اختبار هدنة حلب يبدأ اليوم بعد "مشاورات التحفيز"

05 مايو 2016
شهدت حلب على مدى أيام مجازر عدة (يورور بيلوت/getty)
+ الخط -
شكل الاجتماع الذي شهدته العاصمة الألمانية برلين، أمس الأربعاء، وجمع وزيري الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، والفرنسي جان مارك آيرولت، مع المبعوث الأممي إلى سورية، سيتفان دي ميستورا، ومنسق الهيئة العليا للمفاوضات (المنبثقة عن المعارضة السورية)، رياض حجاب، محطة إضافية في سلسلة اللقاءات والمشاورات المكثفة حول الملف السوري، وخصوصاً بعد التصعيد غير المسبوق للنظام في حلب، والذي ترجم بمجازر متنقلة على مدى أيام. وهو ما دفع حجاب، قبيل اجتماعاته بالمسؤولين الدوليين، إلى تقديم رؤية جديدة للتهدئة من برلين بقوله إن "هناك حاجة لوقف عام لإطلاق النار في أنحاء سورية، وليس في مناطق معينة"، لافتاً إلى أن الصيغة الحالية غير مجدية، في إشارة إلى الهدن المحدودة التي يبرمها النظام في مناطق محددة والتي يستغلها لتكثيف حملاته ضد مناطق أخرى. وأوضح حجاب رؤية المعارضة بقوله "يجب أن تكون هناك اتفاقية شاملة وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2268 تشمل كل المناطق السورية بالكامل التي توجد فيها المعارضة المعتدلة دون تمييز أو اقتطاع". كما أشار إلى أن المعارضة وصلت لطريق مسدود مع حكومة الرئيس بشار الأسد في المباحثات الرامية لإنهاء الحرب، لافتاً إلى أن "المعارضة تريد مبادرة جديدة تضع جدولاً زمنياً واضحاً للانتقال السياسي بدون وجود بشار الأسد وزمرته".
ولم يكد يمر سوى وقت قليل على تصريحات حجاب حتى نقلت وكالات الأنباء العالمية عن دبلوماسيين أميركيين وروس قولهم إنه الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا على أن تشمل "التهدئة" العسكرية مدينة حلب، وأن الهدنة تبدأ منذ منتصف ليل الأربعاء ــ الخميس بتوقيت دمشق ولمدة 48 ساعة. وتصعب قراءة الاتفاق الأميركي ــ الروسي إلا في سياق التنسيق الثنائي بين الدولتين الذي تفيد تجربة السنوات الخمس للحرب السورية أن النظام السوري كان ولا يزال مستفيداً منه لمواصلة تقدمه العسكري وتوسيع دائرة جرائمه.
وكانت حلب قد دخلت أسبوعها الثاني من الغارات الروسية ــ السورية الحكومية مع تسجيل المزيد من الجرائم بحق المدنيين والمنشآت العامة والخاصة، حالها كحال مناطق ريفي دمشق واللاذقية حيث انتهت هدنة لم تعمّر إلا لأيام، وذلك في الوقت الذي اتهم فيه مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، يان إيغلاند، الحكومة السورية برفض مناشدات الأمم المتحدة لتوصيل مساعدات إلى مئات الآلاف من الناس بما في ذلك في حلب التي تشهد أعنف حملة عليها.


وترافق الإعلان عن التهدئة في حلب مع تكثيف التحركات الدبلوماسية، والتي بلغت ذروتها أمس الأربعاء، من خلال الاجتماعات المتتالية حول الملف السوري. وبينما كانت ألمانيا تستضيف الاجتماع مع حجاب كانت جامعة الدول العربية تعقد اجتماعاً بحثت خلاله الأوضاع في حلب. كذلك لم يغب التصعيد في حلب عن جلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت أمس بطلب من باريس ولندن. ومن المتوقع أن تستكمل اللقاءات يوم الإثنين المقبل، بعدما دعا وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت، أمس الأربعاء، نظراءه السعودي والقطري والإماراتي والتركي إلى عقد اجتماع في باريس الإثنين لبحث الوضع في سورية. وأبقى المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، ستيفان لوفول، الباب مفتوحاً أمام إمكانية انضمام دول أخرى إلى الاجتماع من دون أن يحددها، اذ اكتفى بالإشارة إلى أن الاجتماع مفتوح أمام "جميع الدول التي تعتبر أنه يجب أن تستأنف بأي ثمن المفاوضات التي توقفت مع هجوم النظام السوري على حلب".
وتحاول أطراف دولية وإقليمية تدارك الأمر في مدينة حلب خشية أن تصل الأمور إلى نقطة "اللاعودة" وتترجم بمعارك "خارج السيطرة" ولا سيما في حلب. وفي السياق، يلخص تصريح السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة، فرنسوا دولاتر، أهمية حلب بقوله إنها "تمثل بالنسبة لسورية ما مثلته ساراييفو للبوسنة".

