هكذا تجسس الموساد والمخابرات الفرنسية على البرنامج الكيماوي السوري

27 مارس 2017
2013 تسربت معلومات عن استعمال النظام الكيماوي(خليل المزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -
كشفت صحيفة "لوموند" عن قصة تجسس مثيرة للمخابرات الإسرائيلية (الموساد)، بالتنسيق مع المخابرات الفرنسية، بهدف الحصول على معلومات سرية تتعلق بالأسلحة الكيماوية السورية

وبفضل هذه العملية، التي أُطلِق عليها اسم "راتافيا"، وكانت فرنسا مسرح فصولها الرئيسية، تمكنت إسرائيل وفرنسا من الحصول على معلومات دقيقة وثمينة حول البرنامج الكيماوي السوري قبل وبعد بداية النزاع السوري عام 2011. 

ونقلت إسرائيل وفرنسا هذه المعلومات إلى عدة دول غربية، منها الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما أتاح لـ"الأسرة الدولية" التنسيق فيما بينها للعمل على الضغط على النظام السوري من أجل تدمير ترسانته الكيماوية، وفق ما كشف "لوموند" في تحقيقها الذي نُشر أمس الأحد..   

وتمكنت الصحيفة، من خلال معلومات سرية حصلت عليها من مصادر قضائية واستخباراتية ودبلوماسية، من تجميع خيوط هذه القصة المثيرة، والتي أحيطت بسرية تامة ودامت عدة سنوات. 

وبدأت القصة عندما توصلت المخابرات الفرنسية، بفرعيها الداخلي والخارجي، إلى رسالة من "الموساد" تطلب التعاون والتنسيق بشأن عملية تجسس على مسؤول سوري يتبوأ منصبا مهما في الفريق السوري المكلف بتطوير البرنامج الكيماوي. 

وكان "الموساد" قد بدأ، انطلاقا من عام 2008، في رمي شباكه حول المسؤول السوري عبر فريق من عملائه في العاصمة السورية دمشق، بعدما تنامى خوف إسرائيل بسبب حرص نظام بشار الأسد على تطوير ترسانته الكيماوية، واتخاذه لتدابير مشددة لحمايتها وإحاطتها بسرية تامة، خاصة بعد حادث وقع عام 2007 في مركز "السفير" الكيماوي قرب حلب، خلال عملية تركيب لصواريخ محملة برؤوس كيماوية، وهو الحادث الذي كانت المخابرات السورية تشك في ضلوع عناصر من "الموساد" فيه.


وكان هدف "الموساد" في تلك الفترة ليس استهداف أو تصفية أعضاء الفريق السوري المكلف بتطوير البرنامج الكيماوي، وإنما وضع يده على مصدر سوري يمدها بمعلومات دقيقة عن طبيعة البرنامج، ومعرفة نوع وحجم العلاقات التي ينسجها النظام السوري مع إيران وروسيا وكوريا الشمالية لتطويره، وأيضا التحقق من المصادر التي تمد السوريين بالمواد والخبرة لتركيب وتطوير الأسلحة الكيماوية.

وتمكن "الموساد"، بفضل عميله في دمشق، من رصد هذا الشخص، الذي بالإضافة إلى موقعه الهام ضمن فريق البرنامج الكيماوي، يتوفر على علاقة خاصة بابنة أحد رجال النظام الأقوياء. 

وخلال عامين كاملين، تمكن العميل المحلي، وبمساعدة فريق من المحللين النفسيين، من نسج علاقة صداقة وثيقة بهذا الشخص، مستغلا نقاط الضعف النفسية في شخصيته، ونزوعه الرومانسي، وتضايقه من البيروقراطية الإدارية في عمله. 

ونجح العميل الإسرائيلي المحلي في إقناع المسؤول السوري بـ"ضرورة الاشتغال على مشروع استثماري شخصي يؤمن من خلاله مستقبله، بالموازاة مع عمله في البرنامج الكيماوي". 

وتم إقناع عضو الفريق السوري المكلف بتطوير البرنامج الكيماوي بفكرة إنشاء شركة للتصدير والاستيراد، والقيام برحلات إلى الخارج، وخاصة إلى فرنسا باعتبارها وجهة مفضلة للكثير من السوريين الذين يعتبرونها دولة "صديقة". 

وعندما وصلت القصة إلى هذه المرحلة بالذات، بعث "الموساد" برسالته إلى المخابرات الفرنسية، طالبا يد العون والتنسيق السري والدقيق لإحكام القبضة على "الضحية" السورية، واستمالتها بشتى الطرق لإفشاء أسرار البرنامج الكيماوي السوري. 

