مصر تبحث عن ذروة كورونا بلا طائل

12 مايو 2020
عاد غالبية المصريين للسلوكيات الاجتماعية الخاصة برمضان(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
بينما تجاوزت حصيلة الإصابات بفيروس كورونا المستجد في مصر حاجز التسعة آلاف، من بينهم أكثر من 3500 إصابة في أسبوع واحد، يستمر رفض النظام الحاكم جميع التوصيات الطبية الحكومية الصادرة من وزارة الصحة ولجنة مكافحة الوباء، والمحلية الصادرة من نقابة الأطباء وبعض الجامعات والأكاديميين، وكذا الدولية الصادرة من "منظمة الصحة العالمية"، بضرورة الغلق الكامل وزيادة القيود على الحركة، لا بل إنّ السلطات تتجه إلى مزيد من التخفيف، في مشهد يفسره المراقبون بأنه استهتار بالغ بحياة المواطنين ومقدراتهم، لا سيما وأنّ كل المؤشرات الطبية تؤكد أنّ الزيادة الكبيرة في أعداد الإصابات المسجلة ليست ناتجة عن زيادة عدد الفحوصات، وتحاليل الـPCR، ولكن بسبب عودة الغالبية العظمى من المواطنين للسلوكيات الاجتماعية العادية الخاصة بشهر رمضان، استغلالاً لتخفيف الحكومة القيود على الحركة في بداية الشهر.

وتدور معدلات الإصابة اليومية حالياً حول 500 حالة، بعدما كانت 350 قبل أسبوع واحد، مما يعني استمرار تزايد الحالات من دون الوصول إلى ذروة انتشار الوباء، الأمر الذي كان بعض المسؤولين في وزارة الصحة يحاولون إيهام الرأي العام بعدم أهميته تارة، أو بأنّ مصر قد بلغت ذروة الانتشار فعلياً تارة أخرى، وهو ما أكدت الأرقام اليومية عدم صحته. واللافت أنّ هذا التزايد يتطابق مع المعلومات التي حملها تقرير رسمي سري أعدته وزارة الصحة مع جهات حكومية أخرى في الأسبوع الثاني من إبريل/نيسان الماضي، ونشره "العربي الجديد" في العشرين من ذلك الشهر، ببلوغ عدد الإصابات في البلاد ذروتها خلال الأسبوع الثالث من مايو/أيار الحالي، والذي سيوافق نهاية شهر رمضان وحلول عيد الفطر. علماً بأنّ تلك التوقعات كانت مبنية على التدابير الاحترازية المطبقة آنذاك، والتي كانت متشددة بالنسبة للإجراءات المخففة الحالية.

ووفقاً لمصدر طبي في وزارة الصحة تحدّث لـ"العربي الجديد"، فإنه طالما تغيّرت التدابير بهذا الشكل وزادت هشاشة حظر التجول والغلق بعودة عمل المراكز التجارية طوال النهار، بما في ذلك تسجيل خروقات عديدة في الأماكن التي من المفترض أن تكون مغلقة مثل الشواطئ والمدن الساحلية، وبدء تشغيل الفنادق والمنتجعات السياحية، فإنه من المتوقع حالياً استمرار الارتفاع وتأجيل الوصول إلى الذروة إلى ما بعد عيد الفطر.

وأوضح المصدر أنه لا وجود لأي تقارير علمية حديثة تمكّنت من توقع موعد الذروة في مصر بشكل دقيق حتى الآن، بسبب ثلاثة عوامل رئيسية؛ أولها فشل الحكومة في تطبيق التباعد الاجتماعي، والإهمال الشديد والممنهج في اتباع التدابير الاحترازية، وتزامن شهر رمضان مع قرارات الحكومة بعودة بعض القطاعات الرسمية للعمل كالمحاكم والشهر العقاري والمرور.

