حوّل تصريح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس الأربعاء، عن عزم بلاده إطلاق عملية عسكرية شرق الفرات في غضون أيام، أنظار المراقبين والمتابعين إلى المناطق الحدودية التركية السورية، خصوصاً أن تصريحه يأتي بعد أيام من اجتماع مجموعة العمل التركية الأميركية حول سورية، والتي كان من مهامها الحديث عن الاتفاق الأميركي التركي حول منبج ومستقبل مناطق شرق الفرات.
ورغم أن المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، الذي ترأس مجموعة العمل الأميركية، التقى مع المسؤولين الأتراك، وأكد الجميع أهمية وضرورة التعاون وتطبيق خريطة الطريق، إلا أن تصريح أردوغان المفاجئ، طرح تساؤلات عن حقيقة المشاورات التي جرت الجمعة الماضية، وتشي بأن هناك خلافات كبيرة في وجهات النظر حيال مستقبل المنطقة. وقال أردوغان، خلال كلمة ألقاها في قمة الصناعات الدفاعية التركية في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، "جنّبنا إدلب السورية أزمة إنسانية كبيرة، وجاء الدور لتنفيذ قرارنا بشأن القضاء على بؤر الإرهاب في شرق الفرات"، مضيفاً "أكّدنا ونؤكد أننا سنبدأ حملتنا لتخليص شرق الفرات من المنظمة الإرهابية الانفصالية في غضون أيام". وحول استعدادات أنقرة للعملية، أوضح الرئيس التركي "أكملنا الاستعدادات اللازمة، في الوقت الذي كنَّا نصدر التحذيرات حول شرق الفرات"، مستدركاً "أننا لا نستهدف القوات الأميركية، هدفنا هو العناصر الإرهابية الناشطة في المنطقة".
وحددت مصادر تركية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، ثلاث نقاط أساسية حول العملية العسكرية التركية، تتلخص بأنها تأتي في إطار رفع سقف التفاوض من قبل تركيا، وهو ما اعتادت أنقرة، وخصوصاً أردوغان، عليه. ويتعلق الثاني بالتحضيرات التي ما زالت في أولها، وارتباطها بتطورات الانتخابات المقبلة، والثالثة عن مصير الاتفاقات الجديدة مع أميركا والمساحات المستهدفة في العملية. وفي النهاية فإن العملية التركية لا مناص منها وتنتظر توقيتها المناسب، وتستهدف مساحات جغرافية بالمرحلة الأولى، قبيل الانتقال لتجمعات سكنية أو مدن محددة. وفي ما يتعلق بتصريح أردوغان، أشارت المصادر إلى أن الرئيس التركي، خصوصاً بعد اللقاء الأخير بين مجموعتي العمل، يصعد من نبرته ليرفع سقف التفاوض مع الجانب الأميركي، إذ إن اللقاء الذي جرى في أنقرة الجمعة الماضية كان إيجابياً، ووصفته مصادر في وزارة الخارجية بأنه كان شاملاً ويبعث على التفاؤل، ولم يقتصر فقط على موضوع تطبيق خريطة الطريق في منبج، بل تعداه للحديث عن المناطق الحدودية، وبالتالي فإن هذا الأمر يؤدي إلى استبعاد حصول العملية في القريب العاجل، أو على الأقل في غضون أيام، خصوصاً في ظل انتشار نقاط مراقبة أميركية تمنع الجانب التركي من قصف المواقع العسكرية التي تتبع "وحدات حماية الشعب" الكردية، أو "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، وهو تكتيك اعتمدته أنقرة لإنهاك العدو خلال فترة التحضيرات العسكرية، وقد توقف خلال الفترة الأخيرة، بعد أن قصفت مناطق في غرب مدينة عين العرب في تل مغارة وغيرها.
وبناء على المحدد الأول، فإنه فمن المستبعد إجراء أي عمل عسكري، خصوصاً أن المصادر الميدانية تؤكد انطلاق التحضيرات، وهو ما يعني أن عملية نقل العتاد والجنود والآليات ربما تستغرق أشهراً، خصوصاً أن التوقيت هو في منتصف الشتاء، ولذلك فإن العملية العسكرية ليست بهذه الدرجة من القرب. وأضافت المصادر الميدانية أن هناك حالة ترقب لعملية توقيتها مجهول، لكنها قادمة لا محالة. أما المحدد الثاني المتعلق بتطورات الأوضاع المحلية، خصوصاً في ظل استعداد البلاد لإجراء الانتخابات المحلية بعد ثلاثة أشهر ونصف الشهر هي بالفعل التوقيت نفسه الذي تحتاجه عملية إعداد القوات العسكرية للقيام بأي عملية. وتشير المصادر إلى أن أردوغان قد يؤخر العملية العسكرية لما بعد الانتخابات، خصوصاً أنها قد تلعب دوراً في ظل تراجع اقتصادي شهدته الفترة السابقة مع انهيار العملة المحلية، قبل أن تستعيد جزءاً من عافيتها أخيراً. فأي عملية عسكرية قد لا ترضي الجانب الأميركي تحمل مخاطر اقتصادية قد يكون أردوغان بغنى عنها.
