حرب طرابلس بلا انفراجة: حسم مفقود وجهود سياسية معطّلة

11 اغسطس 2019
فشل حفتر في فعل شيء في طرابلس(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

لا تشير الأوضاع الميدانية المتشابكة بالجانب السياسي، إلى انفراجة قريبة للأوضاع في العاصمة الليبية طرابلس، فمقابل عجز اللواء المتقاعد خليفة حفتر عن حسم المعركة التي أطلقها في 4 إبريل/نيسان الماضي باتجاه العاصمة، لم تنجح القوات الموالية لحكومة الوفاق التي يرأسها فائز السراج في تحقيق نصر كلي جنوب طرابلس وطرد كامل مليشيات حفتر منها، فيما يستمر تراجع الوضع الإنساني مع ازدياد أعداد النازحين، وفي ظل استهداف المدارس والمراكز السكنية بالقصف الجوي من المليشيات. ولا تزال محاور القتال ومواقع الطرفين جنوبي طرابلس على حالها، بعد أكثر من أسبوعين على خروج حفتر الثاني، معلناً استمرار المعركة على طرابلس، بعد خروجه الأول للإعلان عن بدء المعركة في الرابع من إبريل. وعلى الرغم من تكهّن عدد من أنصاره بإمكانية إعلانه، خلال إطلالته الثانية في 24 يوليو/تموز الماضي، عن ساعة صفر "المعركة النهائية"، إلا أنه كان أكثر واقعية، إذ اعترف بطول أمد المعركة، داعياً جنوده للتحلي بالصبر والثبات، وهو ما اعتبره مراقبون إصراراً منه على الاستمرار في المعركة، على الرغم من هزائمه المتلاحقة، بدءاً من غريان في نهاية يونيو/حزيران الماضي، ومروراً بتمكّن القوات الموالية لحكومة الوفاق من تدمير مركز قواته في قاعدة الجفرة، وانتهاء بتراجع مليشياته عن مواقعها جنوب العاصمة.

ميدانياً، يؤكد مكتب الإعلام الحربي، التابع لرئاسة أركان الجيش بقيادة الحكومة، استمرار الهدوء الحذر في أغلب محاور القتال جنوب العاصمة، بعد أن حققت وحدات الجيش تقدماً نسبياً في محاور جنوبي شرق طرابلس، مشيراً إلى استمرار الضربات الجوية على تمركز مليشيات حفتر جنوب العاصمة وعلى تمركزاتها المتنقلة في خطوط الإمداد بين جنوب طرابلس وقاعدة الجفرة. لكن المتحدث الرسمي باسم اللواء 73 التابع لمليشيات حفتر، المنذر الخرطوش، أعلن في تصريحات صحافية أمس الأول الجمعة، عن تقدّم مليشياته في محور خلة الفرجان. غير أن قادة الجيش التابع للحكومة اعتبروا تصريحات حفتر وضباطه مجرد "تهويل إعلامي". وكان المتحدث الرسمي باسم قوات الجيش التابعة الحكومة، العقيد محمد قنونو، اعتبر إعلان حفتر وضباطه عن الاستعدادات لمعركة فاصلة في طرابلس "تهويلاً إعلامياً"، وقال في تصريح سابق لـ"العربي الجديد" إنهم "في كل مرة يعلنون فيها الاستعداد للمعركة نرد لتوضيح الحقيقة لنجد أنفسنا نعطيهم حجماً أكبر من حجمهم".

ولا يزال حفتر يعول بشكل كبير على الضربات الجوية على مواقع قوات الجيش، فخلال ليل الإثنين الماضي نفذ ضربات عدة استهدفت مقر الكلية الجوية في طرابلس، التي تعد من أهم مواقع انطلاق طيران قوات الجيش، كما استمر في قصف مطار معيتيقة في العاصمة، مع تبرير حفتر ذلك بوجود قسم عسكري في المطار تنطلق منه طائرات الجيش، على الرغم من نفي الحكومة المتكرر لذلك.

