استخبارات السيسي تروج لتنصيبه "مرشداً أعلى" بعد انتهاء ولايته

30 ديسمبر 2018
السيسي ألمح سابقاً إلى بقائه في السلطة مدى الحياة(Getty)
+ الخط -


تحت عنوان "عام الإصلاح السياسي الذي تأخر"، نشر رئيس مجلس إدارة مؤسسة "أخبار اليوم" الصحافية، الكاتب المقرب من السلطة ياسر رزق، مقالاً مطولاً يتحدث فيه عن إمكانية إجراء تعديلات على الدستور في العام الجديد، تتضمّن تشكيل "مجلس أعلى لحماية الدولة وأهداف الثورة" برئاسة عبد الفتاح السيسي، عقب انتهاء مدته الرئاسية بعد تمديدها إلى 6 سنوات، وذلك على غرار المرشد الأعلى للبلاد في إيران.


وقالت مصادر مقربة من رزق، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه يتلقى تعليمات مباشرة من رئيس جهاز الاستخبارات العامة، اللواء عباس كامل، حول مضمون ما ينشره في مقالاته، رغبة من دائرة السيسي في قياس ردود الفعل حيالها، إيذاناً بفرضها على أرض الواقع، خاصة أن الكاتب من المقربين للرئيس الحالي، منذ أن كان السيسي يشغل منصب مدير الاستخبارات الحربية.

وروّج رزق في مقاله إلى أن "العام الجديد سيكون مفترقاً لطرق سياسية، وينبغي أن يؤسس لإصلاح سياسي تأخر، ويضع مظلة حماية لمستقبل الحكم، دون وجل أو قلق مما قد يحدث بعد ثلاث سنوات (نهاية ولاية السيسي)"، معتبراً أن "دستور عام 2014 أعد على عجل دون قراءة لواقع مغاير، وأقر مواد حاكمة صيغت بصبغة الدستور السابق، الذي وضعته جماعة الإخوان على مقاسها"، على حد تعبيره.

وكتب رزق قائلاً: "لست أظن أحداً من النخبة الفكرية والسياسية لا يستشعر الحاجة إلى إجراء تعديل في عدد معتبر من مواد الدستور، لأن بعضها يعرقل التوازن المنشود بين السلطات، في ظل نظام حكم اعتاده الشعب، وتعود عليه رئاسياً"، مستطرداً "لست أظن أحداً لا يساوره القلق على مستقبل الحكم في ما بعد عام 2022، أي في أعقاب انتهاء مدة الرئاسة الثانية للسيسي".

وتابع: "على كتلة الأغلبية البرلمانية أن تشكل مجموعة عمل متخصصة من النواب، تجري دراسة لفلسفة التعديل الدستوري الواجب إجراؤه في هذه الدورة البرلمانية، وتحدد المواد اللازم تعديلها أو إلغاؤها، وتضع المواد المراد إضافتها، خاصة وأن هناك نسبة تقارب 15 في المائة من مواد الدستور الحالي البالغ عددها 247 مادة، تحتاج إما إلى الحذف أو التعديل أو الإضافة".


ودعا رزق إلى ضرورة إلغاء المواد (18) و(19) و(21) و(23) من الدستور، والمتعلقة بتخصيص نسب من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق على قطاعات الصحة، والتعليم، والتعليم الجامعي، والبحث العلمي، بحجة أنه "أمر غير واقعي، ويصعب تطبيقه"، وكذلك المادتان (146) و(147) اللتان تضعان قيوداً وعراقيل عند إجراء تغيير أو تعديل وزاري، فضلاً عن إعادة النظر في الفصل المتعلق بمواد الإعلام والصحافة.

وطالب رزق أيضاً بحذف المادة (241) التي تلزم البرلمان بإقرار تشريع للعدالة الانتقالية بذريعة أنها مادة "مريبة"، وإعادة النظر في مسألة عودة الغرفة الثانية في البرلمان التي ألغاها دستور 2014، وحذف الفقرة الأخيرة من المادة (226) التي تمنع إجراء تعديل على النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، بزعم أنها "تغل يد الشعب عن إجراء تعديل على الدستور، وكأنه كتاب سماوي منزل غير قابل للتعديل".

