العراق: لعنة تشابه الأسماء تزيد زحمة السجون

09 يوليو 2018
تنشر أسماء المطلوبين على حواجز التفتيش (علي مكرم غريب/الأناضول)
+ الخط -


لم يغادر ذنون أحمد عبيد (21 سنة) منذ شهر القسم الداخلي في جامعة الموصل، خوفاً من تشابه الأسماء. فآخر خروج له كلفه اعتقالا ليومين و"حفلة شتائم"، وفقاً لوصفه، وضربا تعرض له من قبل أفراد الأمن على حاجز التفتيش حيث اعتقل، والسبب هو تشابه اسمه مع قيادي بارز في تنظيم "داعش". ويقول عبيد، لـ"العربي الجديد"، متهكماً حول مشكلة تشابه الأسماء في العراق، "لم يبق أحد في الموصل لم يعرف اسم أمي، جليلة حسين عباس، كونها هي من أنقذتني آخر مرة. فاسم والدة الإرهابي المطلوب مختلف، والحمد لله".

ورغم إصدار السلطات العراقية تعليمات مشددة حول مشكلة تشابه الأسماء، ما زال أفراد الأمن و"الحشد الشعبي" يعتمدون في عمليات الاعتقال على الاسم الثلاثي للعراقيين. وتشير تقارير إلى وجود 60 ألف مطلوب للقضاء بتهم الإرهاب، بينهم العشرات من الطلقاء، الذين تبحث بغداد عنهم، من خلال نشر أسمائهم على حواجز التفتيش المنتشرة في العراق، والتي تجاوز عددها عتبة العشرة آلاف حاجز أخيراً، عدا عن تلك التابعة إلى مليشيات "الحشد الشعبي"، التي تبلغ نحو ألفي حاجز وتتميز بكون أغلبها متحركا وليس ثابتاً. ولا تتوفر لدى القوات العراقية قاعدة بيانات كاملة عن المتورطين بجرائم إرهابية والقتال مع تنظيم "داعش" أو مساعدته، إذ بالعادة يكون أفضل ما لديها هو اسم المتهم واسم والده أو جده بلا تفاصيل أخرى. وفي المجتمع العراقي هناك ظاهرة تكرار الأسماء، مثل حسين علي وحسن فلاح ومحمد جاسم وزياد خلف وإبراهيم خليل وعمر خطاب ونجم عبد الله وجواد كاظم وغيرها من الأسماء، حيث اعتاد العراقيون على إطلاق أسماء الآباء والأجداد على مواليدهم، أو ألقاب مثل أن كل علي يجب أن يكون أبو حسين، وكل محمد يجب أن يكون أبو جاسم، وكل خليل يجب أن يكون أبو إبراهيم، وكل كاظم يجب أن يكون أبو جواد، وكل سلام يجب أن يكون أبو أحمد، وكل عمر يجب أن يكون خطاب، وهكذا.

وتحولت الظاهرة إلى كابوس حقيقي، فهناك من لا يزال معتقلاً بانتظار رد دائرة الجنسية للتأكد من حقيقة أنه ليس الإرهابي المقصود، وهو أمر قد يتطلب شهرا إلى إثنين بسبب الروتين، وهناك من تمكن من الخروج سريعاً بعد دفع رشاوى أو استخدام وساطات لمتنفذين. وسجل وفاة إثنين خلال الشهر الماضي تحت الضرب، وذلك قبل إثبات أنهما غير المطلوبين بأمر الاعتقال، بينما توفي ثالث مطلع يونيو/حزيران الحالي جراء أزمة قلبية، وذلك بعد أن طلب جندي على حاجز في بغداد منه الترجل من السيارة لتدقيق اسمه.

