في هذه الأثناء، باركت مليشيا "كتائب حزب الله" الهجوم، لكنها تنصلت من تنفيذه، معتبرة في بيان لها أن على قوات الاحتلال تحمّل نتائج وجودها غيرِ الشرعي في العراق وتماديها بإرادة الشعب العراقي لن يكون بلا ثمن. وأضاف البيان "نجدد طلباً للإخوة الذين يعتقدون بضرورة العمل ضد القوات الأميركية في هذه المرحلة، أن يعرّفوا عن أنفسهم حفظاً لتاريخهم وتضحياتهم ودرءاً للشبهات، ونؤكد أننا سندافع عنهم، ونحذر من استهدافهم فالتعرض للأحرار سيوسع دائرة المُواجهة". كما هاجم البيان الجهات العراقية المستنكرة للهجوم، والتي أبدت تعاطفها مع ضحايا القصف على القاعدة.
وارتفع عدد القتلى العسكريين ضمن جهود التحالف الدولي هذا الأسبوع في العراق إلى 4 جنود ثلاثة منهم أميركيون وبريطاني، فضلاً عن متعاقد أميركي، إذ سبق أن قُتل جنديان أميركيان في مخمور شمالي غرب الموصل، يوم الاثنين الماضي، بمواجهات مع خلية مسلحة تابعة لتنظيم "داعش". وخلافاً للإعلان عن مقتل الجنديين الأميركيين في مخمور، والذي لم يقابل بإدانة أو تعليق من قبل الرئاسات العراقية الثلاث، سارع رؤساء الجمهورية، برهم صالح، وحكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، والبرلمان محمد الحلبوسي، وعدد من قادة الكتل السياسية إلى إدانة العملية، في مؤشر واضح على أن الهجوم تقف خلفه جهات أخرى.
وأبلغ جنرال عراقي بارز في قيادة العمليات المشتركة "العربي الجديد"، بأن حكومة بلاده تلقت إخطاراً من التحالف الدولي، صباح أمس الخميس، بضرورة الكشف عن الجهة التي تستهدف القواعد الموجود داخلها قوات التحالف الدولي والمصالح الأميركية وتسميتها في فترة أقصاها 48 ساعة، وفي حال عدم قدرة العراق على ذلك، سيتولى التحالف الدولي الدفاع عن قواته ومعاقبة المتورطين بالهجوم. وأكد أن التحالف الدولي طالب بإشراك العراق في أي تحقيق يقوم به، لكنه أبلغ العراقيين مسبقاً بأن الجهات المتورطة بالهجوم هي نفسها التي هاجمت السفارة الأميركية بوقت سابق.
وبحسب المسؤول ذاته فقد تم العثور على منصة إطلاق الصواريخ في منطقة المبزل القريبة من المعسكر المستهدف، وهي خاضعة لسيطرة الجيش العراقي ويتطلب دخولها عبور ثلاثة حواجز عسكرية، من المفترض أنها تقدم الحماية للقاعدة الأهم في بغداد، أي التاجي. ولمّح إلى أن كتائب حزب الله تعتبر المتورطة الرئيسية بالهجوم، الذي يرجح أن يكون رداً على اغتيال أبو مهدي المهندس، مؤسس المليشيا وزعيمها. وكشف أن رئاسة أركان الجيش والاستخبارات العسكرية، بدأت بطلب من عبد المهدي، بتقديم أسماء متورطين وإصدار أوامر اعتقال ضمن المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب بحقهم. وقد يكون هناك إعلان خارج المألوف عن التحقيقات السابقة بهدف احتواء الأزمة الجديدة مع الولايات المتحدة.
ومنذ 26 فبراير/ شباط الماضي، تشهد الساحة العراقية تصعيداً واضحاً في هجمات الكاتيوشا التي طاولت السفارة الأميركية لمرتين منذ ذلك الوقت، فضلاً عن قاعدة بلد الجوية ومنطقة القصور في الموصل التي تتواجد بها قوات أميركية، يقابله تصعيد آخر من بقايا وجيوب تنظيم "داعش"، في العراق عبر أكثر من 10 هجمات دامية طاولت قوات أمنية بنينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين.
