أنظار النظام السوري على الطبقة... وصعوبات أمام تقدّمه

13 يونيو 2016
قتلى لـ"صقور الصحراء" في هجمات لـ"داعش" (Getty)
+ الخط -
عادت مدينة الطبقة السورية (500 كيلومتر شرق العاصمة دمشق) التي تقع تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إلى الواجهة الإعلامية منذ أيام، إثر محاولة مليشيات تابعة للنظام، أبرزها مليشيا "صقور الصحراء"، التقدّم باتجاهها من مواقع لها شرق مدينة حماة لانتزاع السيطرة عليها.
ونفت مصادر محلية وناشطون، ما تروجّه وسائل إعلام تابعة للنظام عن اقتراب هذه المليشيات من المدينة التي تقع إلى الغرب من مدينة الرقة، إحدى أهم معاقل التنظيم في سورية، مشيرة إلى أن المليشيات لا تزال بعيدة عن المدينة ومطارها العسكري.
وقال ناشطون إعلاميون لـ"العربي الجديد" إن النظام "يحاول شنّ حرب شائعات" من خلال "الترويج" عن تقدّم مليشياته في المنطقة التي تقع إلى الجنوب الغربي من مدينة الطبقة، لافتين إلى أن المسافة التي تفصل تلك المليشيات عن المدينة تتجاوز الخمسين كيلومتراً، موضحين أن قوات لتنظيم "داعش" تحاصر رتلاً عسكرياً تابعاً للنظام جاء من قرية أثريا شرق حماة لمؤازرة مليشيا "صقور الصحراء" المدربة من قبل خبراء عسكريين روس وإيرانيين.
واعترفت صفحات مؤيدة للنظام على وسائل التواصل الاجتماعي بمقتل ثمانية من "صقور الصحراء"، إثر هجوم نفذه التنظيم يوم الجمعة الماضي بسيارة مفخخة استهدف مقاتلي المليشيا الذين يحاولون التقدّم إلى مفرق مدينة الرصافة الأثرية الذي يقع إلى جنوب مطار الطبقة بنحو عشرين كيلومتراً.
وتُعدّ مدينة الطبقة التي فرض تنظيم "داعش" سيطرته عليها في بدايات عام 2014، إثر معارك مع فصائل تابعة للمعارضة السورية، من أهم المدن في شرق سورية، إذ تتمتع بموقع جغرافي مهم بتوسطها للعديد من المدن والبلدات في شمال وشرق سورية.
وتكتسب الطبقة أهمية خاصة ليس فقط بسبب موقعها الاستراتيجي، فهي تحتضن واحداً من أهم وأكبر السدود المائية في الشرق الأوسط، وهو سد الفرات الذي يولّد طاقة كهربائية هائلة، ويحتجز خلفة بحيرة كبيرة يصل طولها نحو 80 كيلومتراً، وعرضها يربو على الثمانية كيلومترات. وافتُتح سد الفرات في السبعينيات من القرن الماضي، واستغرق تنفيذه نحو تسع سنوات بخبرة روسية كامل. البحيرة التي تُخزّن فيها مليارات الأمتار المكعبة من المياه، تروي من خلال قنوات صرف فرعية، عشرات آلاف الهكتارات التي تنتج محاصيل استراتيجية مثل القطن، والقمح، وفول الصويا، والشعير، وسواها من الزراعات التي أعطت المنطقة أهمية استراتيجية، وجعلتها أهم سلل الغذاء في سورية، وهذا ما يفسر محاولات قوات "سورية الديمقراطية" التي يشكل مقاتلون أكراد ثقلها الأساسي، التقدّم أيضاً باتجاهها.
كما تضم بادية الطبقة (جنوب المدينة) العديد من حقول البترول، وصولاً إلى الحقول الواقعة في بادية حمص في وسط سورية، والتي يتقاتل تنظيم "داعش" منذ أكثر من عام مع قوات النظام لفرض السيطرة عليها. ليست هناك إحصائيات يمكن الركون إليها تحدد عدد سكان مدينة الطبقة وريفها، ولكن تقديرات تشير إلى أن أكثر من مئة ألف مدني من أهل المنطقة، ومن نازحين من كل أنحاء سورية، فضّلوا البقاء في منازلهم على الرغم من حملات القصف الجوي من طيران التحالف الدولي، والطيران الروسي، وهو إلى جانب طيران النظام "الأكثر فتكاً" بالمدنيين وفق ناشطين، وارتكبا مجازر راح ضحيتها مدنيون غالبيتهم أطفال ونساء ودمرا مراكز حيوية داخل المدينة بحجة "محاربة الإرهاب".