ويؤكد مسؤولون محليون في الموصل أن نحو 2500 شخص في المدينة يعانون من مسألة تشابه الأسماء، وقد استحصل بعضهم على قرار قضائي باسمه واسم والدته وأنه ليس الشخص المطلوب من قبل المحاكم العراقية، والآخرون لا يخرجون من منطقتهم إلا للضرورة القصوى. ووفقاً لعضو في مجلس الموصل فإن "الظاهرة، وبعد أن خفت كثيراً بفعل ضجة سياسية خلال الأشهر الماضية، عادت اليوم مجدداً للموصل وكذلك باقي مدن العراق". ويضيف، لـ"العربي الجديد"، "يجب أن تعذر قوات الأمن، فهي تتعامل مع أوامر عليا بأسماء أشخاص يجب اعتقالهم، ولا يمكن لأحد أن يلومهم. العيب في القضاء العراقي الذي يصدر مثل هذه الأوامر"، مبيناً أن "خلل القضاء سبب في فتح دكاكين استرزاق للفاسدين في وزارتي الداخلية والدفاع والحشد، وكذلك دائرة الجنسية المكلفة بالفصل في تبيان معلومات كل شخص، إذ يدفع ذوو المواطن المعتقل مبالغ كبيرة تصل إلى مليون دينار (نحو 900 دولار) للتسريع باستخراج ما يثبت براءة نجلهم، وأنه غير المطلوب، وكذلك لضمان عدم ضربه لإجباره على الاعتراف".



ويقول النائب عن محافظة نينوى، نايف الشمري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الذي أربك الوضع في مدينة الموصل هو موضوع تشابه الأسماء، إذ إن هناك أعداداً كبيرة من أبناء محافظة نينوى أصبحوا مطلوبين بلا ذنب لهم". ويوضح أن "الأمر المقلق اليوم أن هناك أعداداً كبيرة من المواطنين لا تستطيع مغادرة منازلها، لأنه عندما يتم إلقاء القبض عليهم يحالون إلى مركز الشرطة، ومن مركز الشرطة إلى القاضي، الذي يطلب تحقيقاً من الأجهزة الأمنية وتدقيقاً من دائرة الأحوال المدنية في اسمه واسم والدته، وهذا الأمر يستغرق وقتاً طويلاً. وقد يبقى المواطن الضحية فترة تصل إلى ستة أشهر في السجن. هذا الأمر بات مقلقاً لكل أهالي محافظة نينوى". ويتابع "من تورط مع داعش يجب اعتقاله ومعاقبته، لكن تشابه الأسماء مشكلة باتت كبيرة، وفيها ظلم للناس"، مبيناً أن على "المجلس الأعلى للقضاء بالعراق ووزارة الداخلية تشكيل لجنة عليا من أجل الوقوف على الأمر ووقف إصدار مذكرات قبض باسم أو إثنين، وأن يكون في المذكرة الاسم الرباعي للمتهم ولقبه واسم والدته أيضاً كي لا يحدث أي تشابه بالأسماء، ولا يظلم أحد".

وحول ذلك، يقول النائب عبد الكريم عبطان إن "هناك الكثير من الأشخاص في المعتقلات والسجون بسبب تشابه الأسماء". ويضيف، لـ"العربي الجديد"، أن "عودة المخبر السري والتهم الكيدية أو الاعترافات بالإكراه أدخلت الكثير من الناس الأبرياء السجون، ومن المفروض أن تلتفت الحكومة لهذا الأمر وأن يكون التحقيق وفق الآليات القانونية والدستورية. إن المادة 17 من الدستور تفرض ذلك، فحرية المواطن وكرامته ومنزله حقوق مصونة ولا تؤخذ الأمور بالشبهة من دون دليل أو تثبُت. لكن مع الأسف في هذه الفترة رأينا أن هذه القضايا عادت من جديد، وأن هناك تعسفا في استخدام قضايا المخبر السري وتشابه الأسماء، وعلى الجهات المختصة إعادة النظر في هذا الموضوع لأنه من القضايا المهمة التي تقلق الشارع العراقي".