ضبابية كثيفة تحيط بموقف النظام المصري، من الرغبة الروسية في استغلال المطارات والقواعد العسكرية المصرية خلال الفترة المقبلة. وترغب روسيا بتوسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، بعد فرض نفسها، عقب دعم النظام السوري في قمع المعارضة المسلحة، وهو ما يفسر الرغبة في استغلال المطارات المصرية، بحسب مراقبين.
وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، زار القاهرة أواخر الشهر الماضي، في إطار اللقاءات الدورية للجنة الروسية المصرية المشتركة للتعاون العسكري الفني. والتقى شويغو نظيره المصري الفريق أول صدقي صبحي، وتطرقا إلى التعاون العسكري والفني بين الدولتين، فضلاً عن لقائه بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي. وفي اليوم التالي للزيارة، نشرت وزارة الدفاع الروسية مسودة اتفاق عسكري، بتكليف من رئيس الوزراء، ديمتري ميدفيديف، لبدء مناقشات مع الجانب المصري حولها. وتتحدث مسودة الاتفاق بشكل أساسي عن "تبادل" استخدام المجال الجوي والمطارات العسكرية في البلدين. واعتبر مراقبون هذا النص مراوغة من موسكو، خصوصاً أنهم يدركون عدم استخدام مصر المجال الجوي لروسيا أو مطاراتها.
وقالت مصادر قريبة من المؤسسة العسكرية المصرية، إن النظام الحالي لم يتخذ قراراً بعد بشأن الموقف من مسودة الاتفاق الروسي حول التعاون العسكري بين الطرفين، بما يسمح بتبادل استخدام المطارات والقواعد العسكرية. وأضافت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن الموقف غير واضح تماماً حتى الآن، وإن كان الاتجاه الغالب رفض هذا الأمر، تحت بند الاعتراض على التواجد العسكري الأجنبي على الأراضي المصرية. وأشارت إلى أن هناك تخوفات من تأثير هذا الرفض على العلاقات مع روسيا خلال الفترة المقبلة، في محاولة لإنقاذ اتفاق إنشاء المحطة النووية في الضبعة، فضلاً عن عودة السياحة الروسية المعلقة حتى الآن. ولفتت إلى أن الموافقة على هذا الاتفاق ستؤثر بشكل كبير على العلاقات مع أميركا، المتوترة بالأساس بعد اقتطاع نحو 300 مليون دولار من المعونة الأميركية منتصف العام الحالي.
واعتبرت المصادر أن المؤسسة العسكرية لا ترغب بتصنيف نفسها، لا مع روسيا ولا مع أميركا، وإن كانت تميل إلى واشنطن، إذ إن أغلب تسليح الجيش المصري من الولايات المتحدة، وهناك تفاهمات عسكرية أسبق من العلاقات الدبلوماسية والسياسية. وأوضحت أن قطع الغيار في الجيش المصري، وتحديداً الطائرات، يكون الاعتماد فيها على أميركا، دولة التصنيع، وإذا توترت العلاقات العسكرية سيؤثر ذلك سلباً على الجيش المصري. وأشارت إلى أن المأزق هو رد الفعل الروسي إذا تم رفض الاتفاق، وهل سيؤثر هذا على مشروع المحطة النووية في الضبعة أم لا؟ وهو سبب الحيرة، متوقعة ألا تتبع القاهرة أسلوب رفض عنيفا للطلب الروسي أو حتى خلال فترة زمنية قصيرة. ورجحت أن تستغل مصر هذا الطلب الروسي في الضغط على أميركا في سبيل عدم اقتطاع أي مبالغ من المساعدات، وتخفيف الضغط عليها في مجال حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية، وضمان استمرار السيسي في الحكم.
