أثار امتناعُ تونس عن التصويت خلال جلسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف أمس الجمعة، حول مشروع قرار يدين استمرار الانتهاكات المنهجية في سورية استياءَ العديد من السياسيين في تونس، حيث وصفوا هذا الموقف بـ"المخجل".
ووصف القيادي في "حراك تونس الإرادة"، عدنان منصر، هذا القرار بـ"النكسة"، مبيناً أن "دولة مثل تونس عاشت ثورة وانتفض شعبها من أجل حقوق الإنسان، لا يمكن أن تصوت ضد كشف المجازر والانتهاكات الواقعة في سورية"، مشيراً أن هذا الأمر "غريب، ويدل على تخبط واضح في بعض القرارات والمواقف".
وأوضح منصر في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "صراحة لا أعرف إن كان هذا القرار شخصياً ويهم موقف من حضر في مجلس حقوق الإنسان، أو هو موقف يمثل الحكومة التونسية"، معتبراً أنه وفي كلتا الحالتين، فإنه "يعتبر موقفاً غير مشرف ومخجلاً، مهما كانت دوافع الامتناع عن التصويت".
وأكد القيادي، أن ما حصل سيبقى "نكسة لصورة تونس كدولة، كانت ذات يوم في مقدمة الدول التي تنادي بحقوق الإنسان والكرامة"، مبيناً أن "الجميع على اطلاع على الوضع في سورية، وخاصة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان".
وبين منصر أنه بقطع النظر عن التجاذبات الداخلية في سورية، بين مدافع ومندد بالنظام، فإنه " لا أحد يمكنه أن ينكر وجود مجازر دموية، الأمر الذي يتطلب التحقيق في عديد الانتهاكات، وكشف عديد الحقائق".
وقال إن "هذا الموقف غير واضح"، مستبعداً وجود "تغير في الموقف التونسي الرسمي، أو أن يكون للتصويت علاقة بزيارة الوفد النيابي مؤخراً لسورية"، معتبراً أن "الزيارة لا تمثل حزباً معيناً أو جهة رسمية، ولكن مهما كان الوضع، فإنه كان لا بد من التصويت على قرار التحقيق في الانتهاكات الواقعة في سورية".
من جهته، اعتبر رئيس الكتلة البرلمانية والقيادي في "حركة النهضة"، نور الدين البحيري، أن "تونس ما بعد الثورة قامت على مبادئ حقوق الإنسان والمبادئ الكونية واحترام المواثيق الدولية"، مبيناً أن "لا أحد ينكر أن النظام السوري ارتكب جرائم ضد الإنسانية، وتورط في جرائم عرقية، وبالتالي كان لابد من التحقيق في هذه الانتهاكات".
وأكد البحيري، لـ"العربي الجديد" أنّ الموقف الأخير يعتبر "خطأ كبيراً، لأنه يعطي صورة بعيدة جداً عن الصورة التي تنسجم مع أحكام الدستور التونسي، وبعيدة عن مبادئ تونس في الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية".
وأضاف أنه أيضاً "قرار خاطئ، لأنه يساعد الأنظمة الفاسدة والمنتهكة لحقوق الإنسان لكي تستمر على حساب مصالح الشعب"، معتبراً أن "الدفاع عن حقوق الإنسان لا يعني دفاعاً عن نظام معين أو إدانة له، فالصراع السوري يهم السوريين فقط، ولا يهم أي شعب آخر، وأن ما يهم التونسيين هو الشعب السوري، وبالتالي لا يجب التهرّب من إدانة الانتهاكات".
وكان وزير الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، قد صرح أن العلاقات مع سورية، وخلافاً لما يُروّج له لم تنقطع أبداً، مبيناً أن الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد برلماني تونسي إلى سورية ولقاءه كبار المسؤولين هناك، لم تكن بتنسيق مع السلطات التونسية، وأن هذا التحرك كان لا بد أن يكون بتنسيق مع الجهاز التنفيذي للدولة، وفى إطار دعم السياسة الخارجية الرسمية.
وشدد الجهيناوي على ضرورة أن تعكس التحركات الدبلوماسية بالخارج إرادة الشعب التونسي، الذي انتخب رئيساً تعود إليه وحده مهام صياغة سياسة تونس الخارجية، وأن تكون في إطار تنسيق سياسة وطن اسمه تونس.
وأشار إلى أن التنسيق المطلوب، لا يعني بالضرورة التطابق في المواقف بين الحكومة والمعارضة، فيما يتعلق بعديد الملفات الإقليمية، لكن التنسيق يمكن من الاطلاع على خلفيات الملفات المطروحة، ومن شأنه أن يسهم في إثراء السياسة الوطنية وتقديم المقترحات، مشدّداً على أن موقف تونس بخصوص الملف السوري لا يخرج عن الإجماع العربي.