المحدد الثالث هو الأهم، إذ إنه يرتبط بالموافقة الأميركية والتنسيق مع واشنطن بشأن أي عملية عسكرية في شرق الفرات. وتصريح أردوغان، أمس الأربعاء، من أن أي عملية لن تستهدف الجنود الأميركيين يؤكد خشية أنقرة من أن أي مغامرة عسكرية هناك قد تؤدي لنتائج عكسية، خصوصاً أنها بحاجة لموافقة أميركية على أي عمليات عسكرية تجري هناك. وبحسب المصادر التركية فإن أنقرة لن تستغني عن التنسيق مع الجانب الأميركي في أي عملية عسكرية قد تحدث، وبشكل خاص إذا ما وضعنا في الحسبان التفاؤل الذي تبديه الخارجية التركية للاتفاق مع الجانب الأميركي في أنقرة أخيراً، وضرورة الحصول على إذن لتنفيذ طلعات جوية في المنطقة. وفي ما يتعلق بمساحة العمليات العسكرية، أوضحت المصادر التركية أنه من المبكر الكشف عنها، في ظل الوجود العسكري الأميركي في نقاط المراقبة، وانتشارها قرب التجمعات السكنية لحمايتها، وهو ما يعني أن المرحلة الأولى ستكون عبارة عن عمليات عسكرية في مساحات جغرافية في المناطق الحدودية، تماماً كما حصل في سيناريو شمال العراق، حيث تم الدخول إلى أراض مفتوحة، والتقدم لأعماق محددة قد تصل لأكثر من 10 كيلومترات. وتصريح أردوغان بعدم استهداف الجنود الأميركيين يؤكد أن العمليات العسكرية ستكون في مساحة لا توجد فيها القوات الأميركية. والمنطقة التي يجري الحديث عنها هي طول الحدود من القامشلي إلى عين العرب والبالغة 500 كيلومتر، وبعمق 40 كيلومتراً، والمخطط التركي يجري ضمن هذا الإطار. ومع الحزم التركي الموجود حالياً، فإنه من المهم معرفة رد الفعل الأميركي، وذلك بعد أن قال رئيس هيئة الأركان الأميركي، جوزيف دانفورد، قبل أيام، إن هناك حاجة لقوات بقوام 40 ألفاً من العناصر المحلية من "وحدات حماية الشعب" الكردية، وهي التي دفعت أردوغان إلى هذا النوع من التصريح، في ظل تمسك أميركي بـ"وحدات حماية الشعب". ويبدو أن تصريحات دانفورد هي التي حركت المخاوف التركية، خصوصاً أن أنقرة تعترض دائماً على الأسلحة المقدمة إلى المقاتلين الأكراد والسعي الأميركي لبناء قواعد عسكرية وتشكيل "جيش نظامي" هناك باسم "قوات سورية الديمقراطية".
وتشير توقعات بعض المصادر التركية إلى أنه يجري العمل في أرياف تل أبيض ورأس العين وعين العرب والقامشلي، عبر جيوب صغيرة يتم فتحها، كما جرى في عفرين، والتقدم ببطء وحذر، وذلك بالترافق مع حملة دبلوماسية مكثفة، تضع الجانب الأميركي أمام الأمر الواقع لمحاورة الجانب التركي. وتختلف هذه المنطقة عن منطقة عفرين التي كانت متصلة مع مناطق المعارضة، لذا فإن عبء العمليات العسكرية ستقع على القوات التركية، وتعتمد على القصف المدفعي والتقدم. ومن المستبعد الاعتماد على القوات الجوية من دون الحصول على الموافقة الأميركية، إذ من المعلوم أن واشنطن تسعى لفرض حظر طيران فوق هذه المناطق، وبالتأكيد تريد تركيا استباق كل الخطوات الأميركية، لفرض أمر واقع يصعب الرجوع عنه كما حصل في شمال العراق. وخلاصة الأمر أن تركيا تريد قطع الطريق على أميركا التي تعمل على تطبيق إجراءات محددة تكبل يد تركيا، بدءاً بعمليات التسليح وتشكيل قوة محلية وبناء نقاط مراقبة وفرض حظر جوي، وهي تطورات ستخلق واقعاً جديداً في المنطقة قد يمنع تركيا من عمل أي شيء مستقبلاً.