أرسل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أول من أمس السبت، للمرة الثانية في أقل من شهر، شحنة مساعدات طبية لإيطاليا، بصحبة وزيرة الصحة هالة زايد، وطاقم من الممثلين الدبلوماسيين والعسكريين، ليستقبلهم وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، ويشيد للمرة الثانية بدور مصر في التضامن مع بلاده في مواجهة أزمة فيروس كورونا. وجاء ذلك في وقت تعاني فيه المستشفيات المصرية، سواء التابعة لوزارة الصحة، أو تلك التابعة للجامعات، من نقص واضح في المستلزمات الطبية والواقيات وأدوات الحماية، ما أدى إلى ارتفاع عدد المصابين من الأطباء والممرضين بالفيروس إلى 101 شخص مسجَّلين، بالإضافة إلى عدد آخر من المشتبه فيهم والمعزولين منزلياً من دون حسم موقف إصابتهم بعد.
وأدت الخطوة المصرية هذه إلى بروز أصوات تتهم النظام المصري بتجاهل مطالبات الفريق الطبي في دولته، وتغليب الحسابات السياسية التي تتعلق بالنظام نفسه. فقد كان ذلك العنوان الأبرز لهجوم الأطباء والممرضين عبر مواقع التواصل الاجتماعي على خطوة السيسي، الذي أرسل ما لا يقل عن مليون و250 ألف كمامة إلى إيطاليا، على دفعتين، بينما تفتقر المستشفيات المصرية الكبرى إلى أبسط التجهيزات الوقائية. ولعلّ الكارثة الأخيرة التي لحقت بمعهد الأورام، بعد إصابة أكثر من 20 من الأطباء والممرضين فيه و6 من أفراد عائلاتهم، جاءت لتلقي بظلالها على مساعدة السيسي لإيطاليا، وتزيد من الأسئلة حولها.
في السياق، كشفت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد"، أنّ تحركات السيسي لمساندة إيطاليا بدأت في الأسبوع الثاني من مارس/ آذار الماضي، بناءً على مشورة بعض السياسيين في أحزاب ودوائر يمينية على صلة بالنظام المصري، وعلى تواصل مستمرّ مع السفارة المصرية في روما، وذلك على أمل استغلال الموقف الصعب الذي تعيشه إيطاليا لتحسين العلاقات معها.
وأضافت المصادر أنّ السياسيين اليمينيين الإيطاليين، بعضهم مقرب "للغاية" إلى وزير الداخلية السابق، النائب في البرلمان ماتيو سالفيني، الذي تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أنه قد يكون الرابح في أي انتخابات مقبلة، على إثر ارتفاع شعبية اليمين المتشدد في ظلّ أزمة كورونا، فيما تدور حالياً في كواليس السياسة الإيطالية محاولات لتكوين ائتلاف بين حزب سالفيني اليميني "رابطة الشمال"، وأحزاب أخرى من يمين الوسط استعداداً للانتخابات المقبلة.
وأوضحت المصادر أنّ هذه المساعدات تهدف إلى أمرين رئيسيين: الأول، وقف الضغوط التي كانت تمارسها حكومة رئيس الوزراء الحالي جوزيبي كونتي، ووزير الخارجية لويجي دي مايو وحزبه "رابطة الخمسة نجوم"، على مصر في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني قبل 4 سنوات في القاهرة. وهي الضغوط التي كانت قد عادت من جديد قبل أسابيع قليلة من انتشار كورونا، إذ استغلت القوى اليسارية حدث اعتقال السلطات المصرية للباحث المصري في إيطاليا باتريك جورج، الذي خرجت من أجله تظاهرات حاشدة في الجامعات الإيطالية في فبراير/ شباط الماضي.
