سورية: محاولة النظام التقدّم في الرقة تصطدم بالتحالف الدولي

29 ابريل 2019
الرقة باتت هدفاً لقوات النظام (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -


اصطدمت محاولة قوات النظام السوري بالتقدّم في ريف الرقة يوم السبت، برد فعل رادع من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الذي يوفر حماية للمناطق التي تقع تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، مؤكداً عبر تدخّل طيرانه أن هذه المناطق هي مجال نفوذ أميركي بلا منازع، وأي اختبار لجدّية هذا التحالف في حمايته، سيواجَه بقوة. ما يُظهر من جديد أن سورية تحوّلت إلى مناطق نفوذ من غير المسموح على أطراف الصراع تغيير معادلة السيطرة فيها.

وفي خطوة غير متوقعة، تقدّمت قوات النظام يوم السبت كيلومترات عديدة شمالاً من مناطق تمركزها في ريف الرقة الجنوبي الغربي، لتسيطر على قرية هورة الجريّات. ما دفع طيران التحالف الدولي إلى التدخّل. وأكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن "المقاتلات التابعة للتحالف لم تغادر سماء المنطقة طيلة نهار السبت".

وتقع هورة الجريّات جنوبي مدينة الطبقة بنحو 15 كيلومتراً، وتعدّ نقطة تماسّ بين قوات النظام و"قسد"، وهي على تخوم بادية الشام جنوب نهر الفرات، أي ما يعرف إعلامياً بمنطقة غربي الفرات، واتخذتها "قسد" عام 2017 في بداية الحملة العسكرية موقعاً لها، لانتزاع السيطرة على محافظة الرقة من تنظيم "داعش". فسيطرت هذه القوات على شريط جغرافي بعمق أكثر من 15 كيلومتراً وطول أكثر من 60 كيلومتراً، يبدأ من قرية شعيب الذكر إلى الجنوب الغربي من مدينة الطبقة، وينتهي في ريف الرقة الجنوبي الشرقي.

ويضم هذا الشريط إضافة إلى مدينة الطبقة الاستراتيجية، أكبر وأهم قرى ريف الرقة الغربي، ومنها: الصفصافة، وهنيدة، والمنصورة، وهورة العجيل، والحمّام، والسحل، وكسرة شيخ الجمعة، وسواها من القرى. وكانت "قسد" انسحبت من هورة الجريّات وفق مصادر محلية، أشارت إلى "أن أسباب هذا الانسحاب غير معروفة". وأكدت المصادر أن "قوات النظام لم تستطع حفر خنادق وإقامة متاريس تحت ضغط طيران التحالف الدولي الذي لم يقصف هذه القوات، ومن ثم اضطرت للانسحاب إلى مواقع تمركزها خشية تعرضها لقصف من طيران التحالف". في المقابل، كشفت مصادر محلية أخرى لـ"العربي الجديد"، أن "قوات النظام اضطرت إلى دخول القرية بسبب هجوم شنّه تنظيم داعش"، مشيرة إلى أن "قوات النظام لا تجرؤ على دخول أراض تحت حماية التحالف الدولي إلا لأسباب قاهرة".

ومن المستبعد أن يكون للجانب الروسي أي دور في تقدّم قوات النظام إلى مواقع "قسد"، إذ تؤكد الوقائع على الأرض أن هناك تفاهماً غير معلن بين موسكو وواشنطن في المنطقة، يحول دون تقدّم قوات على أخرى.
وحاولت قوات النظام أكثر من مرة التقدّم باتجاه مدينة الطبقة ومطارها العسكري، الذي يقع إلى الجنوب الشرقي منها بنحو 5 كيلومترات، إلا أنها جوبهت بصدٍّ قاسٍ من طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. وتُعدّ المناطق التي تسيطر عليها "قسد" مناطق "محرمة" على قوات النظام والمليشيات الإيرانية، التي تنتشر في محيط هذه المناطق.

وذكرت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن "لقوات النظام قاعدة عسكرية جنوبي هورة الجريّات، على الطريق الذي يصل محافظة الرقة بمدينة حمص، ومن ثم إلى العاصمة دمشق، أقامتها في عام 2017 بعد انسحاب تنظيم داعش منها، بينما تقيم قسد قاعدة عسكرية كبيرة لها في مطار الطبقة العسكري، تعدّ خط الدفاع الرئيس عن المدينة ومحيطها في حال محاولة قوات النظام التقدّم".



