدات والقرى في ريفي حلب الجنوبي والجنوبي الغربي، أبرزها: بلدة الزربة وخان طومان والعيس التي يقيم الجيش التركي نقطة مراقبة فيها. كما تسيطر الفصائل على مباني الإيكاردا، وهو مجمع بحوث زراعية كان يتبع للأمم المتحدة قبل أن تغلقه مع اتساع دائرة الصراع في سورية. وفي ريف حلب الغربي تسيطر فصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام" على حي جمعية الزهراء التابع للمدينة، وضاحية الراشدين، وبلدات: خان العسل، دارة عزة، الأتارب والمنصورة. وفي الشمال الغربي من مدينة حلب تسيطر الفصائل والهيئة على حي الليرمون وعلى مدن وبلدات: كفر حمرة، حريتان، عندان، بيانون، حيان، معارة الأرتيق.

على الصعيد الإنساني، أعلنت الأمم المتحدة، الجمعة، أن أكثر من 38 ألف سوري اضطروا للنزوح عن منازلهم في شمال غرب سورية خلال خمسة أيام، هرباً من الغارات الجوية التي تنفذها قوات النظام وحليفتها روسيا. وأعربت الأمم المتحدة عن "القلق البالغ" حيال ازدياد عمليات النزوح في شمال غرب سورية، فيما أشار المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوشا) دايفيد سوانسون إلى وجود "معلومات شبه يومية عن غارات جوية وقصف مدفعي في المنطقة". وبحسب الأمم المتحدة، نزح ضمن الجزء الشمالي الغربي من سورية 358 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال.
من جهتها، قالت ميستي بوسويل من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن "التصعيد الأخير فتح الباب أمام جبهة جديدة خطيرة في غرب وجنوب حلب". وتابعت أن المخيمات ممتلئة والخدمات الصحية مستنزفة وغالبية "النازحين" يعيشون في خيم هشة مكتظة وتغمرها مياه الأمطار.

كما دعا المفوض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، فيليبو غراندي، المجتمع الدولي إلى "إيجاد حل سياسي ومسار سلمي بدلاً من الصراع" في سورية كي يتسنى للنازحين العودة إلى ديارهم، مضيفاً "نحن قلقون جداً من الوضع الإنساني وتهجير المدنيين من أماكنهم، في إدلب". وقال في تصريح لوكالة "الأناضول" أمس إن المفوضية تواجه صعوبة كبيرة في توصيل المساعدات الإنسانية للمدنيين النازحين من إدلب باتجاه الحدود التركية، مضيفاً: "نحاول تقديم المساعدات الإنسانية للمنطقة عبر شركائنا وغيرها من الوسائل. لدينا صعوبة في الوصول إلى المنطقة وينبغي إيجاد حل لهذا الأمر".