قانون انتخابات جديد للعراق... أحدث إنجازات الانتفاضة

25 ديسمبر 2019
أصيب 22 ألف عراقي بالاحتجاجات (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
مع دخول التظاهرات في العراق شهرها الثالث، استطاع المحتجون إجبار الأحزاب السياسية المسيطرة على الحكم على الانصياع لمطالبهم، إذ بعد استقالة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، وتغيير أعضاء مجلس المفوضين واستبدالهم بقضاة، صوّت البرلمان العراقي، أمس الثلاثاء، على قانون الانتخابات الجديد بصيغته المعدلة التي تحول العراق من الدائرة الواحدة لكل محافظة إلى تقسيم المحافظات إلى دوائر انتخابية صغيرة، كما اعتمد القانون الجديد على الترشيح الفردي بعيداً عن سطوة القوائم الكبيرة.

وبعد يوم واحد من إجراء قرعة اختيار أعضاء مفوضية الانتخابات الجديدة من بين عشرات القضاة من مختلف محاكم الاستئناف، تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة في بغداد، صوّت البرلمان العراقي في جلسة استمرت حتى مساء أمس الثلاثاء لصالح قانون الانتخابات الجديد، بالصيغة التي ينادي بها المتظاهرون، وهي دوائر انتخابية متعددة بكل محافظة بواقع دائرة لكل 100 ألف نسمة، وانتخاب فردي ومباشر للمرشح، يكون الفوز فيه لمن يحصل على أعلى عدد من الأصوات. كما تم إلغاء آلية "سانت ليغو" (التي تسحب أصوات الناخبين وتوزعها بين القوى السياسية بطريقة أقرب ما يكون إلى التقاسم بينها)، مع اعتماد التصويت الإلكتروني، وكوتا للنساء بواقع 25 في المائة من أعضاء البرلمان البالغ عددهم 251 عضواً بدلاً من 329 عضواً. ويعتبر القانون بصيغته الحالية بمثابة إنجاز جديد للمتظاهرين، قد يفضي إلى استعادة العراقيين الثقة بعملية الاقتراع بعد آخر عملية انتخابات في 2018 لم يشارك بها أكثر من 25 في المائة منهم. وكانت انتخابات 2005، و2010، و2014، و2018، أجريت بقانون اعتبر مفصلاً على مقاس الأحزاب السياسية الطائفية الرئيسية في البلاد. ويزيد القانون الجديد من فرص دخول القوى المدنية والحركات الوطنية الناشئة للبرلمان وإنهاء احتكار القوى الحالية للعملية السياسية في العراق، إذ سيكون الفوز لمن يحصل على أعلى عدد من الأصوات دون أي ألغام وفخاخ تسمح بمصادرة صوت الناخب وتحويله لمرشح آخر لمجرد أن هذا المرشح يشترك مع الآخر بقائمة واحدة.

إلا أنه في الوقت ذاته، يحمل أخباراً سيئة فيما يتعلق بالنازحين وبعض المكونات الدينية. فبالنسبة إلى النازحين ولتلافي عمليات تزوير أصواتهم أو استغلالهم من قبل المرشحين، جرى إلغاء تصويتهم. كما أنه لن يكون هناك تأثير لأصوات مكونات عراقية مثل المسيحيين والصابئة وغيرهم، ممن يسكنون خارج معاقلهم التقليدية أو مناطق وجودهم الرئيسية في المحافظات مع وجود دوائر متعددة.

وقال النائب عن تحالف سائرون رعد المكصوصي، لـ"العربي الجديد"، إن "مجلس النواب صوت على قانون انتخابي وفق ما طلبه الشارع العراقي، وهذا القانون سيحدث تغييرات كبيرة في الوجوه وكذلك السماح للشخصيات المستقلة بالوصول إلى مجلس النواب". وأوضح أن "مجلس النواب، بعد تصويته على قانون الانتخابات، سيعمل على إكمال باقي مطالب الشعب العراقي، وعلى رأسها قضية إجراء الانتخابات المبكرة، فإجراء الانتخابات سيكون وفق قانون جديد ومفوضية جديدة". وأضاف "نتوقع وفق القانون الجديد والمفوضية الجديدة أن تكون هناك مشاركة كبيرة وواسعة في الانتخابات المبكرة، التي سنعمل على إجرائها بأسرع وقت".