ومساء الأربعاء وصل إلى العراق نحو 15 جثماناً لمقاتلين بمليشيات عراقية قضوا بضربات جوية في البوكمال السورية، بهجوم وقع بعد نحو ساعتين من القصف الذي طاول معسكر التاجي. وبحسب مصادر محلية فإن من بين القتلى قياديا في مليشيا "حيدريون"، وسام الطفيلي. وحتى الآن لم تتبنّ أي جهة القصف الذي طاول مناطق في السويعية والبادية والحزم والسك والصناعية ضمن البوكمال، وسقط فيه نحو 30 عنصراً من المليشيات.
في المقابل، ذكرت تسريبات من مصادر مقرّبة من "الحشد الشعبي"، أن فصائل مسلحة أخلت مواقعها ومقارّها في الأنبار وصلاح الدين ونينوى، وأخرى داخل العمق السوري بالمناطق الحدودية مع العراق في البوكمال والهري والتنف. وقال أحد المصادر لـ"العربي الجديد"، إن الفصائل التي أخلت مقارّها ووزّعت عناصرها على مواقع عدة، هي نفسها التي تتهمها واشنطن باستهداف مصالحها، لذا قد تلجأ واشنطن إلى استهدف قيادات فيها، لا مواقعها ومعسكراتها، كما حدث بقصف معسكر كتائب حزب الله في القائم في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، رداً على قتل متعاقد أميركي في قاعدة "كي وان"، بكركوك.
بدوره، رأى الخبير في الجماعات المسلحة هشام الهاشمي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "استهداف معسكر التاجي قزّم قدرات القيادة العراقية أمام فوضى وعدم انضباط فصائل خارج الحشد الشعبي، ودول التحالف الدولي تتحمل المسؤولية في الدفاع عن قواتها في العراق وأصبحت على يقين من تواطؤ بعض القيادات العسكرية والأمنية العراقية مع تلك الفصائل، إن التمرد الفصائلي بات خارج سيطرة الدولة". واعتبر أن "الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي لم يكتفوا بغارات البوكمال السورية، وأن الرد على الأرض العراقية قد يكون قريباً".
ولفت الهاشمي إلى أن "الأهداف التي ضربت في البوكمال، كانت لفصائل مسلحة مختلطة بينها فصائل عراقية تقاتل تحت إمرة الحرس الثوري الايراني وتعمل على تأمين طريق النقل بين العراق وسورية، قُتل منها جراء غارات التحالف نحو 27 عنصراً وجرح نحو 38 آخرين". ولم يستبعد أن "يصدر العراق بيانا رسميا بإعلان يُعامل تلك الفصائل معاملة الجماعات الإرهابية، وأن العديد من قيادات الفصائل خارج هيئة الحشد الشعبي قد تغيب عن المشهد مستقبلاً لأسباب عديدة، أبرزها الملاحقة القضائية الدولية والمحلية".
من جانبه، اعتبر نائب زعيم مليشيا "الأبدال"، أحد الفصائل المسلحة المقربة من إيران، الشيخ كمال الحسناوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه في حال أقدمت واشنطن على تنفيذ أي ضربة ضد الفصائل العراقية أو قادتها، فسيكلفها ذلك ثمناً كبيراً. وأضاف أن القوات الأميركية في العراق بوضع لا يمكنها أن توجه ضربة من خلاله، وسيكون هناك رد على قواتها بأسرع مما تتصور. ونفى توّرط الفصائل المسلحة بالهجوم الصاروخي قائلاً إن "الفصائل لا تريد إحراج الحكومة في الوقت الحاضر، ومن غير المستبعد أن تكون الولايات المتحدة قد فعلت ذلك، لغرض تنفيذ أهداف عدة في العراق".
وتحدث عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان كريم عليوي، لـ"العربي الجديد"، عما وصفه بـ"مخاوف كبيرة من ضربات أميركية ضد مقرات الحشد الشعبي وكذلك تنفيذ عمليات اغتيال ضد شخصيات قيادية فيه، أو في فصائل المقاومة الإسلامية كما حصل مع قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس رداً على هجوم التاجي". وحذّر عليوي وهو قيادي في تحالف "الفتح"، الولايات المتحدة من استهداف قيادات المقاومة والحشد الشعبي، فهذه المرة سيكون الرد عليها من خلال سفارتها في بغداد أقوى مما حصل سابقاً.