وقال رزق إن "تحديد مدة الرئاسة بأربع سنوات فقط لم يراع أن البلاد ما زالت في مرحلة انتقال لها ضروراتها، واعتباراتها، ولم تبارحها بعد إلى مرحلة الاستقرار السياسي"، مدعياً أن "هناك ضرورة في زيادة سنوات المدة الرئاسية الواحدة إلى 6 سنوات، كنص انتقالي يسري على السيسي وحده، ولا يسري على الرؤساء القادمين".

وزاد: "في حال عدم توسعة مدد الولاية عن مدتين، فإنني أرى أن المصلحة العليا للبلاد التي أحسبها مهددة اعتباراً من شتاء 2021/ 2022، تقتضي إضافة مادة إلى الدستور تنص على إنشاء (مجلس حماية الدولة وأهداف الثورة) كمجلس انتقالي مدته خمس سنوات، تبدأ مع انتهاء فترة رئاسة السيسي، وتحت رئاسته، بوصفه مؤسس نظام 30 يونيو/ حزيران 2013، ومطلق بيان الثالث من يوليو/ تموز (بيان الانقلاب)".

وختم بالقول إن "هذا المجلس سيضم في عضويته الرئيسين السابق والتالي على السيسي، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الشيوخ (إذا أنشئ)، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس المحكمة الدستورية العليا، والقائد العام للقوات المسلحة، ورئيس الاستخبارات العامة، ورؤساء المجالس المعنية بالمرأة، والإعلام، وحقوق الإنسان"، وهو ما يعني أن السيسي سيكون رئيساً على رئيس الدولة المنتخب، أي ما يوازي "المرشد الأعلى" للبلاد، إن صح التعبير.

وسارع عضو مجلس نقابة الصحافيين، الكاتب عمرو بدر، بالرد على رزق في مقال نشره على موقع "المشهد" الإخباري، اليوم الأحد، قال فيه: "إصلاح الأستاذ ياسر العجيب يبدأ بتعديل المادة (140) من الدستور، والسماح للرئيس الحالي بالاستمرار 11 عاماً أخرى في السلطة، ثم يتحول بعدها من رئيس للجمهورية إلى رئيس لمجلس حماية الدولة... وهو مقال عنوانه الرحمة، ومضمونه العذاب، يدس السم في العسل، ويتعامل مع المصريين باعتبارهم قطيعاً من السذج!".

وأضاف بدر: "الأستاذ ياسر يغري بالإصلاح، ويخدم من حيث لا يصرح صاحبه فكرة بقاء السيسي رئيساً للأبد... يوحي بتقديم هدايا الإصلاح السياسي، ثم سرعان ما تكتشف أنها هدايا من النوع (الفالصو)... يبشر المصريين بالجنة الموعودة، لكنه يحاول إقناعهم أن هذا لن يتم إلا بمصادرة حقهم في التداول السلمي للسلطة".

وتابع: "دعك من مقدمة المقال، وشرحه الطويل عن ضرورة تعديل المواد الدستورية التي تعالج قضايا الصحة، والتعليم، والبرلمان، والعدالة الانتقالية، فالكل يعلم أن هذه المقدمة مجرد استطراد فارغ، ولف ودوران مقصود... فالمقال لا يهدف إلا لإقناع الناس بتعديل مدد الرئاسة، ومد فترة حكم السيسي، وبقاءه في السلطة سنوات أخرى بعد مدته الدستورية".

وقال بدر: "جميعنا يعلم أن الدستور مجرد حبر على ورق، وقد وصفه السيسي نفسه بأنه دستور النوايا الحسنة، والمقصود هنا أنه دستور خيالي، وبناءً عليه فلم تحتكم السلطة الحالية لنصوص الدستور، ولم تخضع لأحكامه... ولا أزمة لديها أن تبقي هذه النصوص مجرد جمل مكتوبة في كتاب جميل يسمونه دستوراً".


