سقوط معرة النعمان: عين النظام وروسيا على سراقب

30 يناير 2020
اتبع الروس سياسة الأرض المحروقة في معرة النعمان (Getty)
+ الخط -
شكّل سقوط مدينة معرة النعمان بيد قوات النظام السوري ومليشيات تساندها ضربة عسكرية جديدة للمعارضة السورية، خصوصاً أنّ المدينة كانت "واسطة العقد" في الشمال الغربي من سورية، وسقوطها يعني انكشاف الكثير من المناطق الأخرى في أرياف إدلب، ما يعني تبدلاً كلياً في مجريات الصراع وتغيراً جذرياً في خارطة السيطرة الميدانية، قد تمكّن النظام من وضع معادلة سياسية جديدة، ربما تدفع المعارضة إلى القبول بحلول "مؤلمة" تحت ضغط إقليمي ودولي.

وأدت مواصلة قوات النظام السوري، بدعم روسي، انتهاك الاتفاقات الروسية التركية بشأن منطقة "خفض التصعيد" في إدلب، إلى توجيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتقاداً حاداً لموسكو، محذراً من أن "صبر تركيا قد بدأ ينفد"، لكنه ترك في المقابل الباب موارباً لإعادة "إحياء" مسار أستانة. وقال أردوغان، أمس الأربعاء، "لم يتبق شيء اسمه مسار أستانة. علينا نحن، تركيا وروسيا وإيران، إحياؤه مجدداً، والنظر في ما يمكن أن نفعله". وأضاف "في حال التزمت روسيا باتفاقي سوتشي وأستانة، فإن تركيا ستواصل الالتزام بهما. روسيا لم تلتزم حتى الآن بالاتفاقيتين". وأعلن أن "المسؤولين الأتراك يواصلون التشاور مع نظرائهم الروس حول الأوضاع في إدلب. نقول للروس أوقفوا هذه الهجمات، وإلا فإن صبرنا بدأ ينفد، وسنقوم بما يلزم". ورداً على ادعاءات موسكو حول مكافحتها الإرهاب في إدلب، قال أردوغان "من هم الإرهابيون، هل تسمّون الذين يدافعون عن أراضيهم وديارهم بالإرهابيين، هؤلاء مقاومون، ولو سألتهم عن الأربعة ملايين سوري الموجودين حالياً في تركيا، لقالوا إن هؤلاء أيضاً إرهابيون".

واضطرت الفصائل السورية المسلحة، فجر أمس الأربعاء، إلى إخلاء مدينة معرة النعمان، كبرى مدن الريف الإدلبي، بعد مقاومة شرسة ليل الثلاثاء ــ الأربعاء، تكبدت خلالها قوات النظام خسائر فادحة، حيث جر مقاتلون معارضون من أبناء المدينة قوات النظام والمليشيات لحرب الشوارع، لتحييد سلاح الجو الذي يغطي تقدمها. وأكدت مصادر مطلعة مقتل أكثر من 100 عنصر من قوات النظام والمليشيات خلال معارك داخل معرة النعمان، وإصابة نحو 300 آخرين.

وقالت مصادر في الفصائل إنه بعد سيطرة قوات النظام على كامل الطرق الرئيسية المؤدية إلى معرة النعمان، والتي تصلها بمدن ريف إدلب الأخرى، وقعت المدينة تحت حصار بنسبة 95 في المائة، ما أجبر المعارضة على الانسحاب بالكامل قبل شروق شمس الأربعاء خشية الوقوع تحت الحصار المطبق. وكانت قوات النظام قد سيطرت على الطريق المؤدية إلى مدينة معرة النعمان من خلال التقدم على الطريق الدولي "إم 5" (حلب ــ دمشق) الواصل بين المعرة وسراقب، والتقدم على الطريق الواصل بين المعرة وأريحا وكفرنبل، حيث باتت على أطراف جبل الزاوية.

وصُدم الشارع السوري المعارض بسقوط مدينة معرة النعمان ذات الرمزية الثورية العالية، إذ سيطرت فصائل المعارضة عليها في عام 2012.
إضافة الى موقعها الاستراتيجي في محافظة إدلب، تكمن خطورة السيطرة عليها في أن قوات النظام قد تتخذها نقطة انطلاق للسيطرة على مدن سراقب من جهة الشمال، وأريحا من الشمالي الغربي ومن ثم الانطلاق نحو جسر الشغور. كما أنّ المعرة قد تتحول إلى بوابة لتوغل هذه القوات في قرى جبل الزاوية، حيث تعد المدينة خط الدفاع الشرقي الأول عنه، وعن بلداته وقراه الـ35.