وعلى الرغم من إعلان حفتر في العديد من المرات عن مسؤوليته المباشرة عن استهداف المطار، إلا أن البعثة الأممية لا تزال غير واضحة في مواقفها من عدوان حفتر على طرابلس، فبدلاً من مطالبته بوقف قصف المطار، دعت البعثة الأممية حكومة الوفاق للكف عن استخدام المطار لأغراض عسكرية، وهو ما دفع الحكومة لتوجيه دعوة للمبعوث الأممي، غسان سلامة، لزيارة المطار للتأكد من خلوه من مظاهر التسلح. وعلى الرغم من اعتذار سلامة على التصريحات بشأن المطار إلا أنه لم يعلّق مرة أخرى على استمرار استهداف طيران حفتر للمطار. ويرى مراقبون للوضع أن جبهة حفتر تعيش حالة تفكك وخلافات تعصف بقادتها، فقرارات حفتر بتعيين قادة جدد لمليشياته سواء في محاور القتال أو في الغرفة المركزية لقيادة المعركة في قاعدة الجفرة (550 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة)، تشير إلى ذلك.



ورأى الخبير العسكري الليبي، محيي الدين زكري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "لجوء حفتر لقصف مدينة مرزق بشكل مروّع يدل على تنامي المعارضة القبلية في جنوب البلاد، ما يعني أن وضعه العسكري هناك مهدد بشكل كبير"، لافتاً إلى أن المعلومات تشير أيضاً إلى حملة اعتقالات نفذها حفتر في شرق البلاد ضد قيادات قبلية ومدنية. وتتواجد مجموعات مسلحة قبلية عديدة في مرزق جنوب البلاد، تعمل تحت مسمى "قوة حماية الجنوب" مؤلفة في أغلبها من مسلحي قبيلة التبو، تعارض سيطرة حفتر على المدينة وعلى مناطق الجنوب الليبي، وسبق أن اشتبكت مع مليشياته في المدينة في مناسبات عدة. وقال زكري إن "اختفاء عدد من السياسيين والنشطاء المعارضين لحفتر، مثل النائبة سهام سرقيوة، دليل واضح على ارتباك كبير تعيشه جبهته، وهو ما أثّر بشكل كبير على قوته جنوب طرابلس".

وأشار إلى تراجع المواقف الدولية التي كانت تحمل تأييداً لحفتر، قائلاً إن "المطالب الفرنسية المتزايدة لمحاسبة الحكومة في باريس على دعمها لحفتر أضعفت من قوة الدعم للأخير بشكل كبير". وبحسب معلومات زكري، فإن حفتر ناقش في زيارته الأخيرة للقاهرة، التي أشارت إليها وسائل إعلام مقربة من حفتر مطلع الأسبوع الماضي، إمكانية توجه مصر لحشد دولي جديد، لكن الأخيرة ترى أن جنوح حفتر للمطالب الدولية للعودة لطاولة التفاوض السياسي أنسب لوضعه المتهاوي، وفق زكري.

ورجح زكري أن يكون "عامل الزمن" الفيصل في نتائج المعركة، قائلاً "أعتقد أن الطرفين يعولان على عامل الزمن وتراجع معنويات مقاتلي الآخر، واستمرار الخسائر البشرية سيكون العامل الحاسم"، مشيراً إلى أن قوات الجيش قد تعول أيضا على عامل المباغتة لاقتحام قاعدة الجفرة كما حدث في غريان سابقاً.

وتزايدت حدة الاعتقالات والإخفاء القسري في بنغازي منذ اختفاء سرقيوة، في 17 يوليو/تموز الماضي، بعد ظهورها في إحدى القنوات الفضائية منتقدة مليشيات حفتر في طرابلس، تزامناً مع ارتفاع حدة الاستنكار القبلي المحلي تجاه موجة الاعتقالات. ونشرت مجموعة إعلامية أمس الأول الجمعة فيديو لقيادات قبيلة السعيطات، شرق البلاد، تطالب فيه قيادة حفتر بإطلاق سراح محمد مفتاح السعيطي، الذي اختطف من قبل مجموعة مسلحة تابعة لحفتر ليل الخميس الماضي. وفيما أكد زعماء القبيلة مسؤولية فصيل مسلح تابع لحفتر عن اختطاف ابنهم، أكد ناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي أن المختطف الذي ترشح لمنصب عميد بلدية بنغازي ممثلاً للقبيلة يتوفر على مواقف رافضة لمساعي حفتر لعسكرة البلاد.