من جهته، يوجز مصدر دبلوماسي أوروبي، لوكالة "فرانس برس"، الهدف من المشاورات وتحديداً الاجتماع في برلين، قائلاً إنّه يهدف "لإعادة تحفيز مختلف الأطراف. وهي فرصة جيدة للاستماع إلى حجاب، وتقديم دعمنا له"، مؤكداً أن "الأعمال القتالية في حلب لم تستأنف سوى بمبادرة من النظام". وفيما اعتبر أن "وقف إطلاق النار مسالة تتوقف فعلاً على الروس"، أوضح أن المشكلة تكمن في أنه "ليس لدى الجميع المفهوم ذاته لوقف إطلاق النار. النظام والروس يعتبرون ما أن يكون هناك أثر لجبهة النصرة، ولو كان لا يتخطى 2 في المائة، أن كل ما تبقى جبهة النصرة أيضاً. نحن لا نرى الأمور على هذا النحو إطلاقاً".
وفي تأكيد جديد على هذا التوجه الروسي، كان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، يشنّ هجوماً جديداً على قوات المعارضة، قائلاً في حوار مع وكالة "نوفوستي"، نشر أمس، "لديّ انطباع، وهناك تأكيدات لذلك في شكل بيانات لم يتم التحقق منها بعد، بأن هذه المجموعات تتعمّد البقاء بمواقع جبهة النصرة لعدم المساس بالنصرة نفسها". كما حاول إبعاد مسؤولية إفشال الجولة الثالثة من محادثات جنيف عن النظام السوري أو روسيا بالقول "إذا كان الأمر كذلك، فتتضح المبررات المستمرة للأميركيين لعدم الوفاء بوعدهم بإخراج المعارضين الجيدين من مواقع جبهة النصرة"، على حد قوله. وأضاف "على الأرجح، هناك رهان ممن يدعم النصرة على إفشال الهدنة وتحويل الوضع إلى مسار الحل بالقوة. هذا مرفوض تماماً". وبينما لفت إلى أن موسكو تأمل أن تستأنف المفاوضات السورية في مايو/ أيار الحالي وأن تتضمن توجهات المستقبل، قال إن روسيا "تستبعد إجراء حوار مباشر في مباحثات جنيف المقبلة لعدم توفر الظروف الملائمة". في موازاة ذلك، قال لافروف إن "رئيس النظام السوري "بشار الأسد ليس حليفنا بالمناسبة. نعم، نحن ندعمه في مكافحة الإرهاب والحفاظ على الدولة السورية. لكنه ليس حليفا لنا بالمعنى الذي تعد تركيا حليفا للولايات المتحدة"، مستبعداً قيام تركيا والسعودية بعمليات برية في سورية في ظل وجود القوات الروسية.



في غضون ذلك، لم تعد تخفي المعارضة السورية تبرّمها من التصريحات الأميركية المتناقضة التي تصدر حيال ما يجري في سورية، ولا سيما في ما يتعلق بالعملية السياسية التي بدأت تترنح منذ بدء القصف الجوي غير المسبوق على مدينة حلب، ثاني أكبر وأهم المدن السورية. وكان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، قد دعا يوم الثلاثاء، للعودة إلى طاولة التفاوض في مدينة جنيف السويسرية خلال أسبوع، مكرراً تهديداته للأسد من عواقب عدم الالتزام باتفاق التهدئة الذي بات يشمل حلب. ولكن المعارضة، كما يبدو، لم تعد تأخذ التصريحات الصادرة من واشنطن على محمل الجد، ولا سيما في الآونة الأخيرة، حيث ضرب نظام بشار الأسد بكل القرارات والأعراف الدولية عرض الحائط مواصلاً ارتكاب المجازر في مدينة حلب التي وصفها دبلوماسي غربي رفيع بـ"الشهيدة".

