حيلة من نتنياهو لإحباط المبادرة الفرنسية وتثبيت الكتل الاستيطانية

27 مايو 2015
طرح نتنياهو ينطوي على خدعة جديدة (غالي تيبون/فرانس برس)
+ الخط -
لم تأت دعوة رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي أطلقها خلال لقائه مع مسؤولة العلاقات الخارجية الأوروبية، فيدريكا موغريني، بشأن التفاوض حول حدود المستوطنات، من عبث، بقدر ما جاءت لتعكس محاولة مكشوفة منه لإعادة خلط الأوراق تحت ستار دعوة لتحريك المفاوضات.

اقرأ أيضاً: نتنياهو يقترح مفاوضات حول حدود "الكتل الاستيطانية".. والفلسطينيون ينددون 

في الوقت نفسه، أراد نتنياهو من وراء دعوته هذه خلق وهم يبعد عن دولة الاحتلال شبح ضغوط أوروبية مؤجلة إلى ما بعد التوصل إلى اتفاق نهائي بين مجموعة 5+1 وإيران في أواخر يونيو/حزيران المقبل.

ورغم أن نتنياهو لا يميل عادة إلى قبول نصائح "الأصدقاء" في كل ما يتعلق بالمناورات الدولية والسياسية، خلافاً للنمط التقليدي لسياسات اليسار الإسرائيلي، لكن الواضح أن تحذيرات وزير الخارجية النرويجي بورغ براندا كان لها أثر في نفسه، تبيّن من خلال محاولته إقناع موغريني بأن حكومته الرابعة على استعداد للمضي قدماً في تحريك المسيرة السلمية.

لكن اقتراح نتنياهو، بشأن الاتفاق أولاً على ترسيم حدود الكتل الاستيطانية التي تظل تحت سيطرة الاحتلال، في أي اتفاق مستقبلي، تحمل في طياتها شروطاً مسبقة ببقاء الاستيطان والكتل الاستيطانية كأمر مفروغ منه، وكواقع لا يمكن إنكاره أو تغييره.

ويبدو أن نتنياهو يسعى من وراء اقتراحه الذي يسعى إلى تسويقه كاستعداد إسرائيلي لاستئناف المفاوضات، إلى القول إنه يتجاوب عملياً مع أحد شروط الرئيس الفلسطيني محمود عباس لاستئناف المفاوضات من خلال الاتفاق أولاً على حدود المستوطنات الإسرائيلية، وبالتالي لن تشكل مواصلة البناء ضمن هذه الحدود، خرقاً لأي تعهدات دولية، من جهة، ويمكنها أن تكون بمثابة تعويض لشركائه في الائتلاف الحكومي بما فيهم "البيت اليهودي"، من جهة ثانية.

غير أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فالحديث عن ترسيم حدود المستوطنات يحمل في طياته أيضاً أطماعاً إسرائيلية بضم المزيد من الأراضي لسلطة ونفوذ الكتل الاستيطانية الكبيرة، عبر استغلال ما يسميه الاحتلال بأراضي دولة في الضفة الغربية لتحويلها لصالح هذه المستوطنات. إضافة إلى إرفاق الأراضي التي صودرت لأغراض عسكرية بمديرية الإدارة المدنية، كي تحول بدورها إلى مناطق نفوذ داخل حدود المستوطنات القائمة تحت بند "التجاوب مع التكاثر والازدياد الطبيعي للسكان".

ووفقاً لخريطة الضفة الغربية المحتلة وتوزّع الكتل الاستيطانية الكبرى فيها (غوش عتصيون جنوبي القدس، معاليه أدوميم، أريئيل)، فإن طرح نتنياهو يتضمن خطة جديدة لتوسيع رقع هذه الكتل بمصادقة فلسطينية وشرعية دولية تضفي، بأثر رجعي، شرعية قانونية على مجمل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والتي يعتبرها القانون الدولي غير قانونية وغير شرعية.

انطلاقاً من هذا الأمر، فإن فكرة نتنياهو المقترحة على الوزيرة الأوروبية، لا تتعدى كونها محاولة للالتفاف والاحتيال على الرأي العام العالمي، بادّعاء وهم تحريك المفاوضات والاتصالات مع الجانب الفلسطيني، ما من شأنه أن ينقل الضغوط المرتقبة على إسرائيل إلى ضغوط على الجانب الفلسطيني.

ويعتمد نتنياهو في حساباته هذه على فكرة وردت في محادثات إسرائيلية فلسطينية برعاية أميركية، طرح فيها خيار تحديد وترسيم حدود الكتل الاستيطانية، ووضع تصور لحدود الدولة الفلسطينية، وهي خيارات كان نتنياهو أكبر معارض لها ورفضها كلياً، كما حدث في المفاوضات التي قادها المبعوث الأميركي السابق جورج ميتشيل، ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون بين عامي 2009 و2011، وفي جولة المفاوضات التي قادها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، والمبعوث الأميركي مارتين إنديك بين عامي 2013 و2014.

وعلى الرغم من إشارة صحيفة "هآرتس"، والتي كشفت النقاب عن هذا الاقتراح، إلى أنه يحمل لأول مرة موافقة من نتنياهو على البحث والتداول في اقتراحات لترسيم حدود، غير أن جدية اقتراحات نتنياهو تظل موضع شك كبير، لا سيما على ضوء التعديلات الوزارية في حكومته. فقد قام بتوزيع صلاحيات وزارة الخارجية بين أكثر من وزير ونائب وزير، مما يبقيه صاحب الكلمة الأخيرة في هذا المضمار، لكنه سيستفيد عندها من كل بلبلة قد تنجم عن التصريحات "المرسلة للفضاء الإسرائيلي الداخلي" من الوزراء الذين توزعت عليهم مسؤوليات وزارة الخارجية. وستكون هذه التصريحات أداة لإثارة البلبلة حول موقف حكومة نتنياهو حتى من مسألة ترسيم حدود الكتل الاستيطانية.

اقرأ أيضاً: زحف استيطاني جديد على طريق بيت لحم الخليل

في المقابل، فإن رمي نتنياهو لهذا الاقتراح أمام موغريني، خفف من حدة موقف الأخيرة التي أبلغت نتنياهو، بحسب "هآرتس"، أنها تقدر تصريحاته لكنها غير كافية، وأنها تريد أن ترى خطوات على أرض الواقع تثبت التزامه بحل الدولتين لشعبين. وقد اعتبرت "هآرتس" هذا التعبير بأنه يتجاوب مع الخطاب الذي تريده إسرائيل في سياق الحديث عن دولة يهودية إلى جانب دولة فلسطينية، وأنه ينم عن اعتراف ضمني بمطلب إسرائيل الاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي.

ويعكس طرح نتنياهو دبلوماسية جديدة يتبناها، تأتي خلافاً لخطابه الانتخابي الحادّ، كما يعبّر عن تحول ظاهري بالامتناع في المرحلة الحالية عن التصعيد الدبلوماسي مع الغرب لتفادي تكثيف النشاط الفرنسي لدعم مبادرة وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس باستصدار قرار أممي يحدد مفاوضات لثمانية عشر شهراً، يتم في نهايتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية. والامتناع عن التصعيد واستفزاز الفرنسيين يهدف بشكل أساسي إلى إحباط المبادرة الفرنسية من جهة، ووقف مساعي دولية وأوروبية، على وجه التحديد، لمقاطعة البضائع الإسرائيلية أو وضع علامات  مميزة للمنتجات التي تصنع في المستوطنات.

المساهمون