وعلى الرغم من كشف الاحتلال الإسرائيلي عن اللقاء، إلا أن الحكومة السودانية انتظرت ساعات قبل أن يعلق المتحدث باسمها على ما أكده نتنياهو عبر "تويتر"، حيث أشار إلى أنه اتفق مع البرهان على تطبيع العلاقة بين تل أبيب والخرطوم، فيما كشفت مصادر لـ"العربي الجديد" عن أن رئيس حكومة الاحتلال طلب، خلال اللقاء، من البرهان السماح كخطوة مبدئية للطيران الإسرائيلي بعبور الأجواء السودانية.
— بنيامين نتنياهو (@Israelipm_ar) February 3, 2020 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
ويعيد اجتماع البرهان بنتنياهو إلى الأذهان لقاءً مشابهاً تم في مدينة نيروبي الكينية في ثمانينات القرن الماضي، جمع الرئيس السوداني الأسبق جعفر محمد النميري بأرييل شارون، رئيس حكومة الاحتلال الأسبق، انتهى بالاتفاق على موافقة الخرطوم على عملية نقل اليهود الفلاشا الموجودين في إثيوبيا إلى فلسطين المحتلة عبر الأراضي والمطارات السودانية.
وبدأ التكتم الرسمي في السودان على لقاء البرهان بنتنياهو بعدم الإعلان مسبقاً، كما هي العادة، عن زيارة رئيس مجلس السيادة إلى أوغندا.
وفي أول تعليق سوداني رسمي، قال وزير الإعلام السوداني المتحدث باسم الحكومة فيصل محمد صالح، في بيان مقتضب ليل الإثنين، إن الحكومة الانتقالية تلقت عبر وسائل الإعلام خبر لقاء البرهان بنتنياهو في عنتبي الأوغندية.
وأوضح البيان أنه لم يتم إخطار مجلس الوزراء أو التشاور معه بشأن اللقاء، مشيراً إلى أن المجلس ينتظر توضيحات بعد عودة رئيس مجلس السيادة.
وفي وقت سابق، أكد وزراء بارزون في حكومة عبد الله حمدوك، تحدثت إليهم "العربي الجديد"، عدم علمهم مسبقاً بأهداف زيارة رئيس مجلس السيادة لأوغندا ولا بلقائه رئيس حكومة الاحتلال، مؤكدين أنهم سمعوا بالأخبار مثل غيرهم في وسائط التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وأنه من غير المؤكد أيضاً معرفة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بالخطوة، إذ تواجد، خلال اليومين الماضيين، في جييوتي في زيارة رسمية، ومتوقع وصوله اليوم إلى الخرطوم.
وخلال السنوات الماضية، اقترح أكاديميون وسياسيون فكرة التطبيع مع إسرائيل، لكنها لم تجد صدى في الشارع السوداني، أبرزها دعوة نائب رئيس الوزراء مبارك الفاضل المهدي في عهد المعزول عمر البشير.
وبعد تداول أخبار لقاء البرهان بنتنياهو، اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي رافضة للخطوة، بينما تأنت أحزاب سياسية مشاركة في الحكومة في التعبير عن موقفها، غير أن كمال بولاد، رئيس المجلس المركزي لتحالف الحرية والتغيير الحاكم، قال إنهم لم يسمعوا بـ"أي تخطيط للقاء يجمع رموز الكيان الصهيوني بقيادات السلطة الانتقالية، أو محاولة خلق علاقة مع الدولة المغتصبة للحق الفلسطيني، خصوصاً في هذه الأيام التي يتحالف فيها دونالد ترامب، كاهن الامبريالية العالمية مع الكيان الصهيوني، ممثلاً في رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بهدف إجهاض الحقوق الفلسطينية"، مبدياً "أسفه الشديد" أن يكون اللقاء "جزءاً من سيناريو "صفقة القرن" التي رسمها ترامب لمصادرة الحق الفلسطيني".
وأضاف بولاد، لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يعقل لثورة سودانية رفعت شعارات "الحرية والسلام والعدالة" أن تسعى لخطب ود الكيان الصهيوني، وتغض الطرف عن القضية الفلسطينية"، مشيراً إلى أن "تحالف الحرية والتغيير لم يجتمع بعد لتحديد موقفه من اللقاء، وسيفعل ذلك بعد التأكد من صحته".
من جانبه، قال كمال عمر، القيادي بحزب المؤتمر الشعبي المعارض، إن "اللقاء بين البرهان ونتنياهو يمثل فاتورة كان على النظام الجديد بعد الثورة أن يدفعها ليكون جزءاً من محاور إقليمية معروفة، والتي ربما هي دفعت باللقاء".
وأضاف عمر، لـ"العربي الجديد"، أن "اللقاء في حد ذاته جاء مفاجئاً للواقع السوداني، وأظهر حكومة البرهان وحمدوك بأنها تعمل بدون مؤسسات"، متسائلاً: "من فوض البرهان وتحالف الحرية والتغيير لمثل هذا اللقاء الذي ما كان سيتم إلا في ظل حكومة ديمقراطية ومنتخبة".
وأشار إلى أن "السودان ظل منذ الاستقلال داعماً للقضايا العربية، مشاركاً في توحيد الموقف العربي الرافض لإسرائيل"، مبرزاً أن "اللقاء سيكون له ما بعده، وستكون موجة الرفض الشعبي للتطبيع مع العدو الصهيوني أكبر مما يتصور الكثيرون، وستكون الحكومة هي الخاسرة، بعد أن صارت تلهث إقليمياً ودولياً للحصول على دعم مالي خارجي".
من جهته، أكد خالد أحمد، الصحافي السوداني المقيم في العاصمة الأوغندية، أن "اللقاء جاء مفاجئاً بكل ما تعني الكلمة"، ولم يستبعد أن يكون "نتيجة تفاهمات قديمة منذ عهد المعزول عمر البشير، حيث وقتها أصبح الحديث عن التطبيع متداولاً، وخرجت إشارات إيجابية من رموز في النظام السابق بشأنه".
وقال أحمد إن "تلك السياسة السابقة استمرت وأثمرت عن هذا اللقاء الذي ستكون له تأثيرات داخلية وخارجية كبيرة، كما يمكن الربط بينه وبين دعوة الإدارة الأميركية للبرهان لزيارة واشنطن".
وأوضح السوداني أن اجتماع نتنياهو البرهان "ستكون له تأثيرات على الوضع السياسي الهش في السودان، وربما ساعد التعاون بين الخرطوم وتل أبيب في قضية رفع العقوبات والخروج من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وسيمثل في الوقت ذاته انتصاراً كبيراً لإسرائيل في محاولتها للتطبيع مع دولة عربية وإسلامية ناصبتها العداء في السابق".