أمّا الهدف الثاني، فهو التغلّب على الاعتراضات التي ما زالت تعطّل بعض التفاصيل في صفقات التسليح الجديدة التي كان قد اتُّفق عليها، ونشر "العربي الجديد" جوانبها المختلفة في تقريرين في العاشر والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، خصوصاً أنّ الصفقات التي تتضمن معدات تسليح مختلفة بقيمة 9 مليارات يورو، وبيع فرقاطتين من نوع "فريم" متعددتي المهمات بقيمة 1.5 مليار يورو، ما زالت متوقفة على موافقة الخارجية الإيطالية على خطابات الضمان واعتماد البيع، وذلك بعدما تمّ بالفعل تمويل نحو 30 في المائة من قيمة صفقة شراء الفرقاطتين "فريم" بواسطة قروض حصلت عليها مصر من بنوك أوروبية، ونسبة مماثلة ممولة من قروض حكومية، فيما ستدفع الحكومة المصرية النسبة الباقية مباشرةً، وقيمتها نحو 500 مليون يورو.
ويختلف ملف الفرقاطتين عن ملف باقي المعدات العسكرية التي ترغب مصر في الحصول عليها من إيطاليا، إذ ستُبرَم تلك الصفقات لاحقاً، وهناك بعض الخلافات حول محتواها، لكنها ستشمل بالتأكيد طائرات مقاتلة، وطائرات هليكوبتر من طراز "أغوستا-ويستلاند 149" لم تحصل عليها مصر بعد، على الرغم من طلبها في إبريل/ نيسان الماضي من شركة "ليوناردو" في روما.
وبدأت إيطاليا بتصعيد الضغط مرة أخرى على مصر بشأن قضية ريجيني منذ سبتمبر/ أيلول الماضي مع خروج سالفيني، الحليف الأبرز للسيسي في روما، من التحالف الحكومي، وزيادة عدد المقاعد الوزارية الخاصة بحركة "الخمسة نجوم"، وتولي زعيمها الشاب دي مايو وزارة الخارجية، خلفاً للوزير المستقل القريب من سالفيني، إنزو ميلانيزي.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، صعّد رئيس مجلس النواب الإيطالي روبرتو فيكو، وعدد من نواب "الخمسة نجوم" ضغطهم على حكومة كونتي لممارسة مزيد من الضغوط "الواقعية" على مصر لكشف الحقيقة، وذلك بالتزامن مع كشف مصادر مصرية لـ"العربي الجديد"، أنّ السفارة المصرية في روما، رصدت محاولة ممنهجة من نواب ووسائل إعلام وبعض النشطاء اليساريين، لنشر دعوات لمقاطعة مصر سياحياً، لحين الإفصاح عن الحقيقة، أو على الأقل تعاطي القاهرة بشكل إيجابي مع الأسئلة الإيطالية الرئيسية في تحقيقات ريجيني، التي قدمها ادعاء روما للنيابة المصرية خلال اجتماع استئناف التعاون القضائي بين البلدين الذي انعقد مطلع العام الحالي في القاهرة.
وتعارض الأحزاب اليسارية في إيطاليا المضي قدماً في تقديم دعم للسيسي وحكومته، ما دام إخفاء الحقيقة في قضية ريجيني مستمراً، وكانوا يطالبون بربط تجديد هذا التعاون وغيره من صور التنسيق الأمني على وجه التحديد، بتحقق انفراجة في التعاون القضائي الذي لم يشهد تطوراً واقعياً، على الرغم من إعلان النائب العام المصري حمادة الصاوي، في بيان رسمي قبل 3 أشهر "تشكيل فريق تحقيق جديد يعكف على دراسة أوراق القضية وترتيبها، ويعمل على اتخاذ كل إجراءات التحقيق اللازمة لاستجلاء الحقيقة في حيادية واستقلالية تامة". ولفت الصاوي وقتها إلى "حرص مصر على استمرار التعاون القضائي بين النيابة العامة المصرية والنيابة العامة في روما وتطويره، بغية الوصول إلى الحقيقة بموضوعية وشفافية تامة، بعيداً عما يُتداوَل إعلامياً من معلوماتٍ مغلوطة عن القضية".