لم تكن ليلة الأربعاء ـ الخميس الماضي، عادية في البيت الأبيض والكونغرس الأميركي، بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب وأعضاء في إدارته، نيّتهم عدم السماح لا لبشار الأسد في سورية، ولا لكيم جونغ ـ أون في كوريا الشمالية، بالتحرّك من دون ردّ. وعليه قامت القوات الأميركية بقصف 59 صاروخاً على مطار الشعيرات، في حمص السورية، يوم الجمعة الماضي، في أول ترجمة حقيقية لمداولات الأربعاء. بعدها قرّر الأميركيون مواصلة الضغط في اتجاه كوريا الشمالية، ملوّحين بخيارات غير تقليدية، أبعد من العقوبات المالية والسياسية.
في هذا السياق، توجّهت حاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس كارل فنسون" إلى شبه الجزيرة الكورية، نهاية الأسبوع الماضي، مع تزايد الأنباء عن استعدادات بيونغ يانغ للقيام بتجربة نووية سادسة، وازدياد التوقعات بتنظيم عرض عسكري كبير في الذكرى السنوية الـ85 لتأسيس "جيش الشعب الكوري"، في 25 إبريل/ نيسان الحالي.
لا يندرج وصول حاملة الطائرات في سياق "القوة في إظهار القوة"، حسبما تشير إليه المعطيات، فوزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أعلن صراحة أن "الصين مؤيدة لضربة ما". وقال في هذا الصدد، إن "الرئيس شي جين بينغ تفهّم، وأعتقد أنه يوافق على أن الوضع بلغ حداً خطيراً، ما يستوجب توجيه ضربة ما". وكان الرئيس الصيني قد التقى ترامب، بعد الضربة في سورية، واتفق معه على إجراءات اقتصادية توحي بملامح تعاون اقتصادي مرتقب بين الصينيين والأميركيين. كما شدّد تيلرسون، أمس، على أن "واشنطن ستحاسب كل من يرتكب جرائم ضد الأبرياء في أي مكان في العالم"، في إشارة إلى محاولة الولايات المتحدة استعادة دورها كـ"شرطي العالم" في عهد ترامب، بعد تراجع تكتيكي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
مع ذلك، لم يفت الصين تأدية دور وسيط لإنهاء الأزمة دبلوماسياً، وعدم السماح بتفاقمها، بما يؤدي إلى استيلاد بؤرة أمنية غير مستقرة في شبه الجزيرة الكورية، تنعكس سلباً على الاقتصاد الصيني، من البحر الأصفر إلى البحر الجنوبي. لا تريد بكين أن تلقى مصير موسكو، التي فشل يفغيني بريماكوف، حين كان موفداً شخصياً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في منع الغزو الأميركي للعراق عام 2003، رغم زياراته المتكررة للرئيس العراقي صدام حسين.
وعلى الرغم من اعتبار اليابان وكوريا الجنوبية أن "الخيار العسكري غير وارد"، كونهما سيكونان أول متأثرين بأي ردّ من كوريا الشمالية، إلا أن ثمانية أهداف عسكرية أساسية باتت واضحة لدى الأميركيين، في حال قرروا الهجوم، وهي: الموقعان النوويان يونغبيون، وبونغي ـ ري، والمواقع الصاروخية في بيونغ يانغ، وسوهاي، وسوكشون، ووونسان، وسينبو، وموسودان ـ ري.
وفي ظلّ تكثيف الصينيين نشاطهم الدبلوماسي في كوريا الشمالية، وإعراب اليابانيين والكوريين الجنوبيين عن خشيتهم من أي ضربة عسكرية، أعلن رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي فيكتور أوزيروف، يوم الأحد، أن "إرسال مجموعة قتالية للبحرية الأميركية إلى سواحل شبه الجزيرة الكورية، ربما يقود كوريا الشمالية لأعمال عدائية". وأضاف أنه "إن لم تنتهك البحرية الأميركية قواعد الاتفاقات الدولية، فيمكن لها التواجد في أي نقطة في المحيط، ولكن وجودهم قبالة سواحل كوريا الشمالية غير مرغوب به في ضوء الحاجة إلى بناء مفاوضات مع بيونغ يانغ".
لروسيا حساباتها مع الأميركيين. فالتواجد العسكري الأميركي الكثيف في بحر اليابان، مرتبط جغرافياً بأهم المدن الروسية في أقصى الشرق: فلاديفوستوك، كما يعرقل مساعي الروس في تأمين استقرار تلك المنطقة، من أجل تطوير العلاقة الاقتصادية مع اليابان، خصوصاً أن عدم الاتفاق على حلّ نهائي في جزر الكوريل، لم يمنع موسكو وطوكيو من بدء الإجراءات المشتركة لتفعيل مناطق اقتصادية بينهما، تكون بمثابة خطّ تجاري جديد للروس من جهة، وتسمح لليابانيين في إبعاد الضغوط الصينية من جهة أخرى، على قاعدة أن التفاهم الروسي ـ الصيني، أحد المعايير الأساسية في الشرق الآسيوي. بالتالي، فإن التطلع الروسي لبحر الصين الجنوبي، الذي يمرّ عبره خُمس حركة التجارة العالمية، قد يلاقي عراقيل أميركية، في حال كرّس أبناء العم سام وجودهم في بحر اليابان المقابل لكوريا الشمالية وفلاديفوستوك الروسية معاً.
ومع تواصل الزحف البحري الأميركي، المعزّز بالوجود العسكري في قواعد أميركية في كوريا الجنوبية واليابان، يبدو وفق هذا السيناريو، أن "ساعة الصفر" ستكون بعد إجراء كوريا الشمالية تجربتها النووية السادسة، كما أعلنت في وقتٍ سابق. مع العلم أن بيونغ يانغ اعتادت أن تجري تجاربها بالتزامن مع مناسبة ما، كما فعلت سابقاً. وتخشى واشنطن من أن يؤدي تسارع إجراء بيونغ يانغ تجاربها النووية، إلى أن تُصبح أكثر قدرة على التحرّك السياسي في شبه الجزيرة الكورية، خصوصاً أن التجارب النووية الثلاث الأولى جرت في أوقات متباعدة: 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2006، و25 مايو/ أيار 2009، و12 فبراير/ شباط 2013، قبل أن تجري البلاد تجربتين العام الماضي، في 6 يناير/ كانون الثاني و9 سبتمبر/ أيلول 2016.
ومن المتوقع أن يكون 25 إبريل موعداً أساسياً في مرحلة التصعيد المتبادل بين الأميركيين والكوريين الشماليين، فنحن إما أمام ضربة عسكرية محددة ومكثفة للأميركيين، وإما أمام خضوع كوريا الشمالية لعقوبات جديدة، تدفعها لاحقاً إلى التخلّي عن برنامجها النووي.