في خطوة مفاجئة، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مساء أول من أمس السبت قراراً جمهورياً بالعفو عن 3175 من المحكوم عليهم في قضايا متنوعة، وهو رقم يعتبر الأكبر الذي يتضمنه قرار للعفو محدد الأسماء في عهد السيسي، وأضيف إليهم أكثر من 2300 محكوم استفادوا من العفو الجديد بمناسبة عيد الفطر، ليبلغ العدد الإجمالي 5532، يضافون إلى أكثر من 4 آلاف محكوم عليهم خرجوا من السجون بعفو رئاسي بتخفيف العقوبة وبالإفراج الشرطي بمناسبة ذكرى الاحتفال بعيد تحرير سيناء الأخير.
ويختلف قرار العفو الذي يتضمن الأسماء عن القرارات الخاصة بالمناسبات في أنّه يعدّ من قبل العديد من الجهات الأمنية، ولا يشمل بالضرورة سجناء على ذمة الجرائم التي يسمح العفو الخاص بالمناسبات بالإفراج عن أصحابها. إذ قد يشمل مدانين في الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من الخارج والداخل، والمفرقعات، والرشوة، وجنايات التزوير، والجرائم الخاصة بتعطيل المواصلات، والجنايات المنصوص عليها في قانون الأسلحة والذخائر، وجنايات المخدرات والاتجار فيها، وجنايات الكسب غير المشروع، والجرائم المنصوص عليها بقانون البناء، وغيرها من القضايا التي لا تطبق فيها قواعد الإفراج الشرطي أو بمضي نصف المدة للمستحقين.
واختلف قرار العفو الأخير عن قرارات العفو السابقة محددة الأسماء، بأنّ الغالبية الكبرى من المذكورين هم من المدانين في قضايا جنائية عادية. إذ رصد "العربي الجديد" نحو ألف من المتهمين مدانين في قضايا جنائية عادية مثل القتل والشروع في القتل والاتجار بالمخدرات والبشر وإدارة شبكات دعارة والفساد البنكي والنصب، ونحو ألفين من المتهمين في قضايا جنح بسيطة، ودعارة وسرقة تيار كهربي ومخالفة شروط بناء، ومخالفات اقتصادية معظمها يعود للأعوام من 2016 إلى 2019.
أمّا القسم الأقل في القائمة، فشمل العشرات من المدانين أمام القضاء العسكري في جنح وجنايات معظمها ليس لها أي بُعد سياسي، وكذلك المتهمين في قضايا أمن دولة طوارئ، والذين معظمهم ليسوا محبوسين بسبب قضايا تظاهر أو عنف أو إرهاب.
وكان قرار العفو الصادر في فبراير/شباط الماضي هو أول قرار محدد الأسماء يصدره السيسي ويضم عدداً من السجناء الجنائيين في قضايا بسيطة، مثل خروج محبوسين في قضايا تسوّل وتموين وسرقة، الأمر الذي كان استثنائياً، وتحوّل في قرار أول من أمس إلى قاعدة.
ولم يروج النظام للقرار الأخير إعلامياً كما كان يحدث من قبل، باعتباره يمثل انفراجة اجتماعية أو سياسية، ربما اعترافاً بخلوه من أسماء ضحايا القضايا التي تهم الرأي العام.
وفي السياق، قال مصدر شرطي في الأمن العام المصري لـ"العربي الجديد"، إنّ القرار جاء في إطار خطة حكومية لتخفيف الازدحام داخل السجون بسبب التخوف من انتشار فيروس كورونا بين السجناء، وتعقيد الإجراءات المتبعة لحماية الأخيرين من العدوى، وهو الأمر الذي كان سبباً أساسياً لضخامة عدد المستفيدين من العفو أيضاً في إبريل/نيسان الماضي.
وذكر المصدر أنّ الهدف من هذا الإجراء تخفيف وطأة التدابير التي تتخذ في السجون حالياً لمنع انتشار العدوى، على إدارات السجون ذاتها، والتي تتبع منذ شهرين ونصف الشهر إجراءات غير معتادة في ما يتعلق بتقليل الإجازات والكشف الطبي المستمر على السجناء والضباط وأفراد الشرطة، فضلاً عن منع الزيارات تماماً. ووفقا للمصدر، فإنّ هناك عدداً من السجون أصبحت كثافة الإشغال فيها منخفضة للغاية، بينما كثافة الإشغال في بعض السجون التي تخصص للسجناء السياسيين وقضايا التظاهر والإرهاب ما زالت عالية، مشيراً إلى أنّ هناك خطة لنقل أعداد من السجناء بين السجون في إطار إعادة توزيعهم.
يأتي هذا في الوقت الذي ترفض فيه السلطات إخلاء سبيل المحبوسين احتياطياً كنوع من تدابير مواجهة كورونا، وتتوسّع في القبض على المواطنين وفتح قضايا جديدة تتضمن اتهامات بنشر أخبار كاذبة أو بإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وتدوير عدد من مستحقي إخلاء السبيل في قضايا جديدة.
وعن أبرز اسم في قائمة العفو، وهو ضابط أمن الدولة السابق، محسن منير علي حمدي السكري، قاتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم عام 2008، أوضح المصدر الشرطي أنّ السكري تمّ وضعه في القائمة بعد التماسات ووساطات عديدة بذلها عدد كبير من رجال الأعمال وضباط الشرطة الكبار خلال السنوات الماضية، مشيراً إلى أنّ الرئاسة سبق أن رفضت إدراج اسمه في قرار العفو الصادر في فبراير/شباط الماضي، ووافقت على ذلك الآن نظراً لتضمن القرار عدداً كبيراً من المدانين في قضايا شبيهة تعود للعقد الماضي.