أما العامل الثاني، فهو عدم التوسّع الجدي في إجراء التحاليل لحالات الاشتباه، مع استمرار وضع العراقيل أمام دخول المخالطين للمستشفيات إلا في حالة ظهور الأعراض الثانوية التي تستدعي الاحتجاز في المستشفى، وعدم التوسع في إجراء التحاليل في مناطق بؤر الإصابة بالمحافظات، مما نتج عنه تراجع ملحوظ في أعداد الإصابات ببعض المحافظات التي كان تمّ تسجيل أعداد كبيرة من الحالات بها في مارس/آذار الماضي. ووصف المصدر هذا التراجع بأنه "كاذب" وأعاده إلى عدد من الإجراءات السلبية التي تمت في محافظات دمياط والمنوفية والمنيا وأسيوط، مثل منع المستشفيات من أخذ مسحات للتحليل من حالات الاشتباه، فضلاً عن التأخر في توصيف الحالات بأنها مصابة بكورونا على الرغم من وضوح الأعراض وتوافر صور أشعة للرئتين في كثير من الأحيان. وهو ما دفع فريقاً من الأطباء منذ وقت طويل، إلى المطالبة بتغيير بروتوكول التشخيص وعدم الاعتماد على تحليل المسحات كدليل حاسم وحيد لتسجيل الإصابة؛ فمن ناحية تعترف الدولة بعدم قدرتها على التوسع في أخذ المسحات، ومن ناحية أخرى تخرج نسبة لا تقل عن 20 في المائة من المسحات غير صالحة للتحليل أو غير واضحة النتيجة.

وتعتبر مسألة عدد التحاليل من الأمور التي تظهر عدم شفافية الحكومة في إدارة الأزمة منذ بدايتها وتلاعبها بالأرقام. ففي 23 إبريل/نيسان الماضي، أعلنت وزارة الصحة أنها أجرت منذ بداية ظهور الوباء في مصر 90 ألف تحليل PCR، في زيادة كبيرة عما كان قد تم إعلانه في الأسبوع الأول من إبريل وهو 25 ألف تحليل، وكذلك عما كشفته مصادر في الوزارة لـ"العربي الجديد" خلال الأسبوع الثاني وهو 43 ألف تحليل. لكن مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية، محمد عوض تاج الدين، أعلن السبت الماضي في بيان رسمي صادر عن الهيئة العامة للاستعلامات، أنّ إجمالي عدد التحاليل بلغ 105 آلاف، أي بزيادة 15 ألفا فقط عما أعلنت عنه الوزارة قبل أسبوعين، على الرغم من أنّ مديرة المعامل المركزية أعلنت إجراء أكثر من 4 آلاف تحليل يومياً، مما يعني أنه كان من المفترض وصول العدد إلى 146 ألف تحليل على الأقل، في حال صدق الأرقام التي أعلنتها وزارة الصحة أولاً.

وكشف المصدر نفسه أنّ أعداد التحاليل المعلنة هذه تدخل فيها التحاليل التي تجرى كل 48 ساعة للمصابين المحجوزين في مستشفيات العزل، وللطواقم الطبية في بعض المستشفيات. فإذا احتسبنا أنّ مستشفيات العزل ومراكز الشباب تضمّ اليوم حوالي 6500 حالة، عبارة عن إجمالي عدد الحالات مخصوماً منه عدد المتعافين والوفيات، فإنّ نصف هذا العدد تقريباً تؤخذ منه اليوم مسحة للتحليل، وتؤخذ من النصف الآخر المسحة غداً، وبمضاهاة هذا الرقم بما أعلنت الوزارة إجراءه يومياً، فهذا يعني أنّ عدد حالات الاشتباه التي تجرى لها التحليل في اليوم نفسه لا تزيد على 500 وهو رقم ضئيل للغاية.

ويعتبر عدم إعلان تفاصيل هذه الأرقام والتفريق بين الحالات الجديدة والقديمة، من أسباب عدم التوصل إلى نسبة واضحة ومستقرة لنسبة اكتشاف الحالات من بين التحاليل اليومية في مصر، والتي لم تعلنها الوزارة على الإطلاق.

