التنكيل بمسلمي نيودلهي: فاشية حزب مودي تهدد بحرب أهلية

03 مارس 2020
هندية تبكي مقتل زوجها في مصطفى أباد أمس (Getty)
+ الخط -
لم تكن الهند، منذ استقلالها في عام 1947، بمنأى عن الاشتباكات الطائفية على الرغم من أن واضعي الدستور الهندي (تم اعتماده عام 1949) أنجزوا تصوراً لدولة علمانية، حيث يكون كل المواطنين سواسية أمام القانون. سلسلة الاشتباكات هذه، والتي كانت تتصاعد حيناً وتخف وتيرتها أحياناً أخرى، بدأت تعود بقوة في السنوات الأخيرة، تحديداً منذ وصول ناريندرا مودي لرئاسة الحكومة في عام 2014. منذ ذلك التاريخ، تشجع المتشددون في حزب الشعب الهندي "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي لتطبيق رؤياهم حول هيمنة الهندوس على الدولة، ما أدى إلى تفجر أعمال عنف في مرات عدة، كان أبرزها وأخطرها ما حصل الأسبوع الماضي، إذ ظهرت فيها وحشية غير مسبوقة في تاريخ البلاد، خصوصاً مع اتهام الشرطة في العاصمة نيودلهي، والتي يسيطر عليها حزب مودي، بأنها دعمت هجوم المتشددين الهندوس على المسلمين.

وتعيد أحداث الأسبوع الماضي في الهند، والتي أدت إلى مقتل 46 شخصاً وإصابة المئات، غالبيتهم العظمى من المسلمين، إلى الأذهان، أعمال العنف الدموية التي شهدتها ولاية غوجارات شمال غربي البلاد في عام 2002، حين كان مودي نفسه رئيساً للحكومة المحلية في الولاية (2001 -2014) التي قتل فيها نحو ألف شخص غالبيتهم من المسلمين.

كما تأتي الاشتباكات في نيودلهي لتزيد القلق على وضع 200 مليون مسلم في الهند يشكلون نحو 14 في المائة من سكان الهند، البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة. كما يخشى أن تتصاعد أعمال العنف وتتمدد لتهدد بحرب أهلية في البلاد، خصوصاً أن التوترات آخذة في التصاعد منذ أشهر. وكانت أعمال العنف قد هزت الهند منذ أن أقر البرلمان قانون المواطنة الجديد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والذي يعطي الجنسية لبعض أفراد الأقليات الدينية المولودين في الخارج، باستثناء المسلمين. وسقط 23 قتيلاً، في مناطق مختلفة من الهند، خصوصاً في ولاية أسام شمال شرقي الهند، نهاية العام الماضي، جراء احتجاجات على القانون، والذي يقول منتقدوه إنه متحيز ويأتي ضمن إجراءات أخرى مثل إلغاء الوضع الخاص لإقليم لكشمير، ذات الأغلبية المسلمة.


وفي حين أن الهدوء الهش عاد ليعم نيودلهي، إلا أنه يبدو أن الوضع قد ينفجر في أي لحظة مجدداً، خصوصاً أن المتشددين الهندوس بدأوا يشعرون بأنه لا يمكن المسّ بهم في عهد مودي الذي تجمع آراء عدة على وصف سياساته وخطاباته بالمتطرفة والفاشية.
 ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مديرة منظمة "هيومن رايتس ووتش" في جنوب آسيا ميناكشي غانغولي قولها إن "الداعمين للحكومة يشعرون أنه بإمكانهم ارتكاب كل أنواع العنف، لأنهم يعتقدون أنهم محميين سياسياً"، مشيرة إلى أن مودي وحزبه "سمحوا بانتشار ثقافة الكراهية". وأوضحت الصحيفة أن رئيس الحكومة عين متعصبين هندوساً على رأس أهم الجامعات والمؤسسات الثقافية في البلاد. وأشارت إلى أن الأشخاص الذين هاجموا المسلمين وصفوا بأنهم أبطال. كما أن المساحة السياسية للأقليات في الهند تتقلص، إذ لم يدخل أي مسلم إلى البرلمان في انتخابات 2014 و2019.

 واتهم منتقدون أعضاء في حزب "بهاراتيا جاناتا"، الذي يتزعمه مودي والذي لقي هزيمة ثقيلة في الانتخابات المحلية في نيودلهي أخيراً، بأنهم وراء أعمال العنف التي وقعت في العاصمة الأسبوع الماضي، وهو ما سارعت قيادات في الحزب لنفيه.


