وأكد المسؤولون أن "الأمر يشمل أيضاً الذين قُتلوا بالقصف الذي نفّذته القوات العراقية وتسبب بسقوط مدنيين، فضلاً عن جرائم المليشيات التي نفذتها بدوافع طائفية وراح ضحيتها آلاف المدنيين. وهو ما يعني بالمحصلة تبرئة أطراف فاعلة في الصراع المسلح من تهم القتل والانتهاكات، ما يؤدي إلى عدم إمكانية محاكمتهم مستقبلاً عن كل الجرائم".
ووفقاً لمسؤول في بغداد، فإن "اللجان المسؤولة عن ملف التعويضات داخل الأمانة العامة لمجلس الوزراء، تلقّت تقارير ميدانية تحدثت عن أن الآلاف من ضحايا القصف الجوي للتحالف الدولي والعراقي والصاروخي أيضاً، الذين انتُشلوا من تحت الأنقاض، تم تسجيلهم بشهادات الوفاة من قبل ذويهم على أنهم ضحايا الإرهاب، طمعاً بالتعويضات المالية لأسرهم. ويشمل هذا ضحايا تورطت مليشيات تابعة للحشد الشعبي بقتلهم لدوافع طائفية معروفة".
وأكد أن "السكان يضطرون لذلك بسبب الحاجة، على الرغم من أن التعويضات لم توزّع بشكل رسمي لسكان المدن المحررة حتى الآن"، معتبراً أن "معظم الأطراف مستفيدة من هذه القضية، كونها تُخلي مسؤولية الجميع عن سقوط المدينة وتحصرها بتنظيم داعش فقط".
ويقدر عدد الضحايا المدنيين الذين قتلوا وأصيبوا أو ما زالوا في عداد المفقودين، بأكثر من ربع مليون عراقي بين عامي 2014 و2018. وقد تصدّرت نينوى والأنبار قائمة العدد الأكبر من الضحايا، وتلتها صلاح الدين وديالى وكركوك ثم بغداد وبابل.
من جهته، أكد أحد النواب الممثلين لمدينة الموصل، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك مفهوماً أو تفسيراً خاطئاً من قبل لجان ومؤسسات حكومية بالمحافظات المحررة حالياً، تعتقد أنه لا يجوز قبول معاملة أي من ذوي الضحايا إن لم يكن على يد داعش. كما أن الكثير من العائلات تخشى القول إن أبناءها قُتلوا على يد الجيش أو المليشيات أو القصف الأميركي، لذا تلجأ لأسلم الطرق". وأضاف أنه "منذ أشهر عدة هذه الحالة تتكرر، والمطلوب من الحكومة أن تخاطب المؤسسات بأن الأخطاء العسكرية مشمولة بقانون التعويضات، كما يجب أن تكون عملية التحقق سهلة وقصيرة، فالقول إنها (أخطاء عسكرية) يؤدي لإجراء يطول على ذوي الضحية ويتطلب فتح تحقيق، بينما القول إن (داعش قتله) أسهل ويمرّر الملف من دون تحقيق من قبل الحكومة ولجانها الفرعية بالمحافظات المحررة". وأشار إلى أن "استمرار هذا الإجراء يعني تبييضاً لسجلات أطراف متورطة بجرائم في العراق، مثل الولايات المتحدة وأطراف عراقية عدة".
بدوره، طالب النائب رعد الدهلكي، أن "يكون هناك قانون خاص بضحايا القوات الأجنبية"، مضيفاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "بات من الضرورة أن يتم سن قانون لضحايا القوات الأجنبية، وكيفية تعويضها وإقامة دعوى عليها خارجية وداخلية، وأيضاً سنّ قانون لقتلى العصابات والمليشيات الخارجة عن القانون، فهناك قانون واحد لضحايا الإرهاب كتنظيم داعش ومن قبله القاعدة، ويجب التمييز بين القوانين لإعطاء كل ذي حقٍ حقه". ورأى أن "هناك فوضى تشريعية تسببت بهذا الارتباك ودفعت المواطن لهذا الأمر"، مؤكداً أن "المواطن يضطر للحصول على تعويض يساعده مع عدم وجود نص واضح يسهل له الحصول على حقوقه".
ومن هؤلاء كميلة الحيالي (61 عاماً)، التي كشفت أن "ابنها اعتبر ضحية إرهاب، على الرغم من أنه قُتل مع زوجته وطفليه داخل منزلهم بقصف طائرة مجهولة في الموصل نهاية عام 2016". وأضافت أنه "تم انتشالهم من تحت سقف منزلهم، غير أنه وأثناء العمل على شهادة الوفاة الرسمية، نصحني محامٍ بأن أجعل سبب الوفاة (عمليات إرهابية)، للتخلّص من إجراءات التحقيق التي قد تستغرق أشهراً طويلة، فأنا بحاجة لأي تعويض أتمكن فيه من إعالة باقي إخوته".
من جهته، اعتبر الخبير القانوني طارق حرب، أنّ "حقوق كثير من القتلى راحت ضحية القوانين التعسفية السابقة"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "عندما كانت القوات الأميركية تحتل العراق، أصدر الحاكم المدني للعراق بول بريمر قانوناً برقم 17 لسنة 2003، يعطي الجنود الأميركيين وكل الجنود الأجانب والمتعاقدين معهم حق الحصانة. واستمر تطبيق القانون حتى نهاية عام 2008، وهناك آلاف من ضحايا تلك القوات لم يحصلوا على أي حقوق بسبب القانون، خصوصاً أنّ هناك أمر تشريع يمنع المحاكم من النظر في هذه الدعاوى". وأضاف "حتى الذين ذهبوا من العراقيين لأميركا للتقاضي، مثل قضية ساحة النسور (مذبحة بلاك ووتر ضد العراقيين في 16 سبتمبر/ أيلول 2007)، لم يحكم على المتورطين بالقتل وإنما حكموا على أساس مخالفة الجنود قواعد الاشتباك، لا لأنّ الأميركيين ارتكبوا جريمة ضد العراقيين كما هو معروف".