عشرون عاماً على تأسيس التجمع الوطني في الداخل الفلسطيني

09 مايو 2015
التجمع استنهض الروح الوطنية بصفوف فلسطينيي الداخل (فرانس برس)
+ الخط -

يُجمع سياسيون وباحثون وناشطون في الداخل الفلسطيني على أن حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، منذ ظهوره في العام 1995، حين اندمجت فيه على أساس فردي تشكيلة ثلاث قوى أساسية، هي "ميثاق المساواة" وحركة "أبناء البلد" و"الحركة التقدمية"، شكّل نقطة تحوّل كبيرة في استنهاض الروح الوطنية في صفوف فلسطينيي الداخل، في مرحلة حساسة، كان مشروع الأسرلة يتهددهم فيها بقوة، فشكّل التجمع طوق نجاة لهم، وفرض مشروعه الوطني بقيادة مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدكتور عزمي بشارة. ومنذ تلك المرحلة، قطع التجمع شوطاً طويلاً وشكّل شخصيته المستقلة، وأصبح خطابه الخطاب السائد لدى العرب في الداخل، وأصبح التيار الأكثر جاذبية للشباب.

وفي الذكرى العشرين لتأسيس الحزب في مثل هذه الأيام، رأى الأمين العام لحزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، عوض عبد الفتاح، أن الحزب شكّل ولا يزال، "تجربة فريدة، جاءت لتلبّي حاجة فلسطينيي الداخل لمشروع وطني شامل، التفّ حولها أكاديميون وسياسيون وناشطون، تحمّلوا المسؤولية الوطنية والأخلاقية تجاه شعبنا، بعد أزمة كبيرة ألمّت بالقوى المحلية بمختلف توجهاتها، وساهم التجمع بإعادة بناء الحركة الوطنية في الداخل".

وذكر عبد الفتاح أن "ميثاق المساواة"، الذي بادر إليه بشارة، "شكّل البروفة للتطور اللاحق المتمثل ببناء تيار سياسي قومي ديمقراطي متمثل بالتجمع الوطني الديمقراطي عام 1995، مستدركاً أن "مهمة صياغة البرنامج السياسي، الذي قام أساساً على تحدّي الطابع اليهودي لدولة إسرائيل والدعوة إلى إلغاء الطابع الصهيوني، وطرح دولة المواطنين، والحكم الذاتي الثقافي، جاءت بفضل مساهمة أساسية من الدكتور عزمي بشارة".

وأشار عبد الفتاح، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "ظهور التجمع كان مفاجئاً للمؤسسة الإسرائيلية ولمنظمة التحرير الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو، ولا سيما على ضوء رفضه للاتفاق الذي اعتبر فلسطينيي الداخل شأناً إسرائيلياً داخلياً. ففي المقابل، شدد التجمع على هويتهم الوطنية الفلسطينية، وطرح معادلة غير مسبوقة تجمع بين الهوية القومية والمواطنة الكاملة، وتتحدى الصهيونية".

وأضاف عبد الفتاح أن "التجمع تمكن من استنهاض الروح الوطنية في صفوف فلسطينيي الداخل خلال فترة قصيرة، وكسب ثقة الناس، وساهم في ذلك بشكل كبير الدكتور عزمي بشارة الذي تمكن من تحويل الكنيست إلى ساحة مقارعة إيديولوجية للصهيونية، من خلال مهارات وميّزات تمتّع بها، فضلاً عن تواصله مع العالم العربي متحدياً المؤسسة الإسرائيلية".

اقرأ أيضاً: فلسطينيو الداخل: الباقون لانتظار العائدين

من جهتها، تحدثت النائبة حنين زعبي، لـ"العربي الجديد"، عن الدور البرلماني للحزب، معتبرةً أن "خطاب التجمع البرلماني الذي صاغه بشارة، وحدد معالم ومفاهيم واضحة فيه، شكّل قفزة في الخطاب السياسي داخل أروقة الكنيست منذ نشوء إسرائيل، سواء في ما يتعلق بحق العودة، بالغبن التاريخي، بالطبيعة الكولونيالية للمشروع الصهيوني، بالتعارض بين يهودية الدولة وديمقراطيتها، بوظيفة القانون في إسرائيل، وحتى بطبيعة الصراعات داخل المجتمع الإسرائيلي ودورها في صناعة الإجماع وصناعة العداء للآخر".

وأضافت: "عندما دخلت للكنيست في أول دورة، استقبلني رئيس الكنيست، (هذا لم يمنعه طبعاً أن يساهم بعدها في التحريض ضدي بشكل مباشر)، قائلاً: كان عزمي بشارة من أعنف الخصوم وأكثرهم تهديداً لنا، لكن عليّ أن أعترف أنه كان من ألمع من عرفته الكنيست منذ 60 عاماً".

