تونس: ارتدادات نهاية التوافق تهدد المسار الديمقراطي

15 يونيو 2018
تفاقمت الأزمة السياسية بعد الانتخابات (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -
تعيش تونس منذ أكثر من شهرين أزمة سياسية نتيجة الخلافات العميقة بين المكونات السياسية والاجتماعية حول تصوّرات ما تبقى من عمر هذه الدورة الانتخابية التي تنتهي العام المقبل مع الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وانكسر التوافق الذي أدار السنوات الأخيرة وضمن حداً أدنى من الاستقرار السياسي مكّن من بناء عدد من المؤسسات الدستورية استكمالا للمسار الديمقراطي، غير أنه لم يتمكن من إنهائه كلّه بسبب بروز هذه الخلافات منذ أشهر.
وللتذكير فان تونس تمكنت من تجنب سيناريوهات العنف والتناحر الشعبي بسبب حصول هذا التوافق منذ سنة 2013 عندما التقى الباجي قايد السبسي (عندما كان رئيساً لحزب نداء تونس) بزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وتوافق التونسيون جميعاً حول خارطة طريق قادت إلى الحوار الوطني وكتابة الدستور ثم الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2014. وبرغم التنافس الكبير بين "النهضة" و"النداء" وقتها، وبرغم كل المعارضة من قواعد الحزبين وبقية المشهد السياسي، إلا أن التوافق بينهما تحول إلى ائتلاف حكم، وقاد البلاد طيلة السنوات التي تلت الانتخابات، غير أنه بدأ يضعف مع الأيام.



وتصاعدت المخاوف من توجه البلاد إلى المجهول، إذ إن نهاية التوافق تعني تعطلاً في عمل الدولة وفي الحكومة وفي البرلمان، وتوقفاً لمسار بناء ما بقي من المؤسسات الدستورية، وتراجعاً في الإنتاج والإصلاحات الاقتصادية.
وللتدليل على ذلك، يشير مراقبون إلى تزامن الإعلان عن إيقاف العمل بوثيقة قرطاج مع طلب بعض أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إعفاء رئيسها من منصبه.
ويرى مراقبون أن هذا الأمر لا يتعلق برئيس الهيئة في حد ذاته، وإنما بالشلل الذي يمكن أن يصيب الهيئة ويعطل استعدادها للاستحقاقات المقبلة، لأن قبول البرلمان أو رفضه لتغيير الرئيس سيشل الهيئة بالكامل، لأن التوافق الذي قاد إلى انتخابه بصعوبة كبيرة غير متوفر حالياً ولا يمكن انتخاب رئيس جديد، ما يعني أن الانتخابات المقبلة أصبحت هي أيضاً محل شك.
رئيس هيئة الانتخابات، محمد التليلي المنصري، يقول في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ رفض بعض الأعضاء لشخصه كان منذ البداية، أي منذ توليه رئاسة الهيئة والإعلان عن انتخابه، وبالتالي فإن ما حصل بخصوص طلب إعفائه من منصبه يعتبر امتداداً لما سبق. ويوضح أن الرفض ليس من قبل جميع أعضاء الهيئة، لأن القرار لم يتم اتخاذه بالتصويت. ويشير إلى أن الحديث عن أخطاء قام بها، مجرد ذرائع لا أساس لها من الصحة ولديه ما يفيد كتابياً بأنه لم يرتكب أي خطأ، مبيناً أن العكس هو الصحيح، لأن الأخطاء المرتكبة كانت من قبل بعض الأعضاء وليس من قبله، وهي كثيرة.
وبالنسبة إليه، فإن المطامع برئاسة الهيئة هي من أسباب الدعوة لإعفائه من مهامه، وهي ليست بالمسألة الجديدة ولا تتطلب اجتهاداً لفهمها. ويتحدث عن ضغوط عدة تعرض لها للاستقالة، لكن ما حصل أخيراً كان آخر ورقة يتم استعمالها ضده.
ويشير إلى أن ما حصل لن يعطل عمل الهيئة، إذ إن عملها متواصل وتجديد ثلث الأعضاء سيعطي دفعاً جديداً للهيئة ويضخ دماء جديدة، مبيناً أن العمل متواصل داخل الهيئة، والإدارة تواصل أعمالها من قرارات ترتيبية وإعداد الميزانية وتقرير النشاط والأعمال التقييمية، لكن بعض الأعضاء لا يحضرون بصفة مستمرة إلى الهيئة وحضورهم يقتصر على مناسبات قليلة كعقد المجلس. ويشير إلى أنه سيواصل مهماته في رئاسة الهيئة ويمارس صلاحياته بصفة عادية، لأن قرار الإعفاء لا يلغي رئاسته للهيئة، وهو طلب يجب أن يمرّ عبر مجلس النواب الذي يتخذ بدوره قرار عقد جلسة من عدمه، وإذا رأى المجلس أن لا وجود لأخطاء فادحة فيمكنه عدم إقرار جلسة.
وأكد أنه مستعد للرد والذهاب إلى المجلس للدفاع عن نفسه، لافتاً إلى أنه لم ترده حتى الآن أي دعوة من قبل مجلس نواب الشعب.
من جهته، اعتبر المكتب التنفيذي للحزب الجمهوري، في بيان، أن "أزمة الحكم المستفحلة التي تمرّ بها تونس نتيجة إخفاق منظومة الحكم في إدارة شؤون البلاد والصراع المدمر بين مكوناتها على الاستئثار بغنيمة الحكم والعمل على تحصين مواقعها استعداداً للاستحقاق الانتخابي لسنة 2019 ولو كان ذلك على حساب تناول الإصلاحات المتأكدة التي فشل الائتلاف الحاكم في إنجازها وعلى حساب الاستقرار السياسي والاجتماعي اللذين باتا مهددين تحت طائلة هذه الأزمة".
ودعا الحزب، إزاء تفاقم الأخطار التي باتت تهدد استقرار البلاد وأمنها وتعطل عمل مؤسسات الدولة، إلى تفعيل الفصلين 98 و99 من الدستور بدعوة رئيس الحكومة إلى العودة لمجلس نواب الشعب لتجديد الثقة في حكومته أو رئيس الجمهورية لطلب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها وفق ما يخوله له دستور البلاد وأحكامه.

ولكن لا هذا ولا ذاك تحرك، والأزمة تراوح مكانها، والجميع ينتظر مصير الشاهد وقرار الأحزاب والمنظمات. وفي الانتظار يبقى الخلاف قائماً بين "الشيخين" لكنه ليس مجرد خلاف حول اسم رئيس الحكومة أو حول بقاء الشاهد من عدمه، وإنما هو تهديد جدي لما بقي من مسار ديمقراطي هشّ، تنازعته الأطماع وغذته الشائعات وتصاعدت الرهانات إلى حد تداول أخبار عن مشروع انقلاب.