ومن المتوقع ألا تتوقف قوات النظام قبل بسط نفوذها على كامل الريفين الجنوبي والشرقي وقسم من ريف إدلب الغربي، لتأمين سيطرة مطلقة على الطريقين الدوليين "إم 4" وإم 5"، اللذين يربطان شمال سورية بوسطها وساحلها. وقد يزيد النظام من تعنته السياسي، بعد التحولات الميدانية في الشمال الغربي من سورية، خصوصاً أنه لطالما عرقل سير العملية السياسية للوصول إلى حسم عسكري، يمكنه من إملاء شروطه على المعارضة السورية، التي لم تعد تملك الكثير من أوراق الضغط، ما يجعلها عرضة لضغط إقليمي ودولي لإبرام صفقة سياسية مع النظام هي أقرب إلى الاستسلام.

ورأى القيادي السابق في الجيش السوري الحر المقدم سامر الصالح، في حديث مع "العربي الجديد"، أن سقوط مدينة معرة النعمان "نهاية المرحلة الثانية من مخطط روسي يهدف إلى السيطرة على كامل الشمال الغربي من سورية". وعن أهمية المدينة، قال الصالح إن "المعرة أكبر مدينة في محافظة إدلب، فضلاً عن كونها رمزاً ثورياً كبيراً". وأضاف "هي بوابة قوات النظام إلى جبل الزاوية، وتطل على الكثير من المناطق داخل محافظة إدلب. أتوقع أن تكون منطلقاً لقوات النظام لقضم المزيد من المناطق". وأشار الصالح إلى أن سراقب في ريف إدلب الشرقي ستكون هدفهم المقبل. وقال "سيحاولون التقدم باتجاه المدينة من ريف حلب الغربي، وإن لم ينجحوا سيحاولون ببطء من جهة معرة النعمان". وتقع سراقب إلى الشمال من معرة النعمان بنحو 35 كيلومتراً. وتمثل سراقب عقدة طرق رئيسية، حيث يجتمع عندها الطريقان الدوليان اللذان يعدان هدف النظام والروس من وراء الحملة العسكرية. وواصلت قوات النظام التقدم باتجاهها بعد أن سيطرت على قرى بابيلا، والدانة، ومعصران، والصوامع، وباتت على تخوم بلدة خان السبل التي تعد المحطة قبل الأخيرة باتجاه سراقب. وأكدت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن الطيران الروسي وطوافات النظام وطائراته الحربية دمرت أكثر من 60 في المائة من معرة النعمان التي نزح كل سكانها، والمقدر عددهم بعشرات الآلاف، قبيل وصول قوات النظام إليها.

من جانبها، تروّج وسائل إعلام، موالية للنظام، لـ"ملحمة كبيرة" سطرتها قوات النظام في ريف إدلب، متناسية أنه ما كان يمكنها التقدم لولا القصف الروسي التدميري على كامل الشمال الغربي من سورية. وذكرت صحيفة "الوطن"، التابعة للنظام، أن قواته سيطرت على معسكر وادي الضيف، وعلى طول الطريق الدولي الذي يربط خان شيخون بمعرة النعمان، وأشرفت على معسكر الحامدية إلى الغرب من الطريق، لتحاصر من ثلاث جهات نقطة المراقبة التركية في معرحطاط إثر سقوط البلدة في يدها. ونقلت عن "خبراء عسكريين" قولهم إنه بسيطرة قوات النظام على معرة النعمان وبلدة خان السبل، يصبح أمامها الطريق الدولي إلى سراقب مفتوحاً، على الرغم من إقامة الجيش التركي، الثلاثاء الماضي، نقطة مراقبة عسكرية إلى الجنوب منها، عند صوامع الحبوب على تخوم الطريق، بعد استقدام تعزيزات عسكرية عبر معبر كفرلوسين شمالي إدلب. وزعم هؤلاء الخبراء أن "وجود فصائل المعارضة على الطريق السريع من سراقب إلى حلب لا يشكّل عقبة كبيرة أمام تقدم قوات النظام، للاستحواذ على كامل الطريق، لاسيما مع تقدم وحداتها من محور ريف حلب الجنوبي إلى الشرق من خان طومان الواقعة بمحاذاة الطريق". وتوقعوا مواصلة قوات النظام زحفها باتجاه جبل الزاوية من كفروما، للوصول إلى بلدة كفرنبل وباقي بلدات الجبل، وكذلك سلوك طريق معرة النعمان أريحا لفصل المنطقة إلى قطاعات، تسهل مد نفوذ قوات النظام إلى طريق عام حلب اللاذقية، مشيرين إلى أن الاستيلاء على مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي له أولوية، وأهمية قصوى، لكونها عقدة طرق نحو حلب وأريحا فجسر الشغور، التي تشكل مدخلاً لمحافظة اللاذقية ولسهل الغاب في قسمه الشمالي الغربي.