ورأت زعبي أن "المفاهيم السياسية التي أدخلها التجمع للبرلمان، من ربط القومي بالمدني، التمييز بين المساواة والاندماج، التحذير من الأسرلة المتساوقة مع خطاب وطني سطحي، تحدي ما سمي تقليدياً باليسار ووضعه هو أمام امتحانات، ربطنا بالمشروع الوطني الفلسطيني العام، نقد أداء السلطة الفلسطينية نفسها وعدم الاتفاق مع كل ما تم التوقيع عليه منذ أوسلو بما في ذلك اتفاق أوسلو نفسه، التأكيد على حقنا في النضال، تحميل الاحتلال والجرائم الإسرائيلية مسؤولية العنف، التأكيد على حقنا في التواصل مع العالم العربي، تطوير مفهوم الحكم الذاتي الثقافي لإدارة مؤسساتنا الثقافية والتربوية وللتأكيد على حقنا في التعبير عن انتمائنا. كل ذلك فرض مفاهيم جديدة ليس فقط في الخطاب السياسي، بل أيضاً في حدود العمل السياسي".

اما الباحث مهند مصطفى، والذي يعمل على مشروع "الفكر السياسي الفلسطيني في إسرائيل"، فاعتبر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي في صفوف الفلسطينيين في إسرائيل أحدث قطيعة مع خطاب سياسي ساد المجتمع الفلسطيني، وأسس لخطاب سياسي جديد. لا يستطيع الباحث الجاد أن يقفز عن هذه الحقيقة". وأضاف: "صحيح أن ملامح من الخطاب الجديد الذي أسسه التجمع كانت موجودة قبل ذلك، ولكن ليس المهم تداول هذه الملامح في الأروقة الأكاديمية بل تأسيسها كخطاب سياسي ونضالي، وفي ذلك استطاع التجمع بقيادة الدكتور عزمي بشارة أن يجعل مشروعاً ثقافياً وطنياً وديمقراطياً في سياق إسرائيل، إلى مشروع وطني وسياسي يتحدى إسرائيل".

وتابع مصطفى: "قرأت كل ما أنتج بشارة قبل تأسيس التجمع، وقرأت ما كتبه بعدما أصبح رئيساً للتجمع، وأجد أن التجمع طوّر المساواة، من مساواة أسميها بدائية إلى مساواة جوهرية تجمع بين الحقوق الفردية وبين الحقوق الجماعية الوطنية، ونقل العمل السياسي من نشاط في السياق الإسرائيلي وعبر قواعده، إلى تحدي هذا السياق وجوهره. وهنا ألفت إلى أن تأسيس التجمع انعكس على مجمل الخطاب السياسي للتيارات الأخرى. ويمكن للباحث الجاد الذي يبحث بالفكر السياسي في صفوف الفلسطينيين في إسرائيل أن يلحظ تأثر الخطابات السياسية والفكرية الأخرى بنشوء التجمع، سواء إسلامية أو يسارية".

من جهته، اعتبر الباحث في "مدى الكرمل ـ المركز العربي للدراسات"، مطانس شحادة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التجمع خلق حالة جديدة داخل المجتمع الفلسطيني، وأثّر في ثلاثة اتجاهات أساسية، هي "الوعي السياسي داخل المجتمع العربي في الداخل، خطاب الأحزاب العربية الأخرى، وأخيراً المجتمع الإسرائيلي".

وأوضح شحادة أنه "بالنسبة للمجتمع العربي، عمل لأول مرة على طرح برنامج جماعي، وضّح فيه وجود مسألة الفلسطينيين في إسرائيل، وأن حلها يتطلّب حلاً جماعياً والاعتراف بالحقوق للفلسطينيين في الداخل، مأسسة المجتمع الفلسطيني، وتغيير طابع إسرائيل لدولة كل مواطنيها". وأضاف: "جاء هذا في مرحلة ساد فيها وهم بأن قضية الفلسطينيين في الداخل إلى الانتهاء، بمعنى أن تذوب من بعد حل الدولتين، الذي بدا أنه يلوح في الأفق في تلك الفترة، وأن نتحوّل نحن إلى أفراد على هامش المجتمع الإسرائيلي، وأن تقوم إسرائيلي باحتوائنا كأفراد".

وأشار شحادة إلى الالتفاف الجماهيري السريع حول التجمع، منذ نشأته، والذي "كان لعوامل عدة، منها أن الروح الوطنية والقومية قائمة في مجتمعنا ولم تختفِ على الرغم من كل المحاولات، وكانت بحاجة لمن يستنهضها فقط"، واختتم حديثه بالقول: "لا يمكن أن ننكر أنه كانت أحزاب وتيارات قبل ظهور التجمع، تعاملت مع جوانب معينة، لكنها لم تجمعها في مشروع واحد كما فعل. وأيضاً قضية الهوية الفلسطينية لديها قوة جذب للمجتمع العربي في الداخل، وبطبيعة الحال فإن شخصية عزمي بشارة وحضوره محلياً وعربياً كان لهما ثقل في نجاح التجمع الوطني الديمقراطي".

اقرأ أيضاً: فلسطينيّو 48 يتحدّون إسرائيل: من يقتلنا عليه تحمّل العواقب

المساهمون