وفي السياق، يقول رئيس وفد المعارضة السورية المفاوض، أسعد الزعبي، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "أتمنى أن يثبت جون كيري ليوم على تصريح واحد وبعد ذلك يمكن أن نفكر". ويشير الزعبي إلى أن الهيئة العليا للتفاوض "لم تتخذ بعد قراراً يخص العودة مرة أخرى إلى طاولة التفاوض في جنيف". ويضيف "من وجهة نظري، أرى عدم العودة إلى التفاوض في جنيف، حتى يتم تنفيذ طلبات المعارضة التي علّقت بسببها المفاوضات في الجولة الثالثة".
وكانت المعارضة السورية قررت تعليق مشاركتها في مفاوضات جنيف في الثامن عشر من شهر إبريل/ نيسان الماضي بسبب عدم تحقيق تقدم على المسار الإنساني، وفق قرار مجلس الأمن الأخير 2254، وبسبب الخروق المتكررة من قبل النظام وحلفائه لاتفاق "وقف الأعمال العدائية". وأوضحت المعارضة يومها أن استئناف المفاوضات من جديد يعتمد على "تصحيح مسارها".

من جهته، يرى دبلوماسي سوري، منشق عن النظام، أنه لا بد من عقد جولة مفاوضات رابعة خلال شهر مايو/ أيار الجاري "لأن الأطراف الدولية والإقليمية تريد ذلك كي لا تدخل القضية السورية النفق المظلم، ويصبح بعد ذلك من المستحيل السيطرة على الأوضاع في الشرق الأوسط برمته". ويشير الدبلوماسي نفسه إلى أن النظام لن ينفذ ما طلبته المعارضة كشروط للعودة للتفاوض "أو ربما يحقق البعض منها، ولا سيما على الصعيد الإنساني تحت ضغط روسي". ويعتبر أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ليس في وارد مناقشة انتقال سياسي حقيقي يطيح به، ولا يزال يبحث عن "حلول ترقيعية" لإطالة عمر الصراع.
في غضون ذلك، لا يرى الدبلوماسي أن هناك تناقضاً في التصريحات والمواقف الأميركية حيال الملف السوري. ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه "لا ريب أن هناك تفاهماً بين روسيا وأميركا بكل ما يتعلق بالملف السوري، ومن يظن خلاف ذلك فهو واهم، ولا يعرف طبيعة العلاقات الدولية التي لا تنهض على العواطف والشعور الإنساني وحقوق الإنسان". ودعا الدبلوماسي نفسه المعارضة السورية إلى الإدراك بأن التعامل مع الولايات المتحدة الأميركية لا يمر إلا عبر مصالح الأخيرة في المنطقة، وليس عبر وسائل أخرى.
كذلك يشير إلى أن العملية التفاوضية بين المعارضة والنظام ليست ضمن دائرة مغلقة كما يظن البعض. ووفقاً للدبلوماسي نفسه "هي تسير كما يخططون لها في أميركا وروسيا، ونحن (أي المعارضة) خارج الدائرة، لأننا لا نعرف كيفية التعامل معها". ويدعو الدبلوماسي المعارضة السورية إلى الحذر "كي لا نكرر المأساة الفلسطينية"، مضيفاً "عليهم التفاوض بشكل صحيح، وإلا تفعيل الخيارات العسكرية والعمل على تقويتها كي لا يكسب النظام نقاطاً جديدة تمنحه قوة إضافية على طاولة التفاوض". كما يلفت إلى أن "النظام لا يملك هو الآخر خيار رفض المسار التفاوضي "فهو يذهب صاغراً إلى جنيف، وعلينا أن لا نعطيه عوامل قوة".

في غضون ذلك، تؤكد الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في أحدث تقرير لها، أن اتفاق وقف "الأعمال العدائية" لم يؤثر على حصيلة المعتقلين، مشيرة إلى تسجيل ما لا يقل عن 741 حالة اعتقال تعسفي في إبريل/ نيسان الماضي. وتلفت إلى أن قوات النظام قامت بعمليات اعتقال واسعة، ولا سيما في ريف دمشق، حيث قامت باعتقالات جماعية لعائلات من مضايا والزبداني. كما واصلت قوات النظام سياسة اعتقال الشبان والموظفين في أماكن سيطرتها، ولا سيما في دمشق وحلب وحماة، لسوقهم إلى القتال في الجبهات مع المعارضة. يذكر أن قرار مجلس الأمن الدولي 2254 دعا في بنده رقم 12 إلى الإفراج عن أي محتجزين تعسفياً، لا سيما النساء والأطفال، وهو ما لم ينفذه النظام، بل استمر في انتهاج سياسة الاعتقال، وكان هذا الأمر أحد الأسباب الذي دعت المعارضة إلى تعليق مشاركتها في مفاوضات جنيف.