اعتبر تحليل نشره باحثان في مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، أن قرار الاستقالة الذي أعلنه رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، جاء نتيجة قرار سعودي، في إطار الصراع الدائر بينها وبين إيران. وقال الباحثان يوئيل جوجانسكي وإلداد شابيط، إن الخطوة (القرار السعودي) جاءت في ظل تفاقم الصراع بين السعودية وإيران مع تزايد الإنجازات التي تحققها إيران في كل من سورية والعراق، بما يؤكد انتصار طهران حالياً في عدد من الساحات في الشرق الأوسط.
مع ذلك قال التحليل المشار إليه إنه ليس واضحاً بعد ما إذا كان القرار يعكس استراتيجية، أو جزءاً من استراتيجية سعودية متكاملة بلورتها القيادة السعودية لها، إضافة إلى خطوات أخرى لازمة من أجل وقف توسع النفوذ الإيراني في المنطقة. مع ذلك لا يستبعد الباحثان أن تكون هذه الخطوة تأتي في إطار الاستراتيجية الأميركية الجديدة التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب أخيراً والرامية إلى زيادة الضغوط الموجهة ضد حزب الله وإيران، والتي أقر الكونغرس الأميركي في سياقها تشريعاً لتشديد العقوبات على حزب الله، خصوصاً أن تقارير صحافية أشارت إلى أن مستشار ترامب، صهره جاريد كوشنر، زار السعودية أخيراً واجتمع بولي العهد محمد بن سلمان.
واعتبر الباحثان أن خطوة الحريري هذه جاءت بعد أن بدا أنه على الرغم من التوصل إلى التسوية في العام الماضي بين تيار المستقبل وحزب الله، وهو ما مكّن من انتخاب رئيس التيار الوطني الحر ميشال عون رئيساً للجمهورية، سعياً للوصول إلى لبنان باستقرار معين، فقد بدا أن الحريري الذي حاول الوصول إلى قاسم مشترك، قد عمل تحت ضغوط من جانب حزب الله وإيران على خلفية الحرب في سورية ومحاربة داعش من جهة، وضغوط أميركية متصاعدة ضد حزب الله من جهة ثانية.
وإذ يقرّ الباحثان، بالاعتماد على طبيعة ردود الفعل اللبنانية والعربية والإقليمية على خطوة الاستقالة، بأنها شكلت مفاجأة للجميع باستثناء السعودية نفسها، فإن هذا الأمر يزيد من الانطباع المتبلور بأن توقيت إعلان الاستقالة تم تنسيقه مسبقاً مع "عرابي الحريري" السعوديين، خصوصاً أنه التقى مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وعدد من قادة السعودية قبيل إعلان استقالته. ولا يستبعد الباحثان أن تكون الاستقالة قد فرضت على الحريري، لا سيما على ضوء تصريحات الوزير السعودي للشؤون الخليجية ثامر السبهان الذي التقى هو الآخر بالحريري قبل إعلان الاستقالة بيومين معلناً أنه ينبغي إسقاط حزب الله ومعاقبة من يتعاونون معه.
وبحسب الباحثَين، فإن السعودية التي كانت باركت التسوية الداخلية في لبنان وحسنت من علاقاتها مع لبنان العام الماضي، كانت تأمل بالتأثير على قرار الرئيس اللبناني ميشال عون، لاستمالته إلى جانبها وترك محور حزب الله وإيران، وهو ما يفسر تقارير سابقة عن نية العاهل السعودي القيام بزيارة للبنان، وتعيين سفير سعودي جديد في لبنان بعد أكثر من عام لم يكن للسعودية فيها سفير في بيروت. في موازاة ذلك، تحسنت أيضاً حركة السياحة السعودية إلى بيروت، إذ تضاعف عدد السياح السعوديين إلى لبنان حتى مطلع العام 2017 مقارنة بسنوات سابقة.
لكن في موازاة ذلك، لم يحصل التطور الذي كان مأمولاً من قبل السعودية لجهة تخفيف نفوذ حزب الله، إذ إن الرياض، وبحسب الكاتبين تعتبر "حزب الله ذراعاً لإيران، هدفه الرئيسي هو زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة وضرب الاستقرار في الدول العربية وليس تنظيم مقاومة".
ويرى الباحثان أنه حتى لو ظل تفسير الحريري الرسمي للاستقالة غامضاً، إلا أنه يبدو نتيجة لتقديرات سعودية بأن التحرك السياسي الذي كان السعوديون شركاء فيه في عام 2016 لا يفيد في تقييد وإضعاف حزب الله، وأن الحريري كرئيس حكومة انجر عملياً وراء أجندة حزب الله، وغير قادر على تقليص نفوذ الحزب أو إيران في لبنان، بل إن هذا النفوذ آخذ بالازدياد. ولعل السعودية ظنّت أنها ستضرب من خلال خطوة الاستقالة الشرعية التي حصل عليها حزب الله من مجرد مشاركته في الحكومة اللبنانية. لكن هذا كله تغير، لا سيما بعد قرار دول مجلس التعاون الخليجي في مارس/ آذار من العام الماضي اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، وقيام السعودية بوقف التمويل للجيش وقوات الأمن اللبنانية.
أما في ما يخص الردود التي صدرت من طهران ومن حزب الله واعتبرت أن خطوة الاستقالة قرار سعودي يهدف إلى زعزعة الاستقرار في لبنان، فقد قال الكاتبان إنها تشير إلى رؤية الحزب وإيران للتسوية العام الماضي كتسوية تخدم أهدافهم، وأن الفوضى السياسية التي قد تنجم عن الاستقالة تضع أمامهم صعوبات في طريق تحقيق أهدافهم. لكن الكاتبان يستدركان أن الفوضى، وربما عدم الاستقرار السياسي المرتقب في لبنان، يجعلان مصلحة حزب الله وإيران في عدم الانجرار وراء مواجهات سياسية داخلية على أمل تثبيت حالة استقرار في لبنان.
في المقابل، وبموازاة ذلك، فإن الضغوط التي ستمارس على حزب الله لن تدفعه إلى التراجع أو الانسحاب عن تحقيق أهدافه، وفي مقدمتها تعزيز قوته العسكرية ومواصلة بناء هذه القوة. وبالتالي فإنه توجد شكوك بأن تحقق السعودية هدفها بإلقاء المسؤولية عن الاستقالة على عاتق حزب الله أو أن تؤدي الاستقالة لتراجع قوة الحزب وإضعافه في الحلبة اللبنانية. بل إنه من المحتمل جداً أن يحدث العكس تماماً وأن ينجح حزب الله بمساعدة الرئيس عون في استغلال الوضع الناشئ لصالحه بما يفضي في نهاية المطاف وبشكل مباشر بالذات إلى تآكل تأثير السعودية على الحكومة اللبنانية ويبقي على نفوذ وتأثير حزب الله فيها.
وبشأن تداعيات الأزمة السياسية المقبلة على لبنان في ما يخص إسرائيل، فاعتبر الكاتبان أن هذه الأزمة لن تدفع بحزب الله في الوقت الراهن للخروج عن خطه الحالي بعدم الرغبة بتصعيد تجاه إسرائيل.