الخلافات الداخلية تحصد قيادات "طالبان"

28 مارس 2017
مقاتلون من "طالبان" يسلمون أسلحتهم للسلطات الأفغانية (مجيد سعيدي/Getty)
+ الخط -
باتت الخلافات الداخلية في حركة "طالبان" في أفغانستان تهددها بالتشتت والانقسام إلى جماعات متناحرة، وهو ما بدأت تبرز بوادره، بينما كانت الحركة معروفة أيام مؤسسها الملا عمر مجاهد بالتماسك والوحدة. كما أن استمرار التصدعات الداخلية، سيجعل "طالبان" تمشي على خطى "الأحزاب الجهادية" إبان الغزو السوفييتي لأفغانستان والتي دفعت البلاد إلى أتون حرب داخلية استمرت لأعوام عديدة بعد هزيمة الروس.
ولم تسفر الخلافات الداخلية، بين قيادات "طالبان"، والتي برزت بعد الإعلان عن وفاة زعيمها الملا عمر في يوليو/ تموز من العام 2015، عن حصول قتال بين الأطياف المتخاصمة في شتى الأقاليم، بل آل الأمر إلى اغتيالات وقتل قياديين في ظروف غامضة ترجع في معظم الأحيان إلى الخلافات الداخلية، أو العداء مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وفي هذا الصدد، أفادت مصادر أفغانية بأن القيادي في الحركة الملا إسحاق جلاد، الذي كان يشغل منصب قاضٍ في الحركة، وبقي لفترة مسؤولاً عسكرياً في عدد من الأقاليم، قد اغتيل يوم الجمعة الماضي في مدينة كويتا الباكستانية. وقال مسؤول أمن إقليم غزنة العميد أمين الله أمرخيل، إن الملا إسحاق قُتل نتيجة الخلافات الداخلية في منطقة كوشلاغ بمدينة كويتا، جنوب غرب باكستان، حيث كان يسكن مع أسرته، موضحاً أن جثمان القيادي نُقل إلى منطقة أندر، مسقط رأسه في إقليم غزنة، وسط البلاد. وأضاف أمرخيل أن الملا إسحاق كان قيادياً بارزاً في "طالبان"، وأن العشرات من جنود الجيش والعاملين في الحكومة المحلية قد أعدموا نتيجة حكمه عليهم، إذ كان قاضي "طالبان" في إقليم غزنة.
وتطول قائمة القياديين في "طالبان" الذين قُتلوا نتيجة الخلافات الداخلية، أبرزهم الملا منصور دادالله، القيادي البارز في الحركة وشقيق الملا دادالله، أحد المقربين من مؤسس الحركة الملا عمر، وهو قُتل في إقليم زابل، إضافة إلى الملا عبد الرقيب، وزير المهاجرين إبان حكومة "طالبان"، وقد اغتيل في مدينة بيشاور الباكستانية، والملا نصير الدين حقاني، القيادي الشهير في شبكة حقاني الموالية لـ"طالبان"، وقد اغتيل في ضواحي العاصمة الباكستانية إسلام أباد، والمولوي محمد عالم، القيادي الذي اغتيل في مدينة كويتا الباكستانية، وقاري سيد مراد، القائد الميداني في الحركة واغتيل في مدينة بيشاور. أما القادة من الدرجة الثانية، فهم كثر ومعظمهم قُتلوا في مدينتي بيشاور وكويتا الباكستانيتين.
كما مكّنت الخلافات الداخلية جهازي الاستخبارات الأفغانية والأميركية من الوصول إلى الكثير من قيادات الحركة والقضاء عليهم. وقالت الحكومة الأفغانية إن مقتل القيادي في الصف الأول للحركة الملا عبد السلام في إقليم قندوز هذا الشهر، كان نجاحاً كبيراً للحكومة الأفغانية، إلا أن مصادر "طالبان" أشارت إلى أن الخلافات الداخلية مكّنت القوات الأفغانية من الوصول إليه. وفي هذا السياق، قال القيادي في الحركة الملا عبد المنان أخوند، في منشورات وُزعت في إقليمي هلمند وهرات وغيرهما، إن السياسة الهشة والاستراتيجية الضعيفة لزعيم الحركة الملا هيبت الله أخوند زاده هي التي أدت إلى قتل الرجل، وتمكُّن قوات الأمن من كشف مكان إقامته والقضاء عليه. وهدد باتخاذ خطوات أخرى إذا ما استمر زعيم الحركة في سياساته.


