وكان نائبا مجلس الأمة الحاليين وليد الطبطبائي وجمعان الحربش، سلّما نفسيهما للسلطات فور صدور الحكم، مع عدد من الناشطين المعتقلين في القضية ذاتها، فيما فضّل عدد آخر من المعارضين الخروج بشكل سريع من البلاد قبل تسليم زعيم المعارضة مسلم البراك نفسه للسلطات، آتياً من السعودية، بانتظار الحكم النهائي. ومن المتوقع أن يحذو قادة المعارضة الآخرون، مثل فيصل المسلم ومبارك الوعلان، حذوه.
لكن استجواب وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند الصبيح، المقرّر اليوم الثلاثاء، من قبل ثلاثة نواب محسوبين على المعارضة، هم الحميدي السبيعي وخالد العتيبي ومبارك الحجرف، أدى إلى تشتت كتلة المعارضة وانقسامها وتصاعد الخلافات داخلها. وأكد العديد من أعضاء المعارضة، أن "الاستجواب جاء تقويضاً لجهودهم الرامية لمفاوضة الحكومة حول ملف الإفراج المؤقت عن المعتقلين، إلى حين صدور الحكم النهائي أو إصدار عفو أميري تجاه كافة القضايا السياسية". واتهموا المستجوبين بـ"خذلان المعتقلين والعمل من أجل أجندة بعض أطراف الحكم الطامحة إلى حلّ مجلس الأمة والدعوة لانتخابات جديدة".
والاستجواب مكوّن من خمسة محاور: الأول متعلق بالتجاوزات المالية والإدارية في الهيئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة، والثاني متعلق في قيام وزارة الشؤون بقطع المساعدات الاجتماعية عن الكويتيات المتزوجات من غير الكويتيين، والمحور الثالث مرتبط بالإخلال بالتركيبة السكانية وتعيين الوافدين ومحاربة الكفاءات الوطنية، والرابع بالفساد المالي والإداري في هيئة القوى العاملة، والخامس متعلق بالإضرار بالعمل النقابي.
وفي حال نجاح الاستجواب وحصوله على عدد أصوات كاف مؤهل لإسقاط الصبيح، فإن على الحكومة حينها تقديم استقالتها لأمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح، الذي قد يتخذ قرار حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة في الصيف، وذلك بعد أقل من سنتين على انتخاب البرلمان وتشكيل حكومة جديدة برئاسة ابنه الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، نائب رئيس مجلس الوزراء الحالي ووزير الدفاع، الذي اقتحم الحياة السياسية بشكل "مفاجئ" أخيراً في توليه أول حقيبة وزارية سيادية في حياته.
بدوره، قال النائب المعارض عادل الدمخي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "توقيت الاستجواب جاء في وقت نحن في أمس الحاجة فيه لتوحيد الصفوف وحل قضية المساجين العالقين بسبب القضايا السياسية، وعلى رأسها قضية دخول المجلس ووجود العشرات من المنفيين خارج البلاد بسبب أحكام السجن الصادرة ضدهم".
أما النائب الحميدي السبيعي، وهو أحد مقدمي الاستجواب، فكشف في مؤتمر صحافي له في البرلمان، أن "الاستجواب جاء مستحقاً بسبب الفساد الحكومي في وزارة الشؤون وتعدي الوزيرة ومستشاريها على حقوق ذوي الإعاقة والمواطنات الكويتيات، وأما من يتحدث عن التوقيت الخاطئ للاستجواب، فنقول له إن الحكومة ابتزت البرلمان مدة سنة كاملة، في قضية إصدار عفو عام عن القضايا السياسية، ثم فوجئنا بأنها لم تقم بذلك وأنها أضاعت سنة تشريعية كاملة علينا".
وسبق أن قدم نواب البرلمان الحالي في الدورة التشريعية الماضية استجوابين لكلٍ من وزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود الصباح، ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ محمد العبدالله الصباح، وانتهيا باستقالة كل منهما وابتعادهما عن العمل السياسي مؤقتاً.
وكان زعيم المعارضة داخل البرلمان النائب جمعان الحربش، قد عقد "صفقة" مع الحكومة تضمنت الموافقة على إعادة كافة الجنسيات التي سحبت من المعارضين السياسيين إبان فترة الاحتجاجات الشعبية (2011 ـ 2012)، وإصدار عفو عام وشامل ضد من صدرت بحقهم أحكام بالسجن لقضايا سياسية، وذلك في مقابل تمرير المعارضة لقوانين حكومية تتعلق بالميزانيات وفرض ضريبة القيمة المضافة. لكن الحكومة أخلت بهذا الاتفاق ورفضت تطبيقه عقب سنة كاملة منه. كما أن حكم محكمة الاستئناف في قضية اقتحام مجلس الأمة، أدى إلى سجن الحربش وانتهاء "الصفقة" بشكل نهائي.
وطلب النائبان السجينان وليد الطبطبائي وجمعان الحربش من رئيس مجلس الأمة الحضور لجلسة الاستجواب وممارسة حقهما الدستوري، كونهما "لا يزالان يتمتعان بالحصانة البرلمانية"، فيما هدد النائب المحسوب على التحالف الوطني المعارض للاستجواب، راكان النصف، باستجواب وزير الداخلية إذا ما قام بتمكينهما من حضور الجلسة.
ولم تقتصر خلافات المعارضة حول الاستجواب على قضية التوقيت فحسب، بل امتدت إلى ما هو أعمق من ذلك، إذ إن ابن أخ الوزيرة الحالية عاد الصبيح، تعرّض لاستجواب مماثل عندما كان وزيراً للإسكان عام 2000، من قبل كتلة العمل الشعبي، ممثلة بزعيمها الحالي مسلم البراك. أدى هذا الاستجواب إلى انقسام فئوي داخل البرلمان، فوقف النواب المنتمون إلى المناطق الداخلية وغالبيتهم من الليبراليين آنذاك ضد الاستجواب، رغم أن الوزير المستجوب كان إسلامياً لكنه من فئتهم، فيما وقف نواب المناطق الخارجية وغالبيتهم من الإسلاميين ضد الوزير. ما أدى إلى انقسام كافة الأحزاب السياسية آنذاك إلى قسمين ومرور البلاد بحالة أزمة فئوية.