في الوقت الذي لم يحسم فيه أكراد العراق حتى الآن أمر مشاركتهم في الانتخابات البرلمانية، المقرر إجراؤها في 15 مايو/أيار 2018، يجري الحديث عن التحضير لتشكيل جبهة سياسية تضم قوى سياسية داعمة لرئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في الانتخابات المقبلة. وفي مقابل ذلك يحذر نواب مقربون من نائب الرئيس العراقي، نوري المالكي، من وجود إرادات خارجية تدفع باتجاه تأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة طوارئ.
وأكد مصدر برلماني عراقي مطلع، لـ"العربي الجديد"، أن قوى سياسية تجري منذ أيام عدة اتصالات مكثفة من أجل الترتيب للمرحلة المقبلة، من خلال تشكيل جبهة سياسية داعمة للعبادي، تضم "التيار الصدري" وأطرافا أخرى داخل "التحالف الوطني" الحاكم، فضلاً عن قوى سياسية "سنية" مندرجة ضمن "تحالف القوى العراقية". ولفت إلى وجود دعم عربي ودولي لهذا التوجه، مشيراً إلى أن العبادي حصل خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض على مؤشرات دعم سعودي لأي تقارب بين العبادي والأحزاب "السنية" العراقية في المستقبل.
هذه الأنباء يؤكدها عضو البرلمان العراقي عن "ائتلاف دولة القانون"، جاسم محمد جعفر، الذي يشير إلى وجود مشروع تقوده بعض الأطراف السياسية لتشكيل حكومة علمانية مدعومة من الغرب، موضحاً، في تصريح صحافي، أن هذا المشروع يهدف إلى إفشال الأحزاب السياسية الداعمة لمليشيا "الحشد الشعبي" في الانتخابات المقبلة. وأشار إلى أن أطرافاً سياسية تعارض إجراء الانتخابات في محافظات ديالى والأنبار وصلاح الدين ونينوى، بذريعة عدم عودة جميع النازحين، فيما تعارض قوى كردية إجراء الانتخابات في أربيل ودهوك والسليمانية بحجة عدم حسم الأمور في إقليم كردستان، مبيناً أن الهدف من دعوات تأجيل الانتخابات هو ضرب المشروع الإسلامي في المحافظات الجنوبية. ويرفض جعفر، القيادي في منظمة "بدر" المنضوية ضمن "الحشد الشعبي"، محاولات تحويل الحكم من الأحزاب الإسلامية إلى أخرى مدنية وعلمانية، مؤكداً، خلال مقابلة متلفزة، أن الإسلاميين هم الذين وقفوا بوجه تنظيم "داعش" الإرهابي الذي دخل عدة مدن عراقية منتصف العام 2014، متسائلاً "أين شهداء العلمانيين والمدنيين؟".
وذهب النائب محمد الصيهود، وهو أحد القياديين المقربين من المالكي، أبعد من ذلك، مشيراً إلى وجود مشروع لتشكيل حكومة طوارئ في العراق بدعم من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، موضحاً أن مشروع تأجيل الانتخابات سيفشل كما فشلت مشاريع تنظيم "داعش"، ومشروع التقسيم الذي تبناه رئيس "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، مسعود البارزاني أخيراً. ويبدو المالكي متخوفاً من احتمال تأجيل الانتخابات البرلمانية المقبلة، إذ يشير إلى أن التأجيل، إذا حصل، فإنه سيكون مخالفاً للدستور، مؤكداً أن هذه الخطوة ستضع البلاد أمام مخاطر كبيرة وتدخل العملية السياسية في فراغ تشريعي وتنفيذي، مشدداً على ضرورة الالتزام بالمواعيد الدستورية، وإجراء الانتخابات في موعدها.