وحسب "لوموند"، فقد تمثل الدور الفرنسي في البداية بعملية تسهيل الحصول على تأشيرة الدخول إلى فرنسا عبر القنصلية الفرنسية في دمشق، وتذليل كل العقبات الإدارية بطريقة ذكية، ودون إثارة شكوك الموظف السوري وأجهزة النظام

وعندما بدأ هذا الأخير زيارته الأولى إلى فرنسا، تم زرع عملاء المخابرات الفرنسية ضمن الفريق الإسرائيلي، الذي تولى الاهتمام به في عملية طويلة الأمد دامت عدة سنوات، ساهمت فيها أيضا المخابرات الألمانية والأميركية، إلى أن تحول الضحية بالتدريج إلى "جاسوس" بكل معنى الكلمة. 

وخلال زياراته المتكررة إلى باريس، كان الموظف السوري محاطا بفريق كامل من عملاء "الموساد" والمخابرات الفرنسية ينتحلون صفات مختلفة من سائق التاكسي إلى عمال الفندق..  مرورا بممثلي الشركات ورجال الأعمال. 


وكان من اللافت أن "الموساد" خصص فريقا كاملا من المحللين النفسانيين الذين انكبّوا على تحليل شخصية "الضحية" والإحاطة بمختلف جوانبها، لتسهيل عملية التحول التدريجي نحو فخ الجاسوسية. 

وفي باريس، دخل رجل أعمال إيطالي مزيف على الخط، إذ كُلف بمساعدته على ولوج عالم رجال الأعمال، وتعلم أصول الصفقات، ووضع تحت تصرفه سيارة فخمة مع سائق. 

وتحول "الإيطالي" بالتدريج إلى صديق حميم نجح في إقناع الضحية بأنه يعيش مرحلة حاسمة في حياته المهنية والشخصية، وكان يعطي النصائح العملية لـ"الضحية" ويغدق عليها الهدايا والأموال. 

وبفضل هذه العملية البطيئة والمعقدة، تمت السيطرة على المسؤول السوري بإحكام، نفسيا وماديا، إلى أن بدأ يسرب المعلومات الحساسة حول البرنامج الكيماوي السوري من دون أن يتكون لديه الانطباع السلبي بأنه "يخون" بلاده. 

وكان هدف "الموساد" هو توريطه في كل عمليات البيع والشراء لشركته الخاصة وإشراكه في النقاشات واتخاذ القرارات إلى أن يقتنع ذات يوم بنفسه، وليس من طرف خارجي، بأنه تجاوز "الخط الأحمر" وأصبح عميلا. 

ومع مرور الوقت، انغلق الفخ بإحكام حول "الضحية"، وبات يعطي معلومات في غاية الأهمية حول القدرات الكيماوية السورية ومشاريع التطوير المختلفة التي كان يقوم بها "المركز السوري للدراسات والأبحاث العلمية".  

وعام 2011، بدأت حماسة الضحية في الانحسار، وصار يشكك بصوت عال في هوية رجل الأعمال الإيطالي، غير أن الأوان كان فد فات، والأموال الكثيرة التي حصل عليها والمعلومات الثمينة التي سربها إلى عملاء "الموساد" صارت تمنعه من التراجع إلى الوراء. 

وبفضل المعلومات التي جمعتها مخابرات إسرائيل حول طبيعة وحجم القدرات الكيماوية السورية، ومشاريع تطويرها، وشبكة الشركات التي كانت تمد النظام بالمواد والخبرات اللازمة، قامت فرنسا وألمانيا بإقناع الاتحاد الأوروبي، في صيف عام 2011، بتجميد ودائع "المركز السوري للدراسات والأبحاث العلمية" في الخارج تحت ذريعة أنه يمد جيش النظام السوري بوسائل مراقبة وقمع التظاهرات السلمية، وتم اتخاذ عقوبات مماثلة ضد عدد من الشركات التي كان يستعملها المركز لشراء المعدات الحساسة في الخارج.

واستنادا إلى معلومات "الموساد"، أعلن الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، عام 2012، أن أي استعمال أو نقل للسلاح الكيماوي من طرف نظام بشار الأسد يعتبر "خطا أحمر لا ينبغي تجاوزه". 

وفي ربيع وصيف عام 2013، تسربت معلومات عن استعمال قوات النظام السلاح الكيماوي، ما جعل "الأسرة الدولية" تتحرك بقوة لإدانة هذه الجريمة. 

وبدأت فرنسا والولايات المتحدة، بمساعدة من المخابرات الإسرائيلية، في التحضير لخطة عسكرية ضد النظام السوري وترسانته الكيماوية، إلا أن إدارة أوباما اعترضت عليها في النهاية وأجهضتها. 

وفي 2 سبتمبر/ أيلول، بادرت فرنسا، بشكل منفرد، إلى نشر ما لديها من معلومات بخصوص السلاح الكيماوي الذي يتوفر عليه نظام الأسد، وركزت على الدور الأساسي لـ"المركز السوري الدراسات والأبحاث العلمية" في تطوير البرنامج.   




   

المساهمون