وتصاعدت التوترات بين المتشددين الهندوس والمسلمين، الذين يحتجون على السياسات المنحازة للهندوس التي تتبعها حكومة مودي منذ شهور، عندما اندلع العنف قبل نحو أسبوع، عشية زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى نيودلهي. واتهم وزير الداخلية أميت شاه، أحزاب المعارضة بالتحريض على أعمال الشغب من خلال نشر معلومات مضللة عن قانون المواطنة، الذي يقضي بتسريع منح الجنسية للأقليات الدينية من عدة دول مجاورة، باستثناء المسلمين.

ونشرت صحيفة "الأوبزرفر" البريطانية مقالاً لكنان مالك، قال فيه إن العنف الذي تشهده نيودلهي ليس اضطراباً أمنياً، وإنما هو وحشية تستهدف المسلمين على يد عصابات قومية هندوسية، أغلب عناصرها من أنصار الحزب الحاكم في البلاد، والذين كانوا يرددون شعارات "المجد للإله راما، والهند للهندوس". وأضاف مالك أن "الحزب الحاكم يؤمن بالهندوسية وأنها الهوية الأصلية الوحيدة في الهند، وأن جميع المسلمين في الهند لا بد أن يرحلوا إلى باكستان". وأشار إلى أن حزب "بهاراتيا جاناتا" كان وضع، عندما وصل إلى الحكم في 2014، حدوداً لتصريحات أعضائه المتطرفة والعدائية، لكن مودي فتح بعد ذلك الأبواب على مصراعيها للتعبير الأيديولوجي ولسياسات الإقصاء. ففي أغسطس/آب 2019، ألغت الحكومة نظام الحكم الذاتي في كشمير ذي الأغلبية المسلمة، استجابة لمطلب الهندوس. ثم سنت قانون الجنسية الجديد، الذي يفرض على الهنود إثبات أنهم يحملون الجنسية، علماً بأن الملايين لا يملكون أي وثيقة متعلقة بالجنسية. ويذكر كنان أن الاحتجاجات الكبيرة التي شهدتها البلاد ضد قانون المواطنة، وشارك فيها مسلمون وهندوس، تثبت أن غالبية الهنود لا يوافقون على ما تقوم به الحكومة وحزب "بهاراتيا جاناتا".

وقال مسؤولون هنود، أمس الاثنين، إن عدد القتلى في العاصمة الهندية نيودلهي بسبب أعمال الشغب بين الهندوس والمسلمين ارتفع إلى 46 شخصاً، بعد يوم من شائعات عن أعمال عنف جديدة أدت إلى اتصالات استغاثة بالشرطة في أجزاء كثيرة من المدينة. وشملت الشائعات، التي انتشرت الأحد الماضي، تقارير عن قيام جماعات مسلحة بمسيرات في الأحياء، بينما كانوا يرددون شعارات، ويقومون بإضرام النيران في المنازل. وتراجع الهلع عندما تواصلت الشرطة مع الزعماء الدينيين، الهندوس والمسلمين، وطلبت منهم المساعدة في الحفاظ على الهدوء في أحيائهم. كما أصدرت الشرطة بيانات، فيما نزل بعض النواب إلى الشوارع لطمأنة الناس بأن الوضع طبيعي.
ولم تقدم السلطات بعد رواية رسمية لسبب اشتعال أعمال العنف. ولم يرد المتحدث باسم الشرطة مانجيت سينغ راندهاوا على أسئلة حول عدد المحتجزين في أعمال الشغب، الذين تقدر أعدادهم بالمئات. ووافقت المحكمة العليا في الهند، أمس الاثنين، على النظر في القضايا التي رفعها ضحايا أعمال الشغب، متهمين قيادات في حزب "بهاراتيا جاناتا"، الذي يتزعمه مودي، ببث خطاب الكراهية. ويتهم بعض الضحايا كابيل ميشرا، الزعيم المحلي لحزب مودي، الذي فقد مقعده في مجلس ولاية نيودلهي في الانتخابات الأخيرة، بإذكاء أعمال العنف. وكان ميشرا قد طالب الشرطة، في اجتماع حاشد، بمنع تظاهرة للمسلمين في المدينة، أو القيام هو وأتباعه بذلك بأنفسهم. وبعد ساعات من ذلك، وقعت اشتباكات بين الهندوس والمسلمين بالأسلحة والسيوف والقضبان المعدنية والفؤوس، ما جعل الشوارع التي شهدت أعمال الشغب أشبه بمنطقة حرب.