من جانبه، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن قوات النظام سيطرت خلال 100 ساعة على 26 منطقة في ريف إدلب، وهي تلمنس، ومعرشمشة، والدير الشرقي، والدير الغربي، ومعرشمارين، ومعراتة، والغدفة، ومعرشورين الزعلانة، والدانا، وتل الشيخ، والصوامع، وخربة مزين، ومعصران، وبسيدا، وتقانة، وبابولين، وكفرباسين، ومعرحطاط، والحامدية، ودار السلام، والصالحية، وكفروما، ووادي الضيف، وحنتوتين، ومعرة النعمان. وبيّن أن قوات النظام أحكمت السيطرة على نحو 40 كيلومتراً من أوتوستراد دمشق – حلب الدولي في محافظة إدلب، فيما يتبقى لها نحو 25 كيلومتراً للسيطرة عليها بشكل كامل. وأوضح أن قوات النظام باتت على بعد 10 كيلومترات من بلدة سراقب، مبيناً أن الفصائل لا تزال تسيطر على نحو 57 في المائة من مساحة محافظة إدلب، مقابل 43 في المائة لقوات النظام. وأشار "المرصد" إلى أن تقدم قوات النظام في إدلب ومحاولاتها للتقدم في حلب تأتي بـ"إسناد جوي وبري هستيري"، حيث رصد أكثر من 5975 ضربة جوية وبرية استهدفت عشرات المناطق بريفي حلب وإدلب منذ يوم الجمعة الماضي، إذ شنت الطائرات الروسية ما لا يقل عن 450 غارة جوية، بينما نفذت طائرات النظام أكثر من 495، كما ألقت مروحيات النظام 381 برميلاً متفجراً على الأقل، في حين استهدفت قوات النظام المنطقة بنحو 4650 قذيفة صاروخية ومدفعية، وفق المرصد.

وذكرت مصادر في فصائل المعارضة السورية، لـ"العربي الجديد"، أن النظام والروس استقدموا للقتال في محافظة إدلب العديد من المليشيات المحلية والتابعة لإيران، إضافة إلى وجود قوات خاصة روسية، تمتلك أسلحة متطورة أهمها المناظير الليلية. وبيّنت أن الروس وضعوا ثقلهم العسكري في المعركة، متبعين سياسة الأرض المحروقة، حيث دمروا جل مدينة النعمان قبل بدء محاولات الاقتحام من قبل المليشيات.

ومع سقوط مدينة معرة النعمان بيدها، بدأت قوات النظام، كما يبدو، التمهيد الناري على جسر الشغور في ريف إدلب الغربي التي يمر عبرها الطريق الدولي الذي يربط شمال البلاد بساحلها غرباً. وقصفت، أمس الأربعاء، من معسكر جورين بحماة بالصواريخ المدينة بالتزامن مع قصف بالمدفعية الثقيلة من جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي استهدف المدينة وبلدة بداما القريبة منها. وأفشلت فصائل المعارضة السورية محاولة تسلل من قبل قوات النظام على محور الحدادة في منطقة جبل الأكراد. وبحسب "الجبهة الوطنية للتحرير"، التي تضم فصائل المعارضة في الشمال الغربي من سورية، فإن مجموعة كاملة لقوات النظام، من بينها ضابط، قتلت في محاولة التسلل الأخيرة. ومنذ نحو عام تحاول قوات النظام السيطرة على تلة الكبانة في ريف اللاذقية للولوج إلى مدينة جسر الشغور، إلا أنها فشلت، حيث تحولت التلة إلى ثقب أسود ابتلع المئات من قوات النظام.

وتقدم قوات النظام في محافظة إدلب، يقابله فشل متكرر في إحداث اختراق في محور القتال في ريفي حلب الجنوبي والغربي، حيث لا تزال فصائل المعارضة تصد محاولات تقدمها. وذكر موقع "بلدي نيوز" الإخباري المعارض أن فصائل المعارضة تصدت في منتصف ليل الثلاثاء-الأربعاء، لمحاولة تقدم لقوات النظام والمليشيات الموالية لها على محور "تل الهندسة" غرب مدينة حلب، موقعة القوات المهاجمة بين قتيل وجريح. وتزامنت محاولة التقدم مع اشتباكات على محوري الراشدين الرابعة وخلصة والصحافيين جنوبي غربي حلب، وقصف جوي للطائرات الحربية الروسية والتابعة لقوات النظام على قرى ومناطق المنصورة وكفرناها وخان العسل وجمعية الكهرباء وشاميكو وزهرة المدائن والصحافيين والراشدين وريف المهندسين الأول وزيتان والحميرة وخلصة بريف حلب.