ووفق مصادر محلية تحدثت إليها "العربي الجديد"، لم تُحدث واقعة قرية "هورة الجريّات أي ذعر لدى سكان المنطقة، لأنهم يعرفون أن المنطقة محمية من التحالف الدولي، ومن ثم لا خوف من قوات النظام والمليشيات الداعمة لها". وأكدت مصادر مقربة من "قسد" في مدينة الطبقة لـ"العربي الجديد"، أن "هذه القوات أقامت تحصينات كبيرة، وأنها ليست بصدد التفكير بتسليم أي منطقة تسيطر عليها لقوات النظام، معتبرة أن الأراضي التي انتزعت السيطرة عليها من تنظيم داعش بالدم لا يمكن تسليمها بسهولة لقوات النظام والمليشيات الايرانية".

وأقامت قوات النظام، نقطة جمركية على الحدود التي تفصلها عن مناطق سيطرة "قسد" في تسليم واضح للواقع العسكري على الأرض، وأنه ليس بمقدورها تغييره بالقوة على الأقل في الوقت الراهن. ولطالما حاولت استمالة أهالي مدينة الطبقة وريفها إلى صفها، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل. وهو ما يفسر رفض النظام فتح الطريق الذي يربط الطبقة بمدينة حلب، إذ يتعمد النظام إجبار المسافرين بين المدينتين على قطع طريق طويل يمضون فيه ساعات طويلة.

وأكدت حادثة هورة الجريّات أن سورية باتت مناطق نفوذ واضحة الحدود، من غير المسموح لأي طرف في الصراع تغيير معادلة السيطرة فيها، خصوصاً من قوات النظام التي تقف عاجزة تماماً أمام قوات "قسد"، التي تعتمد على التحالف الدولي في ردع قوات النظام. ولا يزال النظام السوري يصرّ على استعادة المناطق التي تسيطر عليها قوات "قسد" من دون شروط، في حين تطالب هذه القوات بضمّها إلى قوات النظام، إضافة إلى امتيازات أخرى تخصّ السوريين الكرد في منطقة شرقي نهر الفرات.

وخاض الطرفان جولات تفاوض عديدة برعاية روسية، إلا أنها فشلت في التوصل لحلول، وخصوصاً أن الطرف الأميركي لم يبد حماسةً لهذا الحوار بين الطرفين في ظل تعنّت النظام وحلفائه في العديد من القضايا، وخصوصاً إحياء التفاوض مع المعارضة السورية تحت مظلة الأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية للتوصل لحل شامل للقضية السورية. وتسيطر "قسد" على القسم الأكبر من محافظة الرقة التي تبلغ مساحتها أكثر من 20 ألف كيلومتر مربع، وعلى القسم الواقع شمال النهر الذي يطلق عليه السكان المحليون تسمية الجزيرة بشكل كامل، إضافة إلى الشريط الجغرافي في المنطقة التي يُطلق عليها تسمية الشامية جنوب النهر، بينما تقتصر سيطرة النظام على بادية الرقة، التي تضم قرى عديدة أبرزها قرية جعيدين، وقرى في ريفها الغربي أبرزها دبسي فرج، ودبسي عفنان، وقرى في ريفها الجنوبي الشرقي منها السبخة، ومعدان الواقعتان على الحدود الإدارية التي تفصل محافظة الرقة عن محافظة دير الزور.

ولمدينة الطبقة وريفها أهمية كبرى، إذ تضم سدّ الفرات وهو السدّ الأهم في سورية، ويحتجز خلفه بحيرة طولها نحو 80 كيلومتراً، وعرض في بعض المواقع يصل إلى نحو 5 كيلومترات. كما أن مدينة الطبقة تعد عقدة مواصلات هامة، إذ يمر منها الطريق الدولي الذي يربط مدينة حلب شمال سورية بمدينة دير الزور في أقصى الشرق السوري، والطريق الذي يصل الرقة بمدن حماة وحمص في وسط، ومنها إلى العاصمة دمشق.