وما لم تكشفه الشرطة الهندية، تحدثت عنه وسائل إعلام غربية، إذ كشفت عن عمليات قتل مروعة لمسلمين. وذكرت وكالة "أسوشييتد برس"، في تقرير، أن مستشفى صغيرا يسمى "الهند" بحي مصطفى آباد شمال شرقي العاصمة تحول من منشأة علاجية إلى شاهد على مناظر مروعة لضحايا الاشتباكات. وأوضحت أن أطباء، مثل أنور، عالجوا، للمرة الأولى، إصابات خطيرة ناتجة عن أعيرة نارية، وتحطم الجماجم وبتر الأعضاء. وقال أنور للصحيفة "أردت أن أبكي. شيء داخلي مات خلال تلك الأيام". وذكرت الوكالة أن شوارع نيودلهي تحولت، عشية وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى العاصمة الهندية، إلى منطقة حرب، حيث تبادل الهندوس والمسلمين هجمات بأسلحة مصنعة يدوياً، كما تم إحراق محلات ومساجد ومدارس وسيارات. وأدى العنف إلى مقتل 42 شخصاً وإصابة المئات، فيما تكافح الشرطة من أجل التعرف على بعض الجثث، بسبب فظاعة ما ارتكب بحقها.

وتحدثت "أسوشييتد برس" عن الوحشية التي ارتكبت في حي مصطفى آباد، إذ تمت مهاجمة مواطنين بالسواطير، وحرق بعضهم أحياء، وضرب آخرين بالهراوات حتى الموت. كما تم قتل مسؤول في الاستخبارات طعناً، ومن ثم رميت جثته في مجرى مياه الصرف الصحي في منطقة تقع بين مناطق الهندوس والمسلمين. وتكاثرت الأسئلة حول الدور الذي أدته شرطة العاصمة الهندية، وما إذا كانت وقفت على الحياد أو دعمت هجمات الهندوس على المسلمين. ونفى المتحدث باسم الشرطة أنيل ميتال مساعدة الشرطة للمهاجمين، فيما قال أطباء في مستشفى "الهند" إن السلطات منعت سيارات الإسعاف من الوصول إلى بعض المناطق. وقامت المحكمة العليا، ليل الأربعاء الماضي، أي بعد مرور 72 ساعة على اندلاع العنف، بإصدار حكم غير مسبوق يأمر الشرطة بتأمين ممر آمن لسيارات الإسعاف.

واتهم الكاتب البريطاني باتريك كوكبيرن، في مقابل في صحيفة "إندبندنت"، المجتمع الدولي بالتأخر في إدانة المجزرة التي تعرض لها المسلمون في نيودلهي. وأضاف أن الشرطة الهندية تركت المسلمين بدون حماية تُذكر، موضحاً أن مقطع فيديو أظهر رجالاً مسلمين وقد غطت الدماء وجوههم جراء ما تعرضوا له من ضرب، بل وأجبرتهم الشرطة على الانبطاح أرضاً وترديد أناشيد وطنية. وأشار إلى أن مودي لم ينبس ببنت شفة لعدة أيام قبل أن يطلق نداءً دعا فيه إلى الحفاظ على "السلام والتآخي". واتهم المجتمع الدولي لما اعتبره تلكؤا من جانبه في فهم فداحة ما يحدث في الهند. وعزا ذلك إلى أن حكومة مودي ظلت تقلل من شأن مشروعها الرامي لتغيير وضعية البلاد باعتبارها دولة تعددية علمانية. من جهتها، دانت منظمة التعاون الإسلامي العنف ضد المسلمين والتعدي على المساجد والممتلكات. واتهم السناتور الأميركي بيرني ساندرز، الذي يسعى للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية، الرئيس دونالد ترامب بالفشل في التصدي لقضية حقوق الإنسان بعد أن رفض انتقاد أداء نيودلهي في مواجهة العنف. وكان ترامب أشاد، خلال زيارة رسمية عندما اندلع العنف في نيودلهي، بتاريخ الهند مع التسامح الديني، قائلاً إن عدة أديان "تعبد جنباً إلى جنب في وئام".
(العربي الجديد، أسوشييتد برس)

دلالات