أما من الجهة السياسية، وتوازياً مع الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش ضد مليشيات حفتر، فإن توجّه البعثة الأممية والمجتمع الدولي لإعادة الحياة للعملية السياسية، تبدو مهددة بالفشل، فيما قبول حفتر وحكومة الوفاق بالهدنة التي أعلنت البعثة الأممية عنها خلال أيام عيد الأضحى يبقى مثار تشكيك بإمكان خرقها.

ووافقت حكومة الوفاق، ليل الجمعة، على القبول بالهدنة، مع اشتراطها أن "تشمل كافة مناطق الاشتباك، وتتوقف تماماً الرماية المباشرة وغير المباشرة أو أي تقدم للمواقع الحالية"، بالإضافة إلى حظر نشاط الطيران الحربي وطيران الاستطلاع في كافة الأجواء ومن كافة القواعد الجوية التي ينطلق منها، و"عدم استغلال هذه الهدنة لتحرك أي أرتال أو القيام بأي تحشيد"، و"تولي البعثة الأممية للدعم في ليبيا ضمان تنفيذ اتفاق الهدنة ومراقبة أي خروقات". إلا أن مدير إدارة التوجيه المعنوي في رئاسة أركان الجيش، ناصر القايد، أعلن عن رفض قوات الجيش للهدنة، معتبراً أن القانون العسكري لا يعترف بحفتر باعتباره "خارجاً عن الشرعية، وبالتالي فالقانون لا يحمل في مواده هدنة معه". وأكد القايد، في تصريحات تلفزيونية ليل الجمعة، تعليقا على قبول الحكومة للهدنة، أن "الحكومة تعلن عن هدنة والمعلومات تتحدث عن أن مليشيات حفتر تعد لهجوم خلال أيام العيد على طرابلس، فكيف تكون هناك هدنة"، متسائلاً "مع من الهدنة وحفتر يقاتل بالمرتزقة، وإذا اعترف الجانب السياسي والحكومة بالهدنة فنحن كعسكريين لا نعترف"، متهماً البعثة الأممية في ليبيا بأنها ليست طرفاً محايداً حتى يكون لها أي ميثاق أو عهد، فسلامة "يريد من خلال الهدنة منا أن نعترف بالطرف الآخر وهو المجرم حفتر".

في غضون ذلك، تتزايد المأساة الإنسانية والتي طاولت مناطق أخرى خارج طرابلس. وقدّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نزوح 105 آلاف شخص من ديارهم منذ معركة حفتر على طرابلس، يعيش أغلبهم في مناطق مجاورة لطرابلس. لكن وزارة شؤون النازحين في حكومة الوفاق، تقول إن تقديرات الأمم المتحدة بشأن الأوضاع الإنسانية جراء الحرب جنوب طرابلس، غير حقيقية، وأكدت في بيان لها قبل أيام، نزوح أكثر من 130 ألف شخص، ومقتل أكثر من 1048 شخصاً، بينهم 106 مدنيين، وجرح 5558 آخرين. كما أشارت البيانات المتلاحقة لوزارة شؤون النازحين إلى أن النازحين شكّلوا أزمة متزايدة في ظل تردي الأوضاع المعيشية في مناطق النزوح ما ضاعف من معاناتهم الإنسانية، بالإضافة لتأثر المدن التي استقبلت النازحين. من جهتها، قدّرت منظمة اليونيسف، في بيان لها قبل أيام، عدد الطلاب الذين أجبرتهم الحرب على ترك مدارسهم بـ130 ألف طالب في طرابلس، لا سيما بعد استهداف طيران حفتر لمدرستي العلمين وأبي الأشهر في العاصمة.