يعيش لبنان حرباً سياسية باردة مع السعودية، عنوانها تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، وذلك في استكمال لأزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، التي أعلنها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من الرياض، ثم تراجع عنها الشهر الماضي بعد عودته إلى بيروت، إثر تجديد التزام القوى اللبنانية بسياسة "النأي بالنفس".
تعود جذور الأزمة إلى العام الماضي والتصعيد السعودي السياسي والاقتصادي والدبلوماسي تجاه لبنان و"حزب الله"، مع تجميد تنفيذ هبتين سعوديتين بقيمة أربعة مليارات دولار أميركي، والضغط لتصنيف "حزب الله" كـ"تنظيم إرهابي" في جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي.
وعلى الصعيد الدبلوماسي اكتفت المملكة بتكليف الدبلوماسي، وليد البخاري، القيام بأعمال السفير، إثر انتهاء مهمة السفير السعودي السابق علي العسيري، في بيروت. تزامن ذلك مع تقديم وزارة الخارجية اللبنانية أوراق اعتماد السفير اللبناني الجديد في السعودية فوزي كبارة، في يوليو/ تموز الماضي، لتنتهي المُهلة المُتعارف عليها لقبول أوراق الاعتماد، وهي ثلاثة أشهر، من دون قبول السلطات السعودية أوراق اعتماد كبارة، الذي ينتمي إلى "تيار المستقبل" (يرأسه الحريري).
هكذا تجمّد تعيين السفير اللبناني الجديد في المملكة، وبقي البخاري قائماً بالأعمال من دون إيفاد السعودية سفيراً جديداً إلى لبنان، على الرغم من إعلان وكالة الأنباء الرسمية السعودية عن تعيين مساعد وزير الدولة لشؤون الخليج العربي، وليد اليعقوب، سفيراً للمملكة في بيروت في سبتمبر/ أيلول ولكن من دون إيفاده.
واستمر الحال على ما هو عليه حتى بداية أزمة استقالة الحريري، والحديث عن إقامته بصورة غير طوعية في الرياض. اختفى الحريري فعلياً بعد إعلان خبر استقالته، قبل أن يظهر في صورة عبر حسابه على موقع "تويتر" برفقة اليعقوب، في محاولة لنفي المعلومات التي تحدّثت عن احتجازه وسحب هاتفه منه أثناء إقامته في الرياض.
وبعدها بشهر حطّ اليعقوب في بيروت، وكان في استقباله حشد دبلوماسي عربي. لكن لم يتم تحديد أي موعد ليقوم السفير المُعيّن بزيارة رئيس الجمهورية، ميشال عون، وتقديم أوراق اعتماده بشكل رسمي، ليُصبح سفيراً عاملاً لبلاده بشكل رسمي، وذلك رداً على عدم رد السعودية موافقة أو رفضاً على اسم السفير اللبناني المسمّى من بيروت لدى الرياض. وقد شهدت جلسة مجلس الوزراء، يوم الثلاثاء الماضي، نقاشاً حول هذا الموضوع، من دون أن يتم التوصّل إلى نتيجة في هذا الملف. واكتفى وزير الإعلام بالوكالة بيار أبو عاصي بالقول بعد الجلسة إن "الحريري حريص على إيجاد الحل المناسب في أقرب وقت ممكن".
ومع استمرار الغموض السياسي السعودي تجاه لبنان، تبقى أسباب الحرب الدبلوماسية الباردة قائمة، في ظل عدم الرضا السعودي عن أداء الحريري في بيروت، وبالتالي عدم الترحيب بالسفير الجديد الذي ينتمي إلى "تيار المستقبل" في الرياض. وفي المقابل لا يبدو أن عون مُتحمّس لقبول أوراق اعتماد سفير سعودي محسوب على وزير الدولة لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، الذي شكّل أبرز وجوه التصعيد السعودي تجاه لبنان كدولة وتجاه "حزب الله" المُمثّل في البرلمان والحكومة.
وتضيف هذه الأزمة عبئاً إضافياً على الحريري، الذي يؤكّد في مُختلف المناسبات على "العلاقة الجدية مع السعودية"، ولكنه، في الوقت نفسه، مدين سياسياً لرئيس الجمهورية ولمُختلف القوى التي دعمته خلال أزمة استقالته في الرياض.