في المقابل، يتوقع أن يتعرض القانون لطعون من كتل سياسية عدة، تعتبر أن بعض بنوده تتعارض مع الدستور، منها إلغاء تصويت النازحين والمغتربين، وهو ما يتعارض مع النص الدستوري الذي يمنع فيه مصادرة أصوات العراقيين الانتخابية أو حجبها. كما ينص الدستور على عدم التمييز بين القوميات والمكونات الأخرى، وهو ما فعله القانون الحالي بتخصيص كوتا لكل مكون ديني أو قومي، وهو ما اعتبره البعض غير منصف، كون العراق لم يجر من الأساس إحصاء سكانياً لمعرفة عدد كل طائفة أو قومية.



في المقابل، قالت رئيسة كتلة الاتحاد الوطني جوان إحسان، في مؤتمر صحافي مشترك مع القوى الكردية، إن "ما حصل في جلسة اليوم (أمس) من تمرير القانون وانتزاعه غصباً من دون توافق سياسي ودراسة يشوه النظام السياسي". وأضافت أن "إصرار المشرعين على تجاوز النص الأصلي الذي كان مدرجاً لتطوير الدوائر لتكون على مستوى الأقضية هو إرادة واضحة لعدم إجراء انتخابات مبكرة، لما في ذلك من تعقيدات فنية ومشاكل تتعلق بهوية عشرات الأقضية على مستوى العراق"، معتبرة أن "اعتماد الفائز الأعلى بالأصوات هو لحصد الأحزاب المتسلطة لمقاعد المجلس وحرق الغالبية العظمى لأصوات الناخبين وإعادة العراق إلى انتماءات قبلية ومناطقية وقطع الطريق أمام الكفاءات والمستقلين". وأكدت أن "تجاهل إرادة الأكراد وآراء الخبراء والنخبة المختصين هو دفع حقيقي نحو مزيد من التمزق والاستبداد بالرأي لإخراج قوانين غير رصينة". وشددت على أن "الأكراد مع إقرار قانون انتخابي يسهل إجراء الانتخابات بما يحقق التمثيل الحقيقي للناخبين ويمنع استبداد الأحزاب التي تريد فوز مرشحيها بكل الدوائر من خلال أعلى الفائزين".

وذهب الباحث في الشؤون الانتخابية العراقية علي السعدي إلى أن الجماهير هي التي أرغمت البرلمان على تبني هذه الصيغة في قانون الانتخابات التي ستساهم في إضعاف سطوة القوائم الانتخابية الكبيرة، موضحاً، لـ"العربي الجديد"، أن "تبني الترشيح الفردي سيمنح الفرصة لأي شخص مستقل أن يرشح نفسه في دائرته الانتخابية الصغيرة دون الحاجة إلى حزب كبير يتبناه". وقال الخبير في القانون العراقي علي الجابري، لـ"العربي الجديد"، إن "القانون يمكن اعتباره انتقالياً لهذه المرحلة، فهو ليس مثالياً، ولا يمكن القول إنه بصالح بلد كبير مثل العراق، غير أنه نجح في كسر احتكار الأحزاب التي جاءت بعد الاحتلال وتسلمت حكم البلاد، فصار هناك فرصة الوصول للبرلمان من قبل المدنيين والمستقلين". وأضاف أن "الانتخابات المقبلة، في حال توفرت لها الأجواء المنشودة، ستؤدي إلى إخراج وجوه قديمة من البرلمان".

