غياب حفتر يسهّل توافقات ليبية على تعديل الاتفاق السياسي

25 ابريل 2018
عقيلة صالح عاد إلى ليبيا أمس (جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -
يصعب تفسير التفاؤل الذي اجتاح الساحة الليبية فجأة، إلا بغياب قائد قوات برلمان طبرق خليفة حفتر عن الواجهة، نتيجة المرض الذي أقعده منذ أسبوعين في مستشفاه الباريسي بعدما أصابته جلطة دماغية. وكأن المغرب، بما هو ممثل للمجتمع الدولي المعني بالملف الليبي، قد التقط سريعاً الإشارة لاستعجال جمع أطراف النزاع طيلة يومين في الرباط، ليخرج هؤلاء بتوافقات أولية، لكنها غير مسبوقة، على تعديل الاتفاق السياسي، المسمى "اتفاق الصخيرات" الموقع في المملكة في ديسمبر/ كانون الأول 2015، خصوصاً لجهة إعادة هيكلة مجلس الرئاسة الليبية وإقرار الإجراءات اللازمة للاستفتاء على الدستور الجديد، قبل إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، مع توافق على تأجيل حسم المادة الثامنة من الاتفاق السياسي، التي لطالما تمسك اللواء حفتر بتعديلها، كونها كانت تحرمه من الصلاحيات العسكرية التي تم حصرها في حكومة الوفاق والمجلس الأعلى للدولة اللذين رفض التعاون معهما، على الرغم من محاولات حتى حلفائه جمعه مع رئيس حكومة الوفاق فائز السراج في مصر وفي باريس وفي أبوظبي. 


ولم تتغير الظروف بين اليوم والأمس إلا لجهة غياب حفتر ودخول رموز معسكره في معركة خلافته، بما أن تقارير عديدة تجزم باستحالة عودة الرجل إلى مسؤولياته قريباً، نتيجة حالته الصحية السيئة، على الرغم من التطمينات التي حاول مسؤولون فرنسيون والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة بثها حول حالة حفتر الصحية. من هنا، تولّى رئيس البرلمان المغربي حبيب العادلي، مهمة دعوة أطراف ليبية وازنة، سياسية وعسكرية، في مقدمتها رئيس البرلمان المنعقد في طبرق (شرق)، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري، فضلاً عن ممثلين عن مناطق رئيسية في الصراع الليبي مثل مصراتة، عقر دار فصائل الغرب ومدن شرقية عديدة، إلى الرباط، حيث عقدوا سلسلة لقاءات بثت التفاؤل في إمكانية أن يشهد الموضوع الليبي خرقاً مهماً عبر الاتفاق على العناوين العريضة لتعديل اتفاق الصخيرات، وهو ما اختصره عقيلة صالح، من مطار الرباط سلا، لدى مغادرته المغرب عائداً إلى ليبيا، بالقول إن مباحثاته مع خالد المشري كانت "ناجحة ومفيدة ومحفزة على تنزيل التفاهمات بين الطرفين على أرض الواقع في ليبيا"، بحسب تعبيره في دردشة مع "العربي الجديد" من على أرض المطار، بعدما أجرى مباحثات مع كل من رئيس مجلس النواب المغربي، حبيب المالكي، ووزير الخارجية، ناصر بوريطة ورئيس مجلس المستشارين (الغرفة التشريعية الثانية) حكيم بنشماش.


وقال صالح إنه التقى بالمشري والوفد المرافق له الذي غادر بدوره الرباط مساء أمس، وأشار إلى أن "الصراحة وسمت المباحثات لعلم الطرفين بضرورة الوصول إلى حلول للأزمة الليبية وضخ دماء في شرايين الاتفاق السياسي" (2015). وأفادت مصادر مسؤولة من داخل البرلمان المغربي، تحدثت إلى "العربي الجديد"، بأن المباحثات بين صالح والمشري انتهت إلى الاتفاق حول الخطوط العريضة لتعديل اتفاق الصخيرات، لكن يبقى الاتفاق المؤطر الرئيسي لأي حل سياسي توافقي بين أطراف الخلاف الليبي الليبي. وحول فحوى الاتفاقات التي خلص إليها اللقاء، أكدت المصادر أن الأمر يتعلق بالاتفاق على إعادة هيكلة المجلس الأعلى للدولة وتقليص أعضائه إلى 3 أعضاء، هم الرئيس ونائباه، وتعديل المادة 15 من اتفاق الصخيرات بشأن التعيين في المناصب المهمة، مثل مدير البنك المركزي، وجهاز المخابرات ورئيس المحكمة العليا وغيرها، ومعظمها اليوم منقسمة بين شرق وغرب. كذلك تركّز الخرق في تفاهمات اليومين الماضيين في مسارات تشكيل حكومة جديدة جامعة وإصدار البرلمان قانون الاستفتاء على الدستور خلال السنة الجارية، فضلاً عن تشكيل لجنتين، واحدة منبثقة من مجلس النواب الليبي والأخرى من المجلس الأعلى للدولة، لتنزيل مضامين الاتفاق الذي تم في الرباط على أرض الواقع قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية المفترض أن تجرى في نهاية العام الحالي أو مطلع العام المقبل.