وكان السكري قد قتل الفنانة سوزان تميم ذبحاً بسكين في شقتها بدبي في 28 يوليو/تموز 2008 بتحريض من رجل الأعمال المصري الشهير هشام طلعت مصطفى. وكان مصطفى والسكري قد قدما لمحاكمة شهيرة في مصر انتهى فصلها الأول في يونيو/حزيران 2009 برئاسة المستشار محمدي قنصوه، بمعاقبتهما بالإعدام شنقاً بعد موافقة مفتي الديار المصرية. لكنّ المتهمين طعنا في الحكم أمام محكمة النقض التي ألغت الحكم، فأعيدت محاكمتهما أمام محكمة جنايات القاهرة بهيئة مغايرة برئاسة المستشار عادل عبد السلام جمعة، وطلبت النيابة العامة مجدداً توقيع أقصى العقوبة على المتهمين، لكن محكمة الإعادة قضت في سبتمبر/أيلول 2011 بتخفيف العقوبة، بأن عاقبت السكري بالسجن المؤبد عن واقعة قتل سوزان تميم، بجانب عقوبة السجن المشدد لمدة 3 سنوات عن واقعة حيازته سلاحاً نارياً وذخيرة من دون ترخيص. فيما عاقبت مصطفى بالسجن المشدد لمدة 15 عاماً عن واقعة التحريض والاشتراك في القتل ومصادرة مبلغ مليوني دولار كان سلم إلى السكري والسلاح والذخيرة المضبوطة. وأيدت محكمة النقض هذا الحكم رافضة كل الطعون.
وقضى هشام طلعت مصطفى سنوات حبسه متنقلاً بين المستشفيات بحجة مرضه، حتى تمّ الإفراج عنه بعفو رئاسي بمناسبة عيد الفطر منذ ثلاثة أعوام. بينما بذل السكري، ووالده اللواء السابق في الداخلية، محاولات عديدة لتخفيف الحكم، بما في ذلك دفع "دية" لأسرة الفنانة المقتولة، والمطالبة بتطبيق القانون الإماراتي باعتباره الأصلح للمتهم، لكن المحاكم المصرية رفضت الاعتداد بتلك الإجراءات وظلّ محبوساً، إلى أن صدر قرار العفو الأخير. وبذلك يكون السكري قد قضى في السجن 11 عاماً و10 أشهر فقط من إجمالي 28 عاماً حُكم عليه بها؛ المؤبد (25 عاماً) للقتل، و3 سنوات لحيازة سلاح من دون ترخيص.
وبحسب تقرير نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" في 16 مارس/آذار الماضي، بعنوان "لماذا على مصر الإفراج عن السجناء المحتجزين ظلماً الآن؟" فإن "السجون المصرية تشتهر باكتظاظها وقذارتها ومخالفتها لقواعد النظافة والصحة". وفيما تضمّنت التوصيات العالمية لاحتواء الفيروس ومنع وصوله إلى السجناء، التي جمعتها منظمة "ديغنيتي"(Dignity) في ملف واحد، إلزام الدول بحق السجناء في الحصول على الرعاية الصحية، توفي خمسة سجناء ومعتقلين في السجون ومقار الاحتجاز المصرية في مارس/آذار الماضي وحده، بخلاف خمسة آخرين توفوا في فبراير/شباط الماضي، إلى جانب وفاة سبعة معتقلين آخرين في يناير/كانون الثاني الماضي، نتيجة الإهمال الطبي المتعمد. بينما توفي 449 سجيناً في أماكن الاحتجاز خلال الفترة ما بين يونيو/حزيران 2014 وحتى نهاية 2018. وقد ارتفع هذا العدد ليصل إلى 917 سجيناً في الفترة بين يونيو/حزيران 2013 وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بزيادة مفرطة خلال عام 2019، بينهم 677 نتيجة الإهمال الطبي، و136 نتيجة التعذيب، بحسب آخر تحديث حقوقي.
وفيما تشدد التوصيات العالمية على ضمان النظافة الصحیة المناسبة للموظفین والمحتجزین وتوافر إمكانیة الوصول إلى لوازم النظافة، منعت إدارات بعض السجون إدخال منظفات ومعقمات للسجناء والمعتقلين، كما حدث مع المحامي الحقوقي المعتقل محمد الباقر، وفقاً لرواية زوجته.
ومن ضمن التوصيات العالمية أيضاً النظر في استراتیجیات بدیلة للزیارات (مثل التواصل الإلكتروني، وزیادة الوقت المتاح لاستخدام الهاتف)، لكن العديد من أهالي المعتقلين السياسيين لا يزالون يشكون من عدم قدرتهم على الاطمئنان على ذويهم منذ قرار منع الزيارات الصادر في 10 مارس الماضي، وهو ما ينطبق على أسرة الناشط السياسي البارز علاء عبد الفتاح.
ويبلغ عدد السجون في مصر 68 سجناً، أُنشِئ 26 منها بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013. وعلاوة على هذه السجون، هناك 382 مقر احتجاز داخل أقسام ومراكز الشرطة في مختلف المحافظات، إضافةً إلى السجون السرية في المعسكرات، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن "المنظمة المصرية لحقوق الإنسان".