وواصل في مقاله: "الكل يعلم أن الأزمة الحقيقية التي تؤرق السلطة الحالية هي المدد الرئاسية، فلن يستطيع أحد تجاوز هذا القيد الدستوري، ولن يستطيع الرئيس الحالي تجاهل المادة (140) أو الاستمرار بالحكم في وجودها... لذلك كان لا بد من البدء في حملة تمهد لتعديل الدستور، ومد فترة الرئيس، وهي الحملة التي يبدو أن الأستاذ ياسر قد دشنها في مقاله، وعلى طريقته.. هذا الإصلاح المشروط ببقاء السيسي رئيساً!".


وأضاف بدر: "العبث بالدستور لا يمر مرور الكرام في تاريخنا الحديث، فقد ألغى السادات النص الخاص ببقاء الرئيس لمدتين فقط، وتحولت كلمة مدة أخرى في دستور عام 1971 إلى مدد، ومع ذلك لم يمهله القدر، واستفاد من التعديل خلفه الذي استمر في السلطة 30 عاماً متصلة... ونتذكر محاولات مبارك العبث بالدستور ليورث السلطة لنجله، وقطعت ثورة يناير طريق التوريث بحضور جماهيري هائل في الميادين... بعدها حاول مرسي الانفراد بالسلطة عبر إعلان دستوري، وكان بداية المواجهة الحقيقية مع القوى السياسية".

سبق أن قالت مصادر برلمانية لـ"العربي الجديد" إنه بمجرد اعتماد مسودة تعديل الدستور من قبل الدائرة المقربة من السيسي، والتي يقودها رئيس جهاز الاستخبارات العامة، سيتم تمريرها من خلال حزب "مستقبل وطن" إلى البرلمان، بحيث يتقدم أعضاء الحزب، الذي بات يستحوذ حالياً على أكثرية مقاعد مجلس النواب، باقتراح لتعديل الدستور، مدعوماً بتواقيع أكثر من خُمس أعضاء المجلس، وفقاً للائحة المنظمة.

وأفادت المصادر بأنه من المتوقع إجراء الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية في النصف الثاني من عام 2019، كون البرلمان سيستغرق قرابة ثلاثة أشهر لإقرارها، مشيرة إلى أن التعديلات ستطاول 15 مادة على الأقل، تتعلّق بمدد الرئاسة، وصلاحيات رئيس الجمهورية ومجلس النواب، وعدد أعضائه، علاوة على استحداث فصل للغرفة الثانية للبرلمان تحت مسمى "مجلس الشيوخ".

وبرزت في بعض المصالح الحكومية خلال الأشهر الأخيرة دعوات للتواقيع الجماعية على استمارات تطالب بتعديل الدستور، وإعادة انتخاب السيسي مرة أخرى بعد نهاية ولايته الثانية، وإلغاء القيد الدستوري على الترشح لولاية رئاسية ثالثة، إذ تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لتلك الاستمارات، والتي تختلف عن بعضها في التصميم الخارجي، لكنها تتفق في المضمون، ما يعكس تحريكها بواسطة إدارة "استخباراتية" واحدة.

وكان السيسي قد قال، رداً على سؤال أحد الشباب الأجانب بشأن إمكانية استمراره في الحكم بعد انتهاء ولايته، خلال فعاليات "منتدى شباب العالم" الذي عُقد في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إن "الأبد ينتهي بعمر الإنسان، وليس هناك أبد مطلقاً، فالجميع سيموتون، ولن يبقى الحاكم حاكماً 100 أو 200 سنة"، وهو ما كشف صراحة عن نيته الاستمرار في منصبه، الذي قفز عليه في أعقاب انقلاب عسكري نفذه الجيش صيف عام 2013.