ومن أهم وأبرز أسباب الخلافات الداخلية في "طالبان" فقدان القيادة وتعيين الزعامة من دون الإجماع، كما يقول قياديون منشقون. كذلك إقدام الزعيم الحالي الملا هيبت الله أخوند زاده على إقالة عدد كبير من القادة الميدانيين في الحركة، وجلّهم من المقربين من مؤسس الحركة الملا عمر، وهو ما أشار إليه الملا عبد المنان أخوند.
إضافة إلى ذلك، جاء ظهور تنظيم "داعش" ونفوذه في شرق وجنوب البلاد في ظل الخلافات الداخلية في "طالبان"، ما دفع الكثير من القياديين في الحركة إلى تركها والتوجّه نحو التنظيم. واشتعل فتيل الحرب بين الحركة والتنظيم، فقُتل عشرات المسلحين خلال المعارك بين الطرفين، كما أقدم التنظيم على اغتيال قادة مهمين في "طالبان"، منهم حاكمها في إقليم ننجرهار، المولوي مير أحمد، الذي اغتيل على يد "داعش" في مدينة بيشاور الباكستانية، كما قُتل قبل أيام قيادي آخر في الحركة ويدعى الملا خونا في مدينة بيشاور، وقد تبنّى تنظيم "داعش" المسؤولية عن قتله.
كذلك يشير البعض إلى تقارب "طالبان" مع موسكو وطهران، وهو ما أدى إلى فجوة كبيرة بين قيادات الحركة، ويتحدث البعض عن أن زعيم الحركة أجرى التغييرات الأخيرة في الصف القيادي بإشارة من استخبارات المنطقة، ذلك لأن الدعم الروسي والإيراني لـ"طالبان" هو لمحاربة "داعش"، وذلك يستدعي تغيير القيادة الميدانية.
وتُعدّ علاقة "طالبان" بإيران وروسيا أبرز أسباب الانشقاق، ويبدو من سير الأحداث أن الحكومة الأفغانية تغاضت في البداية عن علاقة الحركة بموسكو وطهران، وهو ما أدى إلى استياء قياديين في "طالبان"، خصوصاً الذين شاركوا في "الجهاد" الأفغاني ضد الروس والمتشددين في الحركة، الذين يستدلون بذلك إلى موقف مؤسس الحركة الملا عمر إزاء إيران. ومن هؤلاء أسرة الملا عمر والقادة المقربون منه.
ولكن روسيا تنفي بشكل متكرر تقديم الدعم لحركة "طالبان". وقبل بضعة أيام، قال ممثل روسيا الخاص في أفغانستان زامير كابولوف، لوكالة "ريا نوفوستي"، عن هذا الموضوع، إنها "ادعاءات كاذبة تماماً وأوهام لتبرير انهيار العسكريين والسياسات الأميركية في أفغانستان. ليس هناك تفسير آخر". وجاء ذلك بعدما كان القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان الجنرال كورتس سكاباروتي، قال خلال جلسة استماع في الكونغرس، إن روسيا تزود "ربما" حركة "طالبان" بالأسلحة.
ولا تلوح في الأفق أي بوادر لحل النزاعات الداخلية داخل الحركة ووقف عمليات الاغتيال، ما يشير إلى أن هذه الخلافات، إضافة إلى العداء مع "داعش"، سيقضيان في المستقبل على الكثير من قيادات الحركة، لا سيما أن الاستخبارات الأفغانية والأميركية تستغلانها لأجل القضاء على قيادة الحركة.

المساهمون