إلى ذلك، يدخل العراقيون شهرهم الثالث في التظاهرات المتواصلة منذ استئنافها في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد توقف دام لأسبوعين بقرار اتخذته لجان تنسيقيات التظاهر بعد بدء توافد ملايين الزوار الدينيين إلى كربلاء لإحياء ذكرى أربعينية استشهاد الإمام الحسين. ويدشن العراقيون شهراً جديداً من التظاهرات، بإشهار ورقة الإضراب عن الطعام، التي أطلقها الاثنين الماضي عشرات الشبان في بغداد وذي قار وكربلاء، وهي خطوة امتدت إلى محافظات أخرى كأسلوب ضغط جديد، وهي طريقة اعتبرها مراقبون ومتظاهرون من نفس المدن غير مجدية أو مؤثرة على السلطة أو الأحزاب الداعمة لها، كونها ما زالت تواصل القتل والقمع والاختطاف والاعتقال.

وحتى مساء الاثنين الماضي تؤكد حصيلة ضحايا التظاهرات، بأن أكثر من 520 عراقياً قتلوا، وأصيب أكثر من 22 ألفا آخرين وفقاً لمصادر طبية عراقية، قالت، لـ"العربي الجديد"، إن "مكتب الأمن الوطني التابع لفالح الفياض الذي يشغل أيضاً منصب رئيس هيئة الحشد الشعبي، يمنع وزارة الصحة العراقية أو المؤسسات الصحية التابعة لها من إعطاء أي أرقام رسمية للضحايا أو المصابين، بما فيها مفوضية حقوق الإنسان العليا في العراق التي شكت في وقت سابق من ذلك". وقضى جميع المتظاهرين بنيران قوات الأمن العراقية وفصائل مسلحة منضوية ضمن "الحشد الشعبي". وجاءت بغداد في المرتبة الأولى بواقع 300 ضحية، تليها ذي قار بأكثر من 100 ضحية، ثم النجف وكربلاء والبصرة جنوبي البلاد من حيث أكثر المدن التي شهدت سقوط ضحايا بين المدنيين. وقال الناشط في تظاهرات كربلاء علي أكبر، وهو شقيق لمتظاهر قتل بنيران قوات الأمن الشهر الماضي، لـ"العربي الجديد"، إن "سيقانهم تجذرت في ساحات وشوارع المدينة"، في إشارة إلى صعوبة فض التظاهرات. وأضاف "لا نطالب بمستحيل أو شيء خارج عن المألوف. نريد وطناً مثل الآخرين، ونحن نبحث عنه منذ أيام (حزب) البعث ولا نجده".

وفي بغداد، رفع المتظاهرون على مبنى المطعم التركي، أو "جبل أحد الثورة" كما أطلق عليه، حيث يتحصن مئات العراقيين داخله منذ شهرين موزعين على أدواره الأربعة عشر، أمس الثلاثاء، لافتة كتب عليها، "ولنصبرن على ما آذيتمونا"، في إشارة جديدة على مواصلة التظاهرات واستمرار القمع في الوقت نفسه. وقال الناشط أحمد سعدي، لـ"العربي الجديد"، إن "الإضراب (عن الطعام) نفذه عشرات المتظاهرين في بادرة منهم وهم من المعتصمين في الساحات"، لافتاً إلى أن "السلطات الأمنية أصبحت تضيق على سيارات دخول الطعام أو الوقود لخيام المعتصمين"، معتبراً أن "الساحات حافظت على زخمها من حيث العدد، كما أنها تجاوزت مؤامرات كثيرة، من بينها شيطنة التظاهرات واعتبارها مؤامرة وآخرها لعبة الشارع المضاد". وسجلت الساعات الأربع والعشرون الماضية اختطاف ناشطين اثنين في بغداد واعتقال آخر في قضاء الرفاعي بمحافظة ذي قار، وذلك بالتزامن مع إعلان المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق عن ارتفاع عدد حالات الاغتيال في صفوف الناشطين إلى 29، مع ثلاث محاولات اغتيال فاشلة أخرى.

المساهمون