ويرى مراقبون أن النظام يحاول "استعادة هيبته" التي فقدها إثر تلقيه هزيمة مدوية في أغسطس/آب من عام 2014، حين خسر معركة مطار الطبقة العسكري أمام التنظيم، وخسر معها مئات العناصر والضباط، وفَقد آخر مركز له في محافظة الرقة. ويرى المحلل العسكري العقيد الطيار المنشق عن النظام مصطفى بكور، أن منطقة الطبقة تكتسب أهميتها من كونها المدخل الغربي لمحافظة الرقة ولقربها الشديد من سد الفرات، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "تتحكم الطبقة أيضاً بالطريق من مدينة دير حافر، أحد أهم معاقل تنظيم داعش شرق حلب، إلى مدينة الرقة".
ويشير بكور الذي خدم في مطار الطبقة في التسعينيات من القرن الماضي، إلى أن هذا المطار الذي تعرض لقصف جوي مركّز على مدى نحو عامين من طيران النظام، ومن ثم طيران التحالف الدولي، وصولاً إلى الطيران الروسي، يُعدّ اليوم من أهم القواعد العسكرية لتنظيم "داعش" في شرق سورية، لافتاً إلى أن قوات النظام ومليشيات مرتبطة بها بإمكانها استعادة السيطرة على المدينة في ظل الغطاء الجوي من قِبل الطيران الروسي، وطيران التحالف الدولي. ويرى أن الروس يعتبرون سد الفرات أحد رموزهم في سورية، مرجّحاً أن تكون مدينة الطبقة أحد أهدافهم المقبلة، مضيفاً: "ومن ثم لن تتقدم قوات "سورية الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية إليها عقب سيطرتها على مدينة منبج شرق حلب".
ومع كل تقدّم لقوات النظام والمليشيات التي تساندها وتقاتل عنها في كثير من الأحيان، تقفز إلى الواجهة مخاوف شتى من عمليات تهجير وقتل، وانتقام ممنهج تقوم بها تجاه المدنيين الذين لا يجدون أمامهم بداً من النزوح في اتجاهات مختلفة محاولين النجاة بأرواحهم، "بحيث باتت محاربة الإرهاب حجة جميع الأطراف للتنكيل بالمدنيين الأبرياء الذين لم يختاروا البتة أن يكونوا تحت سيطرة هذا الطرف أو ذاك"، وفق أحد الفاعلين في مدينة الطبقة، الذي فضّل عدم ذكر اسمه. ويطالب المتحدث نفسه بحماية دولية للمدنيين السوريين الذين "ينتقلون من قلق إلى قلق، ومن خوف إلى خوف، لا يعرفون سبلاً للنجاة في ظل عدم اكتراث المجتمع الدولي بحياتهم، حيث باتوا أهدافاً سهلة للقتل، والتنكيل والتهجير من جميع الأطراف المتقاتلة"، متسائلاً في حديث مع "العربي الجديد": "لماذا علينا ترك بيوتنا، ومدينتنا كي يأتي الغرباء وشذاذ الآفاق من كل مكان ليحتلوها، وينكّلوا بمن لم تمكّنه ظروفه من النزوح"، متابعاً بالقول: "إلى أين يفرّ المدنيون في عموم محافظة الرقة، إنهم محاصرون من كل اتجاه؟".
ويتوقع حدوث معارك كبرى في حال استمرت المليشيات في محاولاتها التقدّم في اتجاه مدينة الطبقة ومنها إلى الرقة، مشيراً إلى أن المدنيين "يدفعون الأثمان الباهظة نتيجة هذه الحروب فوق ما دفعوه خلال السنوات الفائتة"، وفق قوله.

المساهمون