أما العامل الثالث الذي يؤدي إلى زيادة الوضع غموضاً وخطورةً في مصر، بحسب المصدر نفسه، فهو ضعف حالة المرافق الطبية وتضاؤل سعتها أمام الوباء، وبلوغ نسبة الإشغال في مستشفيات الفرز والإحالة 80 في المائة من سعتها الإجمالية على مستوى الجمهورية. فضلاً عن عدم وجود أماكن للفحص المركز لحالات الاشتباه في عشرات المستشفيات الكبرى بالمحافظات التي تسجل أعلى حالات إصابة، وهي القاهرة والجيزة والقليوبية والإسكندرية، مما يجبر المستشفيات على أخذ المسحات من الحالات وإعادتها للمنزل إذا كان أصحابها قادرين على الحركة أو حاضرين بصحبة ذويهم، وبالتالي تكون هناك فرصة أكبر لنقل العدوى بين الأصحاء، خصوصاً مع تكرار شكاوى تأخير ظهور نتيجة التحاليل بسبب الضغط الكبير على المعامل.

وفي هذا السياق، أوضح المصدر أنّ استحداث نظام تسكين الحالات المصابة في مراكز ونزل الشباب وبعض المدن الجامعية كأماكن للعزل، لم يسهم في حلّ تلك المشكلة بالنسبة لمستشفيات الفرز والإحالة، وإن أسهم ذلك بشكل فعال في تأجيل وصول إشغال مستشفيات العزل للسعة القصوى، مع الأخذ في الاعتبار عدم قدرة تلك الأماكن بتجهيزاتها وطواقمها على التعامل مع الحالات الخطيرة والمتأخرة، واقتصارها على الحالات صغيرة السن والتي تظهر عليها أعراض ابتدائية فقط وكذلك المتماثلين للشفاء.

وذكر المصدر أنه مع تحويل 35 مستشفى فرز وإحالة حاليين للعمل كمستشفيات للعزل، وهي الخطة التي ستطبق تدريجياً خلال شهر، فسوف تكون هناك سعة أكبر لاستيعاب المصابين، ولكن من ناحية أخرى سوف يؤدي هذا الأمر إلى مزيد من الحذر في التعامل مع حالات الاشتباه. وما تخشى منه الوزارة أيضاً أن يؤدي ذلك إلى عزوف المواطنين عن التوجه لتلك المستشفيات للفحص خوفاً من كونها مستشفيات للعزل.

وكشف المصدر أنّ أحد الأسباب التي ستؤدي للاعتماد على تلك المستشفيات للعزل، رغبة الحكومة في تقليص الاعتمادات المالية التي أنفقت على رواتب الأطباء والممرضين في مستشفيات العزل استثنائياً خلال آخر ثلاثة شهور، حيث سيتم الاعتماد على الفرق الطبية الاعتيادية لمستشفيات الحميات والصدر لإدارتها كمستشفيات عزل، واستخدام اعتمادات مالية أكبر لتوفير الواقيات الشخصية التي مازالت لم تتوفّر بالقدر الكافي في تلك المستشفيات.

يذكر أنّ الحكومة أعلنت منتصف الأسبوع الماضي عودة الفنادق والمنتجعات السياحية للعمل بطاقة استيعابية لا تتجاوز 25 في المائة حتى أول يونيو/حزيران وزيادتها إلى 50 في المائة بعد ذلك، بضوابط معينة، من بينها حظر الحفلات والأفراح والأنشطة الترفيهية الليلية وتخفيض إجازات العاملين إلى مرة كل شهرين.

وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أخيراً، إنه سيتم قريباً إعلان التدابير التي ستلتزم المنشآت باتباعها لإعادة العمل لجميع الأنشطة الاقتصادية بعد العيد بكامل طاقتها، وأن الحكومة ستحدد عقوبات على المواطنين والمنشآت المخالفة.

وأعلنت الحكومة أخيراً عن بدء وضع خطة "للتعايش" مع كورونا في ضوء العجز الدولي عن وضع مواعيد لتراجع الجائحة، وذكرت على لسان وزيرة الصحة هالة زايد أنه سيتم وضع مجموعة من الضوابط لاتخاذ تدابير مشددة في جميع المنشآت بمختلف القطاعات لدى عودتها من جديد، منها تخفيض قوة العمل بشكل دائم، والتوسّع في المعاملات المالية والإدارية الإلكترونية عن بعد، واستحداث طريقة للحجز المسبق للحضور، والاكتفاء بأعداد معينة من العاملين وأصحاب المصالح، فضلاً عن الكشف اليومي على العاملين وتخصيص مكان لعزل حالات الاشتباه في كل منشأة.

المساهمون