زيارة هولاند وغابرييل إلى القاهرة... اقتصاد وتسليح واستجواب حقوقي

16 ابريل 2016
زيارة السيسي لباريس في نوفمبر 2014 (فيليب وزاجير/فرانس برس)
+ الخط -
يستعد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لاستقبال مسؤولين غربيين رفيعي المستوى، إذ يصل القاهرة، اليوم السبت، نائب المستشارة الألمانية، وزير الصناعة زيغمار غابرييل، ثم يزورها، يوم الأحد، الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في زيارة هي الأولى له بعد زيارة السيسي لباريس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014.

ويعوّل السيسي كثيراً على هاتَين الزيارتَين المحدّدتَين، منذ فترة طويلة، لتحسين صورة نظامه التي اهتزت بشدة في الأوساط الأوروبية في الآونة الأخيرة، على خلفية حادث خطف وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، والتراخي المصري في إعلان نتائج تحقيقات القضية بصورة شفافة، فضلاً عن إعادة فتح قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، والتضييق على منظمات محلية وفروع لمنظمات أجنبية ودولية عاملة في مصر، لا سيما وكالة الإنماء الألمانية.

في ما يخص زيارة الرئيس الفرنسي، يحاول السيسي تحييد جميع المشاكل الحقوقية المهمة لباريس، وأن يركز خلال الزيارة على تطوير التعاون العسكري وشراء الأسلحة الفرنسية. وهو المجال، بحسب مراقبين، الذي دفع فيه السيسي أموالاً طائلة من ميزانية الدولة لكسب تأييد فرنسا لنظامه واستمالتها في المحافل الأوروبية، تحت ستار تنويع مصادر أسلحة الجيش المصري. اشترى السيسي من فرنسا على مدار عام 2015 عدد 24 طائرة من نوع "رافال" والفرقاطة الحربية "فريم".

ويعتبر تطوير التعاون العسكري مع مصر ضرورة للدولة الفرنسية، إذ تعرّضت الأسلحة الفرنسية خلال السنوات الأخيرة لكساد ملحوظ بعد كشف دول مثل روسيا وجود عيوب في الفرقاطات والطائرات الفرنسية المقاتلة. وعلى الرغم من ذلك جاء قرار السيسي باللجوء للتسليح الفرنسي مخفياً في طياته عدداً من الاعتبارات السياسية. وأبرز هذه الاعتبارات، وفقاً لمتابعين، رغبته في استمالة باريس في الأوساط الأوروبية، وتدعيم مواقفه السياسية، والوقوف حائلاً دون تعريضه لأية مشاكل أو عقوبات، خصوصاً في ظل تحفز البرلمان الأوروبي ضد نظامه منذ الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين منتصف 2013.

ووفقاً لمصادر دبلوماسية مصرية، فإن زيارة هولاند ستشهد توقيع عدد من مذكرات التفاهم بين البلدين في مجالات التنقيب عن النفط وشراء المعدات العسكرية إلى جانب تأكيد وصول حاملتَي الطائرات الفرنسيتَين من طراز "ميسترال" إلى مصر منتصف الصيف المقبل. بالإضافة لاتفاقيات في مجال الاستثمارات الحرة، والتعاون الأمني والاستخباراتي. كما سيزور هولاند مقر مجلس النواب المصري المنتخب حديثاً، لكن لم يتحدد حتى الآن ما إذا كان سيلقي خطاباً أمام البرلمان أم سيكتفي بجلسة محادثات مع رئيسه وهيئة المكتب، وفقاً للمصادر الدبلوماسية.

ويرافق هولاند في الزيارة 60 شخصاً من ممثلي الشركات الفرنسية العاملة في مصر، إذ سيجتمعون مع الوزراء المصريين المختصين بالاقتصاد والأعمال، وستعرض عليهم حكومة السيسي مستجدات تفعيل قانون الاستثمار الجديد، والتسهيلات، والحوافز الإضافية التي قرّرها السيسي للمستثمرين الأجانب. وأبرز هذه القرارات، ذلك الذي أصدره الرئيس المصري، أخيراً، بتحديد قطع أراض في كل محافظة يمكن التصرف فيها لصالح المستثمرين مجاناً، على أن يتم استغلالها بأقصى سرعة في مشاريع تنموية وتضمن تشغيل المزيد من الأيدي العاملة.

وتقول المصادر الدبلوماسية إنّه على الرغم من الطبيعة الهادئة المنتظرة للزيارة، وغلبة ملفات المال والأعمال والتعاون العسكري، من المؤكد أن يواجه السيسي تساؤلات "ملحّة" من هولاند ومساعديه عن آفاق التعاون المصري مع المجتمع المدني، لا سيما بعد إصدار الخارجية الفرنسية بياناً يدين إغلاق مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والسجناء السابقين. كما أنّ هناك منظمات غير حكومية فرنسية تعمل في مصر مثل منظمة "أطباء حول العالم" التي ترتبط لوجستياً بمركز النديم.