وطمأن صالح، في حديث مع مجموعة من الصحافيين، بأن "التفاؤل صار أكثر هيمنة على الأجواء في ليبيا، خصوصاً في الظرف السياسي والأمني الدقيق"، متوقعاً أن "يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية أواخر السنة الحالية في حال تم السير في نفس التوجه نحو بناء المستقبل". وقال صالح: "أتوقع أنه بنهاية هذا العام، ستحل المشاكل في ليبيا، وتشكل حكومة وحدة وطنية واحدة". وكان اللقاء الحاسم في التوصل إلى توافقات مبدئية بين المشري وصالح قد عقد ليل الإثنين، وبدأ في حضور الوزير ناصر بوريطة على مائدة عشاء قبل أن يغادرهما الأخير، ويستمر اللقاء على مستوى الوفدين. وبحسب المعلومات التي ترددت بعد اللقاء، اتّفق الرجلان على مغادرة المغرب إلى ليبيا لمواصلة الاجتماعات، ومناقشة المقترحات في جلستين برلمانيتين في طرابلس وطبرق، تعقدان ربما بالتوازي الأسبوع المقبل. ونقلت وكالة "الأناضول" عن مصادرها تأكيدها أن "هناك تقارباً كبيراً في وجهات النظر بينهما، والقضايا العالقة بينهما ليست بالكثيرة". ولقاءات اليومين الماضيين بين المشري وصالح هي الأولى بين الرجلين، منذ انتخاب المشري على رأس المجلس بداية الشهر الجاري.


وبحسب مصادر مقربة من مجلس الدولة في طرابلس، فإن وفداً من مدينة مصراتة (عقر دار الفصائل المسلحة في الغرب الليبي المؤيدة لحكومة الوفاق والمجلس الأعلى) مؤلفاً من أعضاء المدينة في مجلسي النواب والدولة، التقى، ليل الإثنين في الرباط، عبد الباسط البدري، سفير ليبيا في الرياض، والمبعوث الشخصي للواء خليفة حفتر، طالب خلالها البدري بتأجيل بحث المادة الثامنة من الاتفاق السياسي وقضية توحيد مؤسسة الجيش، وهو ما حصل، بحسب معلومات "العربي الجديد".

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، طرح غسان سلامة في الأمم المتحدة خطة عمل تتضمّن "تعديل اتفاق الصخيرات"، و"مؤتمراً وطنياً للمصالحة" و"استفتاء على الدستور وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية". وتشمل أبرز النقاط التعديلية المقترحة من قبل سلامة، آلية تكوين السلطة التنفيذية في رئاستي مجلس الدولة ومجلس الوزراء، بحيث لا يحق لأي عضو في مجلس رئاسة الدولة أو في مجلس الوزراء أن يمارس أي عمل رسمي خارج المجلس الذي ينتمي إليه. كما اقترح أيضاً أن يشكل مجلس رئاسة الدولة من رئيس ونائبين، على أن تتخذ قراراته بالإجماع، وتتولى رئاسة مجلس الدولة القيام بمهام القائد الأعلى للجيش الليبي، وتسمية رئيس مجلس الوزراء، وتعيين وإقالة رئيس جهاز المخابرات العامة بعد موافقة مجلس النواب الليبي. وفي 17 ديسمبر/ كانون الأول 2015، وقع الفرقاء الليبيون اتفاقاً سياسياً في منتجع الصخيرات بالمغرب، تمخض عنه مجلس رئاسي لحكومة الوفاق الوطني، ومجلس أعلى للدولة (هيئة استشارية)، إضافة إلى تمديد عهدة مجلس النواب، باعتباره الجسم التشريعي للبلاد. لكن خليفة حفتر ومعسكره رفضا الاتفاق بالكامل بسبب المادة الثامنة تحديداً ونصها الحرفي هو الآتي: نقل كافة صلاحيات المناصب العسكرية والأمنية العليا، إلى مجلس رئاسة الوزراء في حكومة الوفاق فور توقيع الاتفاق، كما يتعين قيام المجلس باتخاذ قرار بشأن شاغلي هذه المناصب خلال 20 يوماً، وفي حال عدم اتخاذ قرار خلال هذه المدة، يتخذ المجلس قرارات بتعيينات جديدة خلال 30 يوماً".