من جانبه، قال خبير عسكري إن مصر تحتاج إلى روسيا مثلما تحتاج إلى أميركا، لكن العلاقات مع الولايات المتحدة لا تتأثر بأي تقارب روسي. وأضاف الخبير العسكري، لـ"العربي الجديد"، أنه من غير الوارد موافقة الجيش المصري على الطلب الروسي، حتى لو كان يرغب القيام بهذه الخطوة، بسبب الدفع باتجاه تدخل عسكري في ليبيا، موضحاً أن السيسي لم يجد أي صدى لدى أميركا في مسألة التدخل العسكري في ليبيا، إذ إنها أصرت على الحل السلمي من دون أي مواجهات مسلحة. ولفت إلى أن روسيا لديها استعداد للتدخل العسكري في ليبيا ودعم مصر في تلك المساعي، خصوصاً أنها تتمتع بعلاقات قوية مع قائد القوات الموالية لبرلمان طبرق، خليفة حفتر. وأوضح أن روسيا تحاول تعزيز نفوذها وتواجدها في الشرق الأوسط، واللعب على خلافات واشنطن، فهناك أحاديث عن إنشاء قاعدة عسكرية في السودان، بعد زيارة الرئيس السوداني، عمر البشير، إلى موسكو.
في السياق، قالت مصادر سياسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن حالة من الارتباك سادت أجهزة مصرية سيادية، عقب تلقيها تحذيرات من مؤسسات بحثية وعلمية، بعضها ينتمي إلى القوات المسلحة، بسبب الاتفاق مع روسيا على بناء مستودع للنفايات النووية. وكانت مصادر روسية أكدت، أول من أمس، أن شركة "روس آتوم" عقدت اتفاقاً مع الحكومة المصرية لبناء مستودع للنفايات النووية في مصر. وبحسب وسائل إعلام روسية، قال مدير قسم سياسة الدولة في مجال النفايات المشعّة، أوليغ كريوكوف، إن "المركز الفيدرالي للسلامة النووية والإشعاعية"، التابع لمؤسسة "روس آتوم"، أبرم اتفاقاً لبناء مستودع فرعي لتخزين الوقود النووي المستهلك للمحطة النووية المستقبلية في مصر. وأوضح أنه "سيتم تجهيز المستودع بحاويات مزدوجة للنقل والتعبئة، والتي تم تطويرها بطلب من المركز الفيدرالي للسلامة النووية والإشعاعية".
وكان المدير العام لشركة "روس آتوم" الحكومية الروسية، ألكسي ليخاتشيوف، أعلن، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أنه سيتم البدء بتنفيذ مشروع بناء محطة الطاقة النووية في منطقة الضبعة بمصر، بمشاركة روسيا، في ديسمبر/كانون الأول الحالي عند دخول الاتفاقيات ذات الصلة حيز التنفيذ. وأضاف "لدينا اتفاقيات مع السلطات المصرية حول دخول عدد من الاتفاقيات حيز التنفيذ. أقصد كافة الاتفاقيات التجارية، وبعد دخولها حيز التنفيذ في ديسمبر من العام الحالي، ستبدأ الأعمال الفعلية". ووقّعت مصر وروسيا، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، اتفاقية لبناء وتشغيل أول محطة نووية بتكنولوجيا روسية في منطقة الضبعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط غرب مصر. وأسفرت المفاوضات حتى الآن عن صياغة عقود المشروع، ومن المنتظر التوقيع عليها بين الجانبين في الفترة المقبلة، بحضور الرئيسين المصري، عبد الفتاح السيسي، والروسي فلاديمير بوتين. وحذر خبراء وفنيون وسياسيون في مصر من المضي في تنفيذ المشروع نظراً إلى مخاطره المحتملة على صحة المصريين. وقال السياسي المصري، محمد أبو الغار، إن "كثيرين أكدوا أن للمشروع عيوباً". وأضاف إن "أهم تلك العيوب هو أن الطاقة الإنتاجية ليست ضخمة كما تصورنا". وتساءل "لماذا يتم بناء محطة نووية في وقت تخلى فيه العالم عن استخدام الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء؟ ألمانيا ستستغني تماماً عن المحطات النووية، وفرنسا قامت بتقليصها. فإذا كان هذا هو الاتجاه العالمي للدول المتقدمة، فلماذا نقوم ببناء المحطة الآن؟". وتابع "الأمر الآخر هو المخاطر المحتملة أثناء التشغيل، لعيوب في الصناعة أو أخطاء بشرية أو كوارث طبيعية، ما ينتج عنها آثار خطيرة".