ويتوقع عضو البرلمان العراقي، عبد الرحمن اللويزي، بروز تحالفين جديدين في الانتخابات المقبلة، أحدهما يقوده العبادي والآخر المالكي. وأوضح، في منشور على صفحته على "فيسبوك"، أن التحالف الأول سيضم أطرافاً "شيعية" مهمة، كجناح العبادي في "حزب الدعوة" الحاكم، و"التيار الصدري"، و"تيار الحكمة"، و"تيار الإصلاح"، فضلاً عن أطراف "سنية"، مثل "الحزب الإسلامي العراقي"، و"حزب متحدون"، وشخصيات سياسية مهمة، مثل وزير التخطيط، سلمان الجميلي، ونائب رئيس الوزراء السابق، صالح المطلك، ووزير الدفاع السابق، خالد العبيدي، ورئيس "حزب الحق"، النائب أحمد المساري. وأعلن نائب الرئيس العراقي، رئيس "ائتلاف متحدون"، أسامة النجيفي، رسمياً دعمه التجديد للعبادي لولاية ثانية. وأشار، رداً على سؤال لوكالة "رويترز" في واشنطن عما إذا كان سيدعم العبادي، "هذا وارد جداً بالطبع. لكن هذا الأمر لم يتم حتى الآن. نحتاج إلى مفاوضات قبل ذلك، ولكن (سياساته) هي التيار الأقرب لنا في موضوع الانتخابات المقبلة". ودعا العبادي إلى "حسم وضعه" بشأن انتمائه إلى "حزب الدعوة" الحاكم، مطالباً رئيس الوزراء العراقي بالخروج من المظلة الحزبية إلى المظلة الوطنية للحصول على تأييد كبير من الشعب العراقي. وأضاف "نحن ندعمه لكن ليس من دون شروط، لا بد من اتفاق سياسي مبني على المصالح المشتركة للعراقيين، والخروج من الطائفية السياسية"، مشدداً على ضرورة السيطرة على السلاح، وبناء علاقات دولية متوازنة بمنهج كامل يتم الاتفاق عليه بشكل مشترك. وأشار النجيفي إلى أن الجماعات المسلحة المدعومة من إيران تمثل واحدة من أكبر التحديات في عراق ما بعد تنظيم "داعش"، لافتاً إلى استحالة إجراء الانتخابات قبل سيطرة الحكومة على أسلحة هذه الجماعات المنتشرة بكثافة، فضلاً عن نزوح ملايين الناس عن ديارهم. ويشير اللويزي إلى أن التحالف الثاني، الذي قد يتزعمه نوري المالكي، قد يضم فصائل مليشيا "الحشد الشعبي"، و"حركة إرادة"، التي تتزعمها النائبة حنان الفتلاوي، و"المجلس الأعلى الإسلامي"، فضلاً عن رئيس ديوان الوقف السني، عبد اللطيف الهميم، ووزير الكهرباء، قاسم الفهداوي، ورئيس "حزب الحل"، جمال الكربولي، ورئيس البرلمان السابق، محمود المشهداني.
وفي هذا السياق، اعتبر عضو "تحالف القوى"، محمد عبد الله، أن "لا دخان من دون نار"، مؤكداً، لـ"العربي الجديد"، أن الحديث عن التحالفات المستقبلية بدأ يخرج من السر إلى العلن. وأشار إلى أن المرحلة المقبلة ستكون مفتوحة على جميع الاحتمالات في ظل عدم حسم الأكراد موقفهم من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، مرجحاً أن تكون المعركة الانتخابية المقبلة محتدمة في ظل الانقسامات والانشطارات التي شهدتها المكونات السياسية العراقية، خصوصاً "التحالف الوطني" الحاكم الذي انقسم إلى جناحين، أحدهما داعم للعبادي، والآخر مؤيد للمالكي. ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين، علي البدري، أن الحديث عن تشكيل تحالفات "شيعية-سنية" يشير إلى أن المشهد السياسي المقبل سيحمل لنا مفاجآت كبيرة في ظل التقارب الواضح بين العبادي وقوى سياسية من المحافظات الشمالية والغربية (نينوى وصلاح الدين والأنبار)، مقابل اندفاع المالكي باتجاه مليشيا "الحشد الشعبي" لتشكيل معسكر مناوئ. ولفت إلى أن جبهة العبادي تحظى بدعم عربي ودولي مهم، في حين لا يحصل فريق المالكي إلا على الدعم الإيراني الذي يهدف إلى تكريس الحكم الطائفي، وإيصال قيادات "الحشد الشعبي" إلى السلطة، مؤكداً أن تأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة تصريف أعمال، يقودها العبادي، أحد السيناريوهات المطروحة. وأوضح أن القوى السياسية "السنية" تدفع باتجاه تأجيل الانتخابات بسبب حالة غياب الاستقرار في المحافظات الشمالية والغربية، فضلاً عن عدم سماح القوات العراقية بعودة النازحين من هذه المناطق.