وتضيف المصادر أن "السيسي سيواجه تساؤلات أيضاً عن وضع حقوق الإنسان في مصر، واستفسارات فرنسية عن مدى تحسن الأوضاع الأمنية في مصر، بما يتناسب مع توثيق التعاون مع وزارة السياحة المصرية لتشجيع السياح الفرنسيين على السفر لمصر بكثافة، وكذلك لرعاية المصالح الفرنسية في مصر في ظل قلق باريس من استهداف مصالحها حول العالم كردّ فعل على تصعيد جهودها لمكافحة الإرهاب وسط وغرب أوروبا.

وتكشف هذه المصادر عن أنّه "في إطار بحث كل من فرنسا ومصر عن مصالحهما من خلال الشراكة الحالية، فإن هولاند سيطلب دعم السيسي سياسياً لمبادرته لإقامة مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، وهي المبادرة التي زار مبعوثها الفرنسي الخاص بيار فيمون القاهرة، منذ أيام، لاستطلاع رأي القاهرة بشأنها. وتعوّل فرنسا على هذه المبادرة لاستعادة فاعلية دورها في الشرق الأوسط بعد عقود من الابتعاد لصالح دول أخرى، في مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا، خصوصاً بعد الجهود التي بذلتها في أزمتَي سورية وليبيا.

ووفقاً للمصادر ذاتها، سيناقش الرئيسان تطورات الأوضاع في ليبيا. وفي هذا الصدد، تؤكد المصادر أن "هولاند مهتم بمعرفة أسباب مقاطعة مصر للتلويح بالتدخل العسكري، وتحفظاتها بشأن الأوضاع السياسية في ليبيا، وسيشرح أيضاً الموقف الفرنسي الذي يعلّق التدخل عسكرياً على سوء الأوضاع وعدم تمكن حكومة الوفاق من ممارسة عملها".

في المقابل، فإن السيسي حريص على تقديم مصر بصورة الجار المتمرّس في التعامل مع الفرقاء الليبيين، بحسب هذه المصادر، لا سيما في ظل العلاقة الوطيدة بين السيسي وقوات اللواء خليفة حفتر قبل الانضواء تحت حكومة الوفاق الوطني. كما سيجدد السيسي دعوته، التي تتحفظ عليها فرنسا، برفع الحظر عن توريد السلاح إلى ليبيا بحجة دعم الجيش الوطني والشرطة الرسمية، وهو في هذا الإطار يقصد قوات حفتر تحديداً، وفقاً للمصادر.

أما زيارة نائب المستشارة الألمانية، فيعلّق نظام السيسي عليها آمالاً كبيرة لتوسيع الاستثمارات الألمانية في مصر، التي لا تزال تعاني عقبات عديدة بسبب سوء إدارة ملف الاستثمارات، وتأخر تفعيل عدد من الحوافز التي عرضها السيسي على الحكومة الألمانية خلال زيارته إلى برلين في يونيو/حزيران الماضي، بالإضافة لعدم تفعيل نظام الشباك الواحد لتسهيل تراخيص منشآت إنتاج الكهرباء والطاقة حتى الآن.

ويركز الجانب الألماني للحصول على أكبر وأفضل المساحات الممكنة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إذ يسعى رجال الأعمال الألمان لتوسيع أنشطتهم في مصر واستغلال خبراتهم في هذا المجال التي اكتسبوها من عملهم في دول شرق أوسطية وأفريقية أخرى. وهو ملف يشرف عليه غابرييل في الحكومة الألمانية لضمان توسع أنشطة المستثمرين الألمان حول العالم.

وتوضح مصادر حكومية بوزارة التخطيط ذات صلة بملف العلاقات مع ألمانيا، أنّ السيسي سيعرض على غابرييل خلال الزيارة الإجراءات "التيسيرية" التي اتخذتها وزارة التعاون الدولي، ووزارة التضامن لتسهيل عمل وكالة الإنماء الدولية الألمانية في مصر، عقب ما تعرضت له من تضييق خلال الأشهر القليلة الماضية، بالتوازي مع إعادة فتح ملف قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني. وكان هذا الموضوع على رأس مباحثات السيسي مع وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير، منذ أسبوعين، ووعد بإنهاء التضييقات.

وتضيف المصادر أنّه "من المتوقع أن يطالب غابرييل السيسي بتسهيل عودة منظمات المجتمع المدني الألمانية الكبرى إلى مصر، وخصوصاً منظمتَي "كونراد أديناور" و"فريدريش ناومان"، اللتين تركتا مصر على خلفية تفجير قضية التمويل الأجنبي نهاية عام 2011، واتهام عدد من أعضاء هاتين المنظمّتَين بممارسة أنشطة محظورة في مصر.

المساهمون