وأعلن ترامب مساء الإثنين في تغريدة عبر حسابه على موقع "تويتر"، أنّ السعودية ستتكفّل بالمبلغ المطلوب لإعادة إعمار سورية، بدلاً من الولايات المتحدة. وكتب "وافقت المملكة العربية السعودية الآن على إنفاق الأموال اللازمة للمساعدة في إعادة إعمار سورية بدلاً من الولايات المتحدة"، مضيفاً "أترون؟ أليس من الجيّد أن تقوم الدول فاحشة الثراء بالمساعدة في إعادة إعمار جيرانها بدلاً من دولة عظمى، الولايات المتحدة، التي تبعد 5 آلاف ميل... شكراً للسعودية".
ولم يصدر أي تعليق فوري من السلطات السعودية بشأن ما أعلنه ترامب حول إعادة إعمار سورية، ولكن تبرز مؤشرات عدة على نيّة الرياض زيادة وتيرة "التطبيع" مع النظام السوري في المرحلة المقبلة، خصوصاً أنها تبحث عن رضى واشنطن حتى لا تتفاعل قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي قُتل في قنصلية بلاده في إسطنبول في بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتصل لمرحلة التدويل لما لذلك من تبعات كبرى على المملكة.
ومن الواضح أن الرياض بدأت في الآونة الأخيرة فتح قنوات اتصال مع نظام الأسد من خلال وكلاء لها في العالم العربي، وربما تأتي زيارة الرئيس السوداني، عمر البشير، أخيراً إلى العاصمة السورية، دمشق، في هذا السياق، إذ ترتبط الرياض والخرطوم بعلاقات جيدة، وتشارك الأخيرة في "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية في حرب اليمن. كذلك، جاءت زيارةُ علي مملوك، رئيس جهاز "الأمن الوطني" في سورية والرجل القوي في نظام الأسد، إلى القاهرة قبل أيام، ولقاؤه هناك برئيس جهاز الاستخبارات العامة المصري، اللواء عباس كامل، لتؤكد التوجه العربي الواضح، والذي تقع الرياض في قلبه، لإعادة تعويم نظار بشار الأسد في المرحلة المقبلة.
وكانت مصادر مصرية مقرّبة من دوائر الحكم، قالت لـ"العربي الجديد"، إنّ زيارة مملوك تضمّنت تبادل رسائل وصفتها بـ"إقليمية"، لافتةً إلى أنّ "من بين ما جرى التباحث بشأنه هو البحث عن صيغة لإشراك النظام السوري في القمة العربية المقبلة ممثلاً لمقعد سورية". كما تضمّن اللقاء، بحسب المصادر، "نقل رسائل سعودية إلى بشار الأسد بشأن ترتيبات المرحلة المقبلة".
وأوضحت المصادر أن التحالف الرباعي، الذي يضمّ كلاً من مصر والسعودية والإمارات والبحرين، يرغب في توسيع قنوات الاتصال مع النظام السوري، بادعاء تضييق مساحات الحركة الإيرانية في دمشق، لافتةً في الوقت ذاته إلى أنّ "انفتاحاً سعودياً ستشهده المنطقة على الأزمة السورية". وأكدت المصادر أنّ "التحركات كافة في الوقت الراهن ليست بعيدة عن مجموعة اتفاقات سياسية وإقليمية جرت على ضوء الأزمة التي تمرّ بها السعودية في أعقاب مقتل خاشقجي، وتورُّط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بشكل مباشر في هذه الجريمة".
وحاولت السعودية الدخول على خط الأزمة السورية من بابها الخلفي، من خلال دعم "قوات سورية الديمقراطية" التي تشكّل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، نكاية بتركيا التي تعتبرها منظمة إرهابية يجب القضاء عليها. وفي أغسطس/آب الماضي، قدّمت الرياض مبلغ 100 مليون دولار قالت إنه "سيوجه لإعادة إحياء المجتمعات في مناطق مثل الرقة، ولتمويل إعمار الأحياء المدمرة والخدمات الصحية والزراعة والكهرباء والمياه والتعليم والمواصلات".
وتسيطر الوحدات الكردية على جزء كبير من محافظة الرقة السورية وذلك بعد أن تمّ انتزاعها العام الماضي من تنظيم "داعش"، والتي دمرها "التحالف الدولي" بقيادة واشنطن والذي تعدّ السعودية جزءاً منه. وفي أواخر العام الماضي، زار وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر السبهان، ريف الرقة الشمالي، في رسالة واضحة من الرياض على دعمها قوات "سورية الديمقراطية" في سياق تنافسها على النفوذ في سورية مع أنقرة وطهران.
وفي سياق التقرّب السعودي من نظام بشار الأسد، أكّدت مصادر دبلوماسية ما تردد على لسان النائب اللبناني، عبد الرحيم مراد، بأنّ الإمارات العربية المتحدة باتت على وشك إعادة افتتاح سفارتها في العاصمة السورية دمشق، مشيرة في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ رئيس الاستخبارات الإماراتي، علي محمد الشامسي، التقى منذ أشهر في دمشق مدير مكتب الأمن الوطني السوري علي مملوك، لمناقشة إعادة العلاقة الدبلوماسية بين الطرفين.
ولا يمكن أن تقدم الإمارات على خطوة كهذه من دون موافقة القيادة السعودية التي لا تزال تحاول احتواء المعارضة السورية. إذ باتت الرياض المقر الرسمي لهيئة التفاوض التي عقدت اجتماعَي الرياض 1 و2 في العاصمة السعودية. وقد ضغطت وزارة الخارجية السعودية على الهيئة من أجل تليين موقفها حيال القضايا الخاصة بالتفاوض مع النظام، واضطرت المعارضة أخيراً إلى القبول بالدخول في اللجنة الدستورية لوضع دستور جديد لسورية، قبل تحقيق الانتقال السياسي في البلاد، وفق القرارات الدولية، وذلك تحت ضغط سعودي كان السبب المباشر في إدخال "منصة موسكو" التي لا تدعو إلى تنحية بشار الأسد في الهيئة، وهو ما أسهم في تمييع مواقف الأخيرة في العديد من القضايا.
إلى ذلك، قالت مصادر في المعارضة السورية لـ "العربي الجديد"، إنه لم تعد خافية محاولات دول عربية، أبرزها السعودية، التقرّب من نظام الأسد، مدرجةً زيارة علي مملوك المعلنة إلى القاهرة في هذا الإطار. وأكدت المصادر، التي فضّلت عدم ذكر هويتها، أنّ هذا المسعى لن يكتب له النجاح فـ"النظام فقد شرعيته الأخلاقية قبل السياسية لدى معظم السوريين، ولن يستطيع أحد تعويمه مرة أخرى بناء على رغبة أميركية أو روسية"، معتبرةً أنّ "زيارة هنا أو هناك أو حتى افتتاح سفارة، لن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ولا حلّ إلا وفق قرارات الشرعية الواضحة".
واستغربت المصادر أن يكون موقف دول غربية "متقدماً بأشواط حيال نظام بشار الأسد، مقارنة بموقف الدول العربية"، مشيرةً إلى أنّ "الاتحاد الأوروبي كان واضحاً بتأكيده عدم المشاركة بإعادة الإعمار قبل إيجاد حلّ سياسي جدي". وحول إعادة الإعمار التي من المفترض أن تسهم بها السعودية، أكدت المصادر استحالة البدء بهذا الأمر في ظلّ الظروف الراهنة، قائلة "حتى واشنطن تتخبط حيال الملف السوري الذي يزداد تعقيداً، والصورة غير واضحة والأمر ليس بهذه السهولة". وشددت المصادر على أنه "لا بدّ من حلّ سياسي يقنع السوريين في داخل البلاد وخارجها